ماري كولفن ثماني سنوات على الرحيل.

 

لقيت ماري كولفن حتفها في مدينة حمص عام 2012 حين قام النّظام السّوري بقصف البناء الذي كانت فيه بصحبة المصور ريمي أوتشيلك. وماري من مواليد عام 1956.. بعد وفاتها صور فيلم سينمائي تناول حياتها، يقول الفيلم عنها:

(مراسلة حربية بدأت مسيرتها عام 1986 كانت تكتب من خطوط المواجهة في الأماكن التي عملت فيها “العراق/أفغانستان/ سوريا).

يبدأ الفيلم من “حمص سوريا”

السّؤال الأخير: بعد خمسين عاماً سيقوم شباب بإخراج هذا القرص المدمج من الصّندوق وقد يصدرون حكماً عن كونك صحفية، ماذا تريدين من ذلك الشّاب أن يعرف عن ماري كولفن وعن كونك مراسلة حربية؟

سؤال صعب أشبه بكتابة نعي خاص!

هكذا يبدأ الفيلم الذي تناول حياة ماري كولفن الصّحفية البريطانية التي قتلت أثناء حصار حمص وأصرّت أن تبقى هناك لتنقل الحقيقة إلى العالم حقيقة ما يفعله النّظام السّوري بالشّعب الأعزل الدّمار والقتل والتّعذيب والحصار.

(من المفترض أن أنظر إلى الخلف وأقول بأنّي أخذت كفايتي من الذّهاب لتلك الأماكن والكتابة عنها بطريقة ما. أعتقد أنّ الخوف يأتي في النّهاية عندما ينتهي كلّ شيء).

الفيلم بعنوان “حرب خاصة”

إنّها حرب ماري كولفن مع الحياة والأنظمة الدّيكتاتورية، حرب ماري مع الحرب نفسها إظهار البشاعة المطلقة لوجه الحرب المقيت. يصور الفيلم أولى تغطيات ماري في سيرلانكا.

ذهبت ماري للقاء زعيم نمور التاميل في “فاني سيرلانكا” حيث ترفض الحكومة السّماح لمساعدات الأمم المتحدة بعبور خطوط الحصار وتنكر ذلك، الحكومة تكذب طبعاً.

يعرف الشّخص الذي يرافق ماري أنّها تتمتع بمصداقية لدى النّاس وأنّ عليها أن تقنع النّمور بالقبول بتسوية سياسية فهم لا يطلبون سوى التّساوي في الحقوق، لكنّ ماري تبرر رفضها بإرجاعها السّبب إلى الحكم الاستعماري البريطاني وهي لا يمكنها إصلاح ذلك ولم تأتِ إلى فاني لأجل ذلك بل جاءت من أجل النّاس المرضى الذين يتضورون جوعاً؛ ولأنّ الحكومة تمنع المساعدات والقليل الذي يصل يسرقه جيش النّمور.

في الحرب يذهب الآباء إلى سريرهم في الليل ولا يعلمون إن كان أبناؤهم سيبصرون ضوء النّهار، هذا هو مقياس الخوف الذي لا يمكن لماري الشّعور به.

عندما تقوم بالتّغطية تذهب إلى مناطق قد تتعرض فيها للقتل. ما توقعته ماري حصل في “فاني” أثناء خروجها من المنطقة مع الجنود تعرضوا للهجوم، حاولت ماري مخاطبتهم بقولها إنّها غير مُسلّحة وأنّها صحفية أمريكية لكنّهم أطلقوا عليها الرّصاص!

تفقد ماري عينها وفي وضع صحي خطير في المستشفى تصرُّ على تدوين ملاحظاتها على مسجل الصّوت ومتابعة عملها.

بعد عودتها ،والاحتفالالذي أقامته جريدة الصاندي تايمز لها عاشت ماري فترة مع كوابيس الحرب فهل منعتها تلك الكوابيس المصحوبة بالخوف من متابعة عملها الصّحفي الذي أدمنته بصفتها مراسلة حرب؟

يلاحقها في تلك الكوابيس رجالٌ مسلحون يطلقون عليها النّار، جثث أشخاص، ومشاهد يغشاها الدّم. فرأت أنّ محاربة كوابيس الحرب تكون بالمواجهة والعيش فيها حقيقة بدلاً من هيمنتها على منامها وصحوها فعادت للعمل.

الحدود العراقية 2003

تحكي ماري عن المجازر الجماعية التي اكتشفت في العراق بعد الاحتلال الأمريكي، الفيلم هنا لا يخلص تماماً للحقيقة بل يصورها على هواه مخلصاً للجزء الذي يظهر أمريكا كبطلة أنقذت الشّعب العراقي من براثن صدّام القاتل. لا أحد ينكر أنّ صدّام حسين كان ديكتاتوراً وقد اتّخذ قرارات سياسية خاطئة خاصة في اجتياحه للكويت، لكن هذا لا يعني براءة الذئب الأمريكي من دماء الشّعب العراقي بل يثبت أنّ اليد الطولى لأمريكا في دفع صدّام لتلك القرارات ليحفر قبره بيديه.

الفيلم يظهر ماري وهي تطلب الحفر في منطقة ما للبحث عن المقابر الجماعية، ولا أعرف مدى صحة هذا المشهد في الواقع وهل كانت حقّاً صحفية تلاحق أخبار الحروب أم كانت لها صلاحيات أكبر قد لا تكون للحكومات ؟

تأتي مجموعة من النّساء العراقيات اللواتي يحملن صور أزواجهن وأولادهن وآبائهن الذين فقدوا في عهد صدّام عساهنّ يجدنهم في المقبرة التي تحفر ماري بحثاً عنها..

ماري تريد سماع قصصهن وتسجيلها. يهاجمون من قبل فئة توقفهم في اللحظة التي تخرج الجرافة عظام وملابس وترميها أمام النساء اللواتي يبدأن بالنّحيب وإهالة التّراب على رؤوسهن واللطم على الهياكل المستخرجة من الحفرة.

السّؤال الذي واجه ماري في أفغانستان “هل تغطية الحرب تحدث فارقاً؟” عليك أن يكون لك إيمان عظيم بالبشرية لتستطيع متابعة ما تقوم به.

أما في ليبيا 2011 فقد التقت ماري ببعض الجنود المأسورين لدى الثوار الذين اغتصبوا الفتيات الليبيات وأخبروها أنهم يتلقون الأوامر من الله والقذافي هو الله! ويظهر الفيلم أنّ اغتصاب الفتيات هو العقاب الذي قام به القذافي ضدّ الثوار! آمنت ماري أنّ عليها تقديم الحقيقة للناس والحقيقة لا يعرفها إلا من يشاركون في الحرب؛ لذا عليها أن تكون موجودة بين الأطراف المتصارعة.

التقت ماري بالقذافي وعملت معه حواراً حول الحرب في ليبيا، القذافي كان يردد أنه لن يتنازل عن السّلطة. أنهى الحوار بقوله “من بين نساء العالم جميعاً أحبّ أن أقضي الوقت معكِ أكثر من كونداليزا رايز مع أنّها امرأة قوية من أصول أفريقية”.

ماري كولفن الضّحية الأكثر حضوراً في المشهد الدّموي السّوري.

لم يختلف الأمر في سوريا حمص عنه في أفغانستان من حيث الخوف والرّعب والدّمار والحصار اختلفت التّفاصيل والبيئة.

وبقيت ماري على قناعتها كي تكون صادقة في نقل الحدث عليها أن تعيشه! وهكذا عاشت في حمص أواخر أيامها .حمص المحاصرة تحت جميع أنواع القصف، الهاون؛ والصّواريخ؛ والطّيران؛ ورصاص القنّاص.

رأت وكتبت وصوّرت كيف يقتل الأطفال والنّساء وكبار السّن العزّل في الملاجئ ويدعي أنّه يحارب الإرهاب.

لم يكن صعباً على نظام الأسد اصطياد ماري وزميلها ولم يوقفه أنّها صحفية أمريكية.. القاتل لم يكن يهتم بنوع وجنسية ضحاياه.

سيبقى ذكر ماري مؤبداً في كلّ الدّول التي شهدت حروبها وحاولت نقل الحقيقة منها لترويها للشعوب الغارقة  بأفيون  الحكومات وأكاذيبها.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه