ماذا تعني موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات إلى ليبيا؟!

 

على وقع أصوات الاشتباكات التي تجددت بين قوات الحكومة الليبية والعناصر المتمردة المسلحة التابعة لخليفة حفتر، جاءت موافقة البرلمان التركي على مذكرة التفويض الرئاسية، لإرسال قوات تركية إلى طرابلس تلبية للطلب الذي تقدمت به حكومة الوفاق الوطني الممثل الشرعي المعترف به اُمميا، وذلك بعد قرابة خمس ساعات من النقاش، خلال جلسة استثنائية عقدت خصيصا لبحث هذا الامر.

موافقة برلمانية مشروطة بمدة محددة

وجاءت موافقة البرلمان على قرار التفويض محددة بمدة عام قابلة للتجديد، بما يتناسب ومجريات الأمور على الأرض، وذلك وفق المادة 92 من الدستور التركي الخاصة بإرسال قوات عسكرية إلى الخارج، وهو الأمر الذي اعتبره أنصار الحزب الحاكم انتصارا لسياسة الحزب الرامية إلى التواجد الفعلي في المناطق التي تربطها بتركيا علاقات ومصالح سياسية واستراتيجية وتعاني من اضطرابات من شأنها تهديد المصالح.

التصويت وتأثره بالانقسام السياسي الداخلي

وبنظرة سريعة على عملية التصويت التي شهدها البرلمان التركي، يتضح لنا مدي تأثير الانقسام الحاد في المواقف والتوجهات الذي تعيشه الطبقة السياسية التركية منذ الانتخابات البلدية الأخيرة، والذي ألقى بظلاله على مواقف الأحزاب السياسية من مذكرة التفويض الرئاسية.

 إذ مثل اصطفاف أحزاب المعارضة في تحالف الأمة الذي يضم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيس وحليفه حزب الجيد، الجبهة الرافضة لمذكرة التفويض، يساندهم في ذلك حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.

 والذين وصفوا طلب التفويض بمذكرة الحرب، التي ستؤول بالتواجد العسكري التركي في نهاية المطاف إلى الانجرار نحو الحرب الداخلية الليبية، في قرار يحمل بين طياته ضيق أفق سياسي، ويفتقر إلى العمق والخبرة مما سيجلب المزيد من الاضرار لتركيا، خصوصا وانه يتعارض مع الحل السياسي الذي تدعو إليه القوى الدولية.

مخاوف من تعريض الجنود الاتراك للخطر

ونوهت أحزاب المعارضة إلى أن الأراضي التي تضمنها اتفاق الحدود البحرية الموقع مع حكومة السراج، وتستخدمها الحكومة كمبرر لرغبتها في التدخل العسكري بقصد حمايتها، وذلك حماية للمصالح الاقتصادية والأمنية التركية شرق المتوسط، لا تقع في الأساس تحت سيطرة حكومة طرابلس، وتخضع 70% منها تحت سيطرة ما يسمى الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر.

وهو ما يشير – وفق رؤية المعارضة – إلى وجود اتفاق غير معلن بين حزب العدالة والتنمية الحاكم وحكومة السراج على أن تقوم قوات تركية بتطهير تلك المنطقة من العناصر المتمردة الداعمة لحفتر، وتسليمها لحكومة الوفاق الوطني، الامر الذي يعني تعريض حياة الجنود الاتراك، الذين لا تناسبهم الأجواء الصحراوية للأراضي الليبية، للخطر.

وعلى الجانب الآخر صوت تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية تلقائيا لصالح مذكرة التفويض، وكان دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية قد استبق جلسة البرلمان بالتصريح أن أعضاء حزبه في البرلمان البالغ عددهم 49 عضوا سيصوتون لصالح مذكرة التفويض.

حزب المستقبل يدعم موقف الحكومة

دعم مذكرة التفويض جاء أيضا من خارج البرلمان، حيث أعلن أحمد داوود أوغلو رئيس حزب المستقبل دعمه للاتفاقيتين اللتين تم إبرامهما مع حكومة الوفاق الوطني، واصفا ذلك باأها خطوة مهمة على الطريق الصحيح، مطالبا الحكومة باتخاذ الخطوات العسكرية بتأن وحذر بالغين.

وهو الدعم الذي لم يكن متوقعا من جانب داوود أوغلو المنشق عن العدالة والتنمية، مما دفع البعض إلى التلميح بأن الرجل يسعى من خلال هذا الموقف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، أولهما كسب تأييد القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية التي عبرت عن استيائها منه لتأسيسه حزبا ينافس العدالة والتنمية، ومحاولة لاسترضاء اردوغان، والتأكيد على إمكانية دعم حزب المستقبل له في القضايا الخلافية على الساحة الحزبية.

الأسباب الحقيقية وراء رغبة التواجد عسكريا

مذكرة التفويض الرئاسية ارتكزت على أسباب متعددة ذات أهمية خاصة، تنوعت بين السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1 – حماية المصالح الوطنية التركية انطلاقا من بنود القانون الدولي، والعمل على اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لدرء المخاطر الأمنية التي تمثلها الجماعات المسلحة غير الشرعية المتواجدة على الأراضي الليبية.

2 – توفير الدعم اللازم عسكريا ولوجستيا للحكومة الشرعية في ليبيا، المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، وذلك وفق قرار مجلس الأمن رقم 2259 الصادر عام 2015، وهو القرار الذي طالب جميع الدول والمنظمات إلى وقف دعمها واتصالاتها الجارية مع أي كيان داخل الأراضي الليبية عدا حكومة الوفاق الوطني الشرعية.

3 – المساعدة في إعادة اللحمة إلى الهيكلية المجزأة للأراضي الليبية نتيجة النزاعات المسلحة، ومنع العناصر المتمردة من سلب الحكومة الشرعية مكانتها السياسية، أو إحداث تغييرات ديموغرافية في المعادلة على الأرض لصالحها، لان ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الأوضاع وتوقف الجهود الرامية لبناء مؤسسات ديمقراطية للشعب الليبي.

4 – العمل على تهيئة الأجواء من أجل إتاحة الفرصة لعقد مؤتمر برلين بهدف إيجاد حل سياسي دائم وشامل في ليبيا بقيادة الليبيين أنفسهم ومن يختارونه لقياداتهم.

5 – تقديم المساعدات الإنسانية لمختلف فئات الشعب الليبي، الذي تزداد حالته سوءا نتيجة عمليات القصف والاستهداف المستمرة له من قبل المتمردين، الراغبين في الاستيلاء على العاصمة طرابلس والإطاحة بالحكومة الشرعية، الامر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني وخلق بيئة خصبة لعودة الأنشطة الإرهابية لتنظيمات مثل القاعدة

وداعش، وكذلك عصابات تهريب البشر والمهاجرين غير الشرعيين عبر الشواطئ الليبية على البحر المتوسط.

6 – حماية المصالح التركية التي سوف تتأثر سلبا مالم يتم إيقاف هجمات ما يسمى “بالجيش الوطني الليبي” وحربه ضد الحكومة الشرعية، وضمان تنفيذ كافة بنود الاتفاقيات المبرمة بين البلدين سواء تلك الخاصة بالتعاون الأمني والعسكري أو المرتبطة بترسيم الحدود وتحديد مناطق الصلاحية البحرية. 

مكاسب ضخمة تساهم في تعافي الاقتصاد

مالم تذكره مذكرة التفويض، وتمت مناقشته خلف الأبواب المغلقة بين حزب الحكومة والمعارضة، تمحور حول وجود ضرورة ملحة للتواجد التركي عسكريا على الأراضي الليبية، لضمان الحصول على حصة الأسد من كعكة إعادة الاعمار حينما يبدأ، إذ ينشط المقاولون الاتراك هناك منذ سبعينيات القرن الماضي، بحجم مشاريع وصلت إلى 29

 مليار دولار، حيث تعد ليبيا ثالث أكبر بلد بعد روسيا وتركمانستان، يتولى رجال أعمال أتراك مشاريع فيها. إلى جانب رفع مستوى التبادل التجاري معها إلى 10 مليارات دولار على مراحل، كما يرى الاتراك أن ليبيا ستكون بوابتهم المفتوحة على كل من مصر

وتونس والجزائر، وان تواجدهم على الأرض هناك سيؤمن لهم مكاسب اقتصادية ضخمة يمكنها الدف بالاقتصاد التركي إلى التعافي.

الخارجية التركية ترد على الجامعة العربية

وفي ردها على بيان الجامعة العربية الذي هاجم سعي تركيا إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، مؤكدا دعم العملية السياسية من خلال تنفيذ اتفاق الصخيرات المرجعية الوحيدة للتسوية في ليبيا، نوهت الخارجية التركية إلى أن الاتفاق المذكور يقتضي دعم حكومة الوفاق الوطني الشرعية وتقويتها. وأن تحقيق الحل السياسي الدائم في ليبيا لا يمكن أن يتم عبر تشجيع الساعين لفرض الامر الواقع عبر طرق عسكرية، بل عبر ردعهم ووقفهم عند حدودهم، وهو ما تقوم به تركيا فعليا.

ضغوط المعارضة ومأزق العدالة والتنمية

ورغم حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم على مبتغاة بموافقة البرلمان على منحه التفويض اللازم لإرسال جنود أتراك إلى ليبيا لمدة عام، إلا أن الانقسام في مواقف الأحزاب السياسية الذي ابرزته بقوة عملية التصويت يشير إلى ان الأمور لن تسير على نفس النسق الذي كانت عليه حينما تم ارسال جنود أتراك إلى كل من سوريا والعراق من قبل، والذي تم بدعم كامل وموافقة كافة الأحزاب الفاعلة على الساحة السياسة، اختلاف الأمور هذه المرة يعني إمكانية التصعيد من جانب المعارضة، مما سيضع حزب العدالة والتنمية في مأزق حرج ويعرقل خطواته الرامية لتوسيع تواجده خارج حدود الدولة التركية، وربما تضطره ضغوط المعارضة إلى القبول بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة تسعى إليها المعارضة، ويصعب التكهن بنتائجها.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه