ما لا تعرفه عن “آيا صوفيا”.. وأزمة عودته إلى مسجد!

كافة  التطورات تجعل من الضرورة تغيير صيغة السؤال الذي ظل يتردد لسنوات من “هل يفعلها أردوغان” إلى السؤال عن ” متى يفعلها أردوغان؟”.

 

قامت الدنيا ولم تقعد، لمجرد صدور تعليمات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعداد دراسة شاملة تحدد الآليات اللازمة لعودة آيا صوفيا إلى سابق عهده مسجدا، وفتحه أمام المصلين، في أعقاب الاهتمام الواسع الذي حظيت به قراءة سورة الفتح بداخله في ذكرى فتح إسطنبول هذا العام.

ورغم أن الرئيس أوضح أن المسجد لن يغلق أبوابه في وجه السياح، حيث يكون بإمكانهم زيارته مجانا مثله في ذلك مثل الجامع الأزرق تماما ( الزيارة حاليا بمقابل مادي كبير)، مؤكدا عدم التعجل في إخراج تلك الدراسة، وأن الامر برمته سيخضع لاحقا لتقييم شامل، وسيُتخذ القرار في هذا الشأن من جانب الشعب صاحب الحق الوحيد في تحديد ذلك (وهو ما يعني طرح الأمر في استفتاء شعبي ) فإن أصواتا كثيرة خرجت من هنا وهناك لتكيل له الاتهامات بتوظيف الدين، والتلاعب بمشاعر الإسلاميين من أبناء الشعب التركي والمسلمين في كافة أنحاء المعمورة، الذين يتحرقون شوقا لرؤية الصلاة تقام في آيا صوفيا مُجددا، لما يمثله ذلك من رمزية للإسلام وقوة للمسلمين، وبما يمنحه لهم ذلك من قدرة على الصمود والكفاح من أجل إعادة إحياء الأمة الإسلامية، وضمان عودتها لتتبوأ مكانتها، وتستعيد مجدها وعصور انتصاراتها.

أزمة العودة

على الصعيد الداخلي لقي الحديث عن بدء اتخاذ إجراءات عودة الحياة لآيا صوفيا دعما مطلقا من جانب الرأي العام، خصوصا الإسلاميين الذين استبشروا خيرا بهذا القرار، في حين تباينت مواقف الأحزاب التركية، إذ دعم كل من أحزاب: السعادة، والرفاه الجديد، والاتحاد الكبير تلك الخطوة من جانب حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه الحركة القومية، الذي أكد رئيسه دولت بهشلي أن صوت الأذان هو الذي سيرتفع في آيا صوفيا وليس صوت الأجراس، في رده على الاعتراضات الأوربية تجاه تلك الخطوة.

في حين رأت أحزاب: الشعب الجمهوري والجيد والمستقبل في ذلك مناورة غير محسوبة العواقب من جانب العدالة والتنمية لتعويض ما خسره في الانتخابات البلدية من أصوات، محذرين من خطورة التلاعب بمشاعر المواطنين وتوظيف الدين في السياسة.

وهؤلاء يتجاهلون استطلاعات الرأي التي تؤكد ارتفاع شعبية العدالة والتنمية جراء أسلوب معالجته لوباء كورونا، خصوصا وأن ما اتبعه من خطط وما نفذه من حزم اقتصادية وما قدمه من خدمات على مدي الشهور الثلاثة المنصرمة لكافة شرائح المجتمع ساهم إلى حد كبير في الحفاظ على أرواح المواطنين بمختلف أعمارهم، ومساندة أصحاب الدخول المحدودة والمتضررين من فرض حظر التجوال على تخطي تلك الفترة بسلام.

الصلاة في آيا صوفيا وعلاقتها باستفزاز أوربا

أما على الصعيد الخارجي فقد تسبب القرار في حالة من السخط والغضب العام داخل العديد من العواصم الأوربية، لتتصدر اليونان، الخصم التقليدي لتركيا، مشهد الرفض، حيث رأت في هذه الخطوة استفزازا جديدا من جانب أنقرة لمشاعر مسيحيي أوربا، وهو الاستفزاز الذي يتكرر – وفق وجهة نظرها – كل عام في التوقيت نفسه، نتيجة إصرار أردوغان على الاحتفال سنويا بذكرى فتح إسطنبول على المستويين الرسمي والشعبي، وقراءة سورة الفتح داخل آيا صوفيا.

الحكومة اليونانية لم تكتف بتلك التصريحات، بل وجهت انتقادا علنيا لأنقرة، مدعية أن تلاوة القران داخل آيا صوفيا يعد خرقا لاتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي الموقعة عام 1972، وهو ما اعتبرته تركيا تدخلا في شؤونها الداخلية.

وفي هذا الطرح تحديدا تتجاهل اليونان حقيقة أن آيا صوفيا والمنطقة المحيطة بها تعود ملكيتها والسيادة عليها للدولة التركية، وفق نص وثيقة وقفها، التي توضح أن السلطان محمد الفاتح قام بشرائها من مالكيها، ليتمكن المسلمون من أداء الصلاة بها، حيث لم يكن هناك مسجد يقيمون فيه الصلاة في أعقاب فتح إسطنبول، وان الفاتح رفض دفع قيمتها من بيت مال المسلمين، وأصر على دفع الثمن كاملا من حر ماله للرهبان الأرثوذكس، ليقوم بعد ذلك بتحويلها إلى جامع، ويوقفه والأراضي المحيطة به وما عليها من مبانٍ لصالح المسلمين في كافة أنحاء العالم الإسلامي، وهي الوثيقة التي لاتزال محفوظة بحالتها الأصلية في دائرة الوثائق والحجج التركية بأنقرة.

 الغريب في الأمر أن الحكومة اليونانية مع ذلك لا تري أية غضاضة ولا استفزازا للمسلمين حينما تقوم وسائل إعلامها بإطلاق اسم القسطنطينية على إسطنبول عند تناولها أمرا يخص المدينة، التي تغير اسمها عقب الفتح الإسلامي إلى إسلام بول أي مدينة الإسلام، وهو الاسم الذي تحول على ألسنة العامة إلى إسطنبول.

ما تقوله اليونسكو:

اتفاقية اليونسكو التي تتحدث عنها أثينا جعلت البعض يرى أنها قد تمثل عقبة حقيقية أمام حلم المسلمين بإعادة آيا صوفيا إلى مسجد مرة أخرى، وهؤلاء يتناسون أن تركيا دولة لها حق السيادة الكاملة على أراضيها وما عليها من ممتلكات، إلى جانب أن قرار تحويل المسجد إلى متحف كان قرارا فرديا من جانب مصطفى كمال أتاتورك وحده، ولم يتم استطلاع رأي الشعب التركي فيه، بينما يعتزم الرئيس أردوغان إجراء استطلاع شعبي قبل اتخاذ قرار فتح المسجد، رغم رغبته الشخصية في أن يتم ذلك خلال وجوده في السُلطة، وهو ما يتوقع تحقيقه، خصوصا وأن نتائج استطلاعات الرأي التي اُجريت حول ذلك الأمر من جانب بعض المؤسسات البحثية وشركات استطلاع الرأي، أكدت أن 89.5% من الأتراك يؤيدون إعادة آيا صوفيا للعبادة مسجدا، وفتح أبوابه أمام المصلين، لعدة اعتبارات، أهمها الرد عمليا على حالة العداء الغربي للإسلام التي وصلت إلى استهداف المسلمين وملاحقتهم، وتأكيد السيادة التركية على أراضيها. 

قرار مجلس الدولة وعودة الأمل لمساجد تركيا

عودة الأمل في إمكانية استعادة آيا صوفيا لهويته مسجدا مرة أخرى ترتكز على نتائج استطلاعات الرأي العام تلك، إلى جانب قرار مجلس الدولة الصادر عام 2019 الخاص بإعادة مسجد ” كاريا ” للعبادة مرة أخرى، وهو المسجد الذي يطابق وضعه جامع آيا صوفيا تماما، إذ تم تحويله إلى متحف ومستودع بقرار وزاري عام 1945م، بعد أن كان مسجدا منذ عام 1511م، وجاء في حيثيات الحكم أنه ” لا يمكن تحويل دور العبادة إلى أغراض أخرى “.

الأمر الذي من شأنه أن يكون له تأثير إيجابي على القرار المنتظر صدوره في الدعوى القضائية المرفوعة من جمعية الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة منذ عام 2016، للمطالبة بإلغاء قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف، حيث سيتم الاسترشاد به وبالحيثيات المرفقة معه. 

ما يعني أنه سيكون مُمهدا ليس فقط لعودة آيا صوفيا مسجدا، بل واستعادة الكثير من المساجد والجوامع في مختلف أنحاء تركيا لهويتها، وهي التي تم تحويلها إلى متاحف أو مخازن بتعليمات من كل من مصطفى كمال أتاتورك وخليفته عصمت إينونو، اللذين قادا حملة واسعة لطمس كل ما يتعلق بهوية تركيا الإسلامية، ومن بعدهما حزب الشعب الجمهوري، الذي شن حملة استهدف فيها المساجد والجوامع تحت عنوان ” مشكلة الجوامع في تركيا ” حيث أصدر قانونا عام 1928 تم بموجبه تدمير آلاف المساجد في المدن والقرى التركية، وبيع الأراضي التي كانت مقامة عليها، كما تم تحويل الكثير منها إلى اسطبلات للخيول ومخازن وسجون وبارات.

متى يفعلها أردوغان إذن؟

قرار المحكمة الذي ينتظره الأتراك بقلق سيصدر في الثاني من  يوليو/تموز المقبل، إلا أن الأرضية السياسية والشعبية أصبحت مؤهلة تماما لرد الاعتبار لكافة المساجد والجوامع التي تم تحويلها إلى مخازن ومستودعات، وفي مقدمتها بطبيعة الحال مسجد آيا صوفيا، الذي يمثل قيمة تاريخية وروحية ورمزية إسلامية يصعب وصفها أو حصرها في مجموعة من المفردات اللغوية.

كافة  التطورات تجعل من الضرورة تغيير صيغة السؤال الذي ظل يتردد لسنوات من “هل يفعلها أردوغان” إلى السؤال عن ” متى يفعلها أردوغان؟”.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه