مؤتمر البحرين وخيانة فلسطين

 

 

الخطر على القضية الفلسطينية ليس من الإسرائيليين والأمريكيين وحدهم، وإنما من بعض الرؤساء والملوك العرب الذين خانوا فلسطين، وانقلبوا على كل الثوابت وأصبحوا من مكونات الشبكة الصهيونية التي تعمل على تنفيذ أجندة تل أبيب، ويجاهرون بمواقفهم المعادية لكل قضايا العرب والمسلمين.

هذه الشبكة التي يحركها ترمب لا مانع لديها من تجويع شعوبنا، وبيع شرفنا وكرامتنا، من أجل أن تحيا “إسرائيل”، وهم يضخون المليارات من الدولارات في جيب ترامب ويتجهزون الآن لدفع فاتورة صفقة القرن لشراء الذمم، والتهيئة لتهويد ما تبقى من أرض فلسطين في الضفة وغزة.

لأول مرة منذ احتلال فلسطين يعقد مؤتمر رسمي في دولة عربية ينظمه الأمريكيون لفرض الحل الإسرائيلي للإجهاز على القضية الفلسطينية، في المنامة كأولى خطوات صفقة القرن التي تهدر كل القرارات الدولية وتتجاهل الشعب الفلسطيني صاحب الأرض.

المال السعودي والإماراتي

يستخدمون المال الخليجي (السعودي والإماراتي) لتنفيذ إسرائيل الكبرى، ولا يدفع الأمريكيون والإسرائيليون دولارا واحدا، وكأننا أمام مجموعة من البلهاء، مسلوبي الإرادة الذين فقدوا العقل والدين، ولم يحترموا الثوابت الدينية والقومية والوطنية.

لقد أصبحنا في حيرة وذهول من نهب الدوائر الصهيونية للمال العربي بكل هذا السخاء، وباتت الشعوب العربية تدعو بالليل والنهار على حكام السعودية والإمارات بسبب تمويل خصوم الأمة في كل موطن؛ فهاتان الدولتان تشاركان بالمال في كل الحروب والمؤامرات ضد الإسلام والمسلمين.

يتخفى حكام السعودية والامارات خلف الحرب على الإرهاب لتبرير عداوتهم للإسلام التي شملت كل التيارات والقبائل المتمسكة بعاداتها وقيمها الإسلامية وحتى الأقليات المظلومة لم تسلم من مؤامراتهم، ولكن ماذا سيكون مبررهم في تمويل الخطة الصهيونية والسيطرة على كل فلسطين؟

هناك حدود للضعف والتراجع، بل والتخاذل، لكن الاصطفاف في الخندق الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وضد الأمة أمر غير متوقع وغير متصور، ويعد حالة خروج من التاريخ والجغرافيا وكأنهم عادوا إلى الجاهلية الأولى قبل الإسلام، حيث الولاء والتبعية للخصم، والعداء للأشقاء والتآمر ضد الأرحام.

 الانقلاب على النظام الدولي

ما يفعله الرئيس الأمريكي يعد انقلابا على النظام الدولي، فهو يتجاهل كل الاتفاقات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولم يلتزم بقرارات الأمم المتحدة التي صدرت منذ عام 1948 حتى الآن، كما أن دونالد ترمب يتجاهل مواقف الدول الأوربية الشريكة في الملف الفلسطيني، والتي لم توافق حتى الآن على انفراد البيت الأبيض بحل الصراع الذي يحقق لها نفوذا ودورا محوريا في العالم العربي.

الذي نراه أمامنا هو اختطاف الرئيس الأمريكي بشكل شخصي للملف، وتفويض صهره جاريد كوشنر لإنهاء القضية، كما لو كانت صفقة عقارية يمكن تخليصها بتوزيع الأموال على بعض الدول والأشخاص والسماسرة لسرقة الأرض!

ومن الواضح أن الذين يفوضهم ترامب لم يخفوا احتقارهم للنظام الدولي ويتصرفون بعدوانية تجاه الأمم المتحدة، لا تختلف عن الأفكار التي يطرحها غلاة المتطرفين في اليمين الأمريكي، فالمبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات في معرض تسويقه لصفقة ترامب سخر من قرارات الأمم المتحدة في تغريدة قال فيها: ” لقد ظل الفلسطينيون ولوقت طويل رهائن لقرارات الأمم المتحدة والسياسات الإقليمية وإرهاق المانحين والقيادة الضعيفة”.

بهذه الكلمات يلخص غرينبلات جوهر خطته وهي إدارة الظهر للنظام الدولي وتجاهل دول الإقليم وإجبار دول الخليج على تمويل الصفقة، ووضع النهاية لحلم الدولة الفلسطينية، وهذا التفكير يضع العالم أمام انقلاب جديد على الساحة الدولية؛ فالرئيس الأمريكي اتخذ قرارا منفردا بتغيير النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية ويتصرف وكأنه رئيس لمجلس إدارة العالم!

الرهان الخاسر

الحكام العرب الذين يراهنون على الرئيس الأمريكي سيخسرون كل شيء لأن الأحلام الصهيونية على الورق تصطدم بواقع مقاوم أكثر تعقيدا مما يفهمون، فمن الناحية العسكرية أصبحت غزة قادرة على ردع أي عدوان، وقد فشل الإسرائيليون في كل حروبهم على القطاع المحاصر في تحقيق أي إنجاز عسكري يرفع الروح المعنوية للمحتلين.

على الساحة الفلسطينية فإن الشعب الفسطيني في غزة والضفة هو صاحب القرار الحقيقي، ورغم الحصار الظالم لم يستسلم، بل ويخرج الفسطينيون في غزة كل يوم جمعة في مسيرة العودة للتأكيد على أن طموحهم وهو العودة لأرضهم وليس الخروج منها، وهذا التحرك الشعبي المتواصل يكفي للتعبير الحقيقي عن حالة الصمود والثبات في الشارع الفلسطيني، ولن يكون في مقدور ترامب أو غيره أن يشطب فلسطين من الخريطة؛ لا بالقوة العسكرية ولا بالمال المسروق بالإكراه من السعودية.

 وإن ظن حكام العرب المشاركون في صفقة القرن أن الغدر بفلسطين والتضحية بالشعب الفلسطيني سيمر كما مرت خيانات أخرى فهم واهمون، فالشعوب هذه المرة لن تغفر لهم، ولن تتقبل خيانة بهذا القدر، فالقضية واضحة ومحفوظة، والكذب فيها مفضوح.

يدفع الطمع الإسرائيليين الذين يرون أن الفرصة مواتية ولن تتكرر لاستغلال حالة التبعية الكاملة من حكام المحيط العربي، وخدمة ترمب للسياسة الإسرائيلية على حساب المصالح الأمريكية لضرب ضربتهم لتفريغ كل فلسطين من أهلها لكن هذا الطمع سيرتد على رؤسهم.

ستكون صفقة القرن بداية النهاية لكل من شارك فيها، وستطيح الشعوب بالخائنين، الذين لن يستطيعوا الدفاع عن الخيانة، وسيعجزون عن تبريرها، وستسقط شرعيتهم، وسيتخلى عنهم من ساندهم، وسيحيق المكر السيئ بأهله، وسينقلب السحر على السحرة بحول الله وقدرته.

الذين يتخيلون أن صفقة القرن ستكون ضربة قاضية يعيشون في أوهام؛ فالصراع الإسرائيلي الإسلامي مستمر حتى قيام الساعة، وقد أخبرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بذلك، والشرف كل الشرف لمن يدافع عن الحق والعدل، والعار كل العار لمن يخون ويساند المحتل المعتدي بالتأييد والتطبيع والتمويل.

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه