ما بين انتفاضة 77 وثورة يناير.. حضور الشعب.. وأشياء أخرى

ولا أدري لماذا يُعاقب الشعب المصري في كل مرّة ينتفض فيها ضد حكامه بمزيد من الارتماء في أحضان الصهاينة؟!

في صبيحة يوم الثامن عشر من يناير 1977 فوجئ السادات ونظامه بخروج الشعب المصري منتفضا ضد سياساته الاقتصادية التي بدأت في 15 مايو 1974 حين أصدر ما سمي حينها بقرارات الانفتاح الاقتصادي، والتي وصفها الكاتب الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين بانفتاح (السداح.. مداح) أي انفتاح غير مدروس.

لقد خرج أنور السادات من حرب أكتوبر باعتقاد أنه الزعيم التاريخي الذي حقق الانتصار على العدو الصهيوني، وبعدها بعامين كان إعادة افتتاح قناة السويس، وصاحب ذلك ارتفاع نغمة: “الرئيس المؤمن ورب العائلة المصرية” فخيل له أنه الفرعون الباقي علي حكم مصر حتى النهاية.

لا أدري حقيقة ما علاقة وظيفة رئيس الجمهورية بفكرة رب العائلة وكبير العائلة، وكأن الحكام المصريين آباء لنا ويجب علينا الطاعة وإلا اعتبر ذلك عقوقا؛ لكنها فكرة فرعونية متأصلة ونعاني منها في حياتنا، وحين تنتقد أو تعارض فكأنك تعارض والدك.. فكرة “الأبوية” لرئيس الجمهورية لا تراها إلا في المنطقة العربية!

القرارات الاقتصادية مفجرة لانتفاضة 18و19 يناير

كانت القرارات الاقتصادية التي شملت ارتفاعا في أسعار سلع أساسية هي السبب الظاهر لتلك الانتفاضة التي شهدتها كل المدن المصرية من أسوان الي الإسكندرية، وخرج خلالها الشعب معارضا القرارات بدون قائد ولا نخبة ولا طليعة ورغم أن ارتفاع الأسعار حينها بسيط جدا أمام ما يحدث الآن، إلا أن المؤكد أن ارتفاع الأسعار كان غطاء لغضب شعبي كبير ناتج عن التحول في السياسات كافة

إذن كان الشعب هو الذي خرج في بداية الانتفاضة الشعبية الكبرى التي هزت أركان النظام وأربكته فخرج منها السادات مهزوما، وللأسف الشديد خرج باحثا عن مغامرة أكبر تمسح إحساسه بالانكسار أمام الشعب فكانت رحلته الى القدس المحتلة، وزيارة الكيان الصهيوني وهو الحدث الأهم في القرن العشرين، وكان سببا مباشرا لكل ما مرت به الأمة العربية من كوارث وهزائم أدت بنا إلى ما وصلنا إليه من تغلغل للكيان الصهيوني في معظم البلاد العربية.

من المؤكد أن الشعب المصري حين خرج في تلك الأيام لم يكن يجول بخاطره أن تكون تلك هي النتيجة، ولا أدري لماذا يعاقب الشعب المصري في كل مرّة ينتفض فيها ضد حكامه بمزيد من الارتماء في أحضان الصهاينة؟!

 فقد خرجنا من انتفاضة ٧٧ بزيارة الكيان الصهيوني الأولى وخرجنا من ثورة يناير بحكم السيسي للبلد، وسلامه الدافئ مع هذا الكيان، بل والأخطر تنازله عن تيران وصنافير للسعودية بما يخدم المصالح الإسرائيلية، إضافة إلى تدفق الغاز الذي سرقه الكيان الصهيوني إلى مصر؛ وكأن هذا الكيان هو الحامي للرؤساء والأجهزة من غضب الشعب!

في 28 يناير خرج الشعب أيضا

إذا كان الشعب قد بادر في يناير 1977 بالخروج نتيجة إحساسه بظلم التوجهات السياسية والاقتصادية في تلك الفترة؛ فإن الشباب المصري كان طليعة الحدث الأول في ثورة يناير 2011 بدعوته للتظاهر ضد ممارسات وزارة الداخلية وما يحدث داخل مراكز الشرطة والسجون، ولعلنا نذكر جميعا مقتل خالد سعيد التي فجر الثورة، وكذلك حادثة قتل سيد بلال أثناء التعذيب.  

وعلى عكس ما حدث في يناير 77 جاءت ثورة يناير بداية من شباب وطليعة ثورية تظاهرت ظهر يوم 25 يناير واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم 26 إلا أن الانتفاضة الحقيقة والثورة الكبرى كانت عقب صلاة جمعة 28 يناير حين انضم الشعب مع أبنائه من الطليعة والنخبة السياسية.  

انضم الشعب إذن فتحولت الدعوة إلى التظاهر والمظاهرة إلى ثورة شعبية؛ فقد شهد العام الذي سبق الثورة تظاهرات واعتصامات كثيرة؛ ولكن كان ينقصها حضور الشعب وحين حضر الشعب كان بدايات الانتصار لثورة يناير.

ريما لم يحسن السياسيون أو الثوار التعامل مع الحدث، ونعترف جميعا الآن بالأخطاء التي ارتكبناها في حق هذا الشعب الذي استمر لمدة عامين كاملين في الشوارع استجابة لدعوات الثوار والنخبة، ولكنهم خذلوه جميعا بعدم فهمهم لطبيعة المرحلة وانتقالهم سريعا إلى محطات السياسة، ولم تكن الثورة قد ارتكزت على أرض صلبة فسلموا الثورة لنظام مبارك بسذاجة كبيرة وفي هذا لا أحد يُستثنى، فالجميع يتحمل المسؤولية.

الوعي الحاضر في يناير دائما

  الوعي الجمعي للجماهير والثقافة من عوامل التغيير وكان للوعي حضوره الفريد في 18،19 يناير عبر قوى اليسار المصري الناصري والماركسي وهؤلاء هم الذين قادوا المظاهرات وساعد وعي الشارع نتيجة للحالة العامة للثقافة والمعرفة في فترة الستينيات في استمرار التظاهرات لمدة يومين وتراجع الحكومة في ذلك الوقت عن القرارات الاقتصادية.

أما في ثورة يناير ٢٠١١ فقد كان وعي الشباب والانفتاح على العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك الانفراجة الإعلامية التي شهدتها الصحف والقنوات الفضائية قبل يناير بسنوات واحدا من أهم أسباب انفجار الثورة (للأسف الشديد تم إغلاق معظم المواقع وكذلك تمت السيطرة على كل الصحف وانتهى الإعلام الرسمي التليفزيون.. وأصبحت كل الصحف الرسمية وغير الرسمية نسخة واحدة مكررة بأوامر الرقيب العسكري). 

لقد كان الوعي نقطة انطلاق للشباب وكان انضمام الشعب لهم في ٢٨ يناير عظيما فكانت تباشير الانتصار للثورة التي لم يكتب لها الاكتمال إذ ذهب السياسيون إلى جمع الغنائم وتركوا ميادين الثورة! 

هل يحضر الشعب السبت القادم؟!

هذا هو السؤال الذي يؤرق الجميع في مصر الآن النظام وأجهزته الأمنية التي تنتابها حالة ذعر كلما اقترب ٢٥ يناير فينتشرون في شوارع مصر كلها ويعسكرون بالميادين والشوارع الرئيسية ويغلقون محطات المترو ويقبضون بعشوائية على المارين في الشوارع .. 

هو سؤال أيضا يؤرق بعض المنتسبين إلى يناير بعد وركنوا إلى حالة الإحباط وتماهوا مع حالة الثورة الفيسبوكية سواء في داخل مصر أو خارجها.

سؤال يؤرق شبابا من الثورة ربما استطاعوا أن يحصلوا على مزايا حياتية أو فرص عمل ما فاستكانوا لها.. وهكذا يصبح هذا هو السؤال لدي كل الناس: النظام  الساسة الثوار السابقون.. والذين يحلمون بالثورة ويؤمنون بها.

لا أحد يمتلك إجابة خالصة بما يمكن أن يحدث خلال الأسبوع القادم وحتى موعد كتابة المقال القادم فحضور الشعب ليس له موعد فربما يكون حضورا طاغيا وربما يجلس المصريون في منازلهم يتناولون القهوة أمام مسرحيه كوميدية أو فيلم كوميدي، لا أحد كان يتوقع حضور الشعب في يناير 77 ولا قبله في يناير ٧٢ ولا بعده في فبراير 1986 ولا في 25 يناير 2011.. فمواعيد الشعب المصري بيده هو: قد يخذل كل المتخاذلين وكل الذين يحبطون محاولات التغيير وكل من يدعي عليه أنه مستكين ويفاجئنا بمشهد عظيم يعيد كتابة التاريخ وحينها ستسقط كل النخب المتخاذلة.. وقد لا يفعلها.. ولكن المؤكد أن في صحوة الشعب المصري إعادة لكتابة تاريخ المنطقة بأكملها.. فهل يفعلها المصريون؟!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه