ليس ببناء القصور تحيا مصر

حصيلة المؤتمر هي الإقرار باتهامات محمد علي الخاصة بالبذخ والإسراف، وأن رؤية السيسي للحكم كما هي ولن تغيير، فهو مقتنع بانه حر فيما يفعل

 

تعيش مصر منذ أسبوعين حالة من الغليان بسبب مقاطع الفيديو التي يبثها الفنان والمقاول محمد علي الذي كشف عن إهدار مليارات الجنيهات في تشييد القصور والفيلات والفنادق في وقت تمر فيه البلاد بانهيار اقتصادي وزيادة معدلات الفقر.

وانتظر المصريون ردا على هذه الاتهامات ولكن فوجئوا بعبد الفتاح السيسي يؤكدها ويعترف بأنه بنى قصورا وسيبني غيرها، وبرر هذا بأنه يبني مصر جديدة، وأن على المصريين أن يثقوا فيه ولا يلتفتوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتكون مصر قوية!

لأول مرة منذ الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في 2013 يحدث هذا الجدل في مصر، ويتابع المصريون باهتمام ما يصدر عن الفنان المقاول على شبكات التواصل الاجتماعي ويتفاعلون مع كلماته بالتعليق والمشاركة وجعله قضية الرأي العام الأولى.

الوجود الشعبي على مواقع التواصل والانتشار الواسع للاتهامات دفع السيسي لعقد مؤتمر عاجل للشباب، وهي الوسيلة التي يفضلها لتوجيه الرسائل للشعب وسط مجموعات من الموالين الذين يتم انتقاؤهم بعناية ليبدو الأمر وكأنه حوار وليس حديثا من طرف واحد.

حصيلة المؤتمر هي الإقرار باتهامات محمد علي الخاصة بالبذخ والإسراف، وأن رؤية السيسي للحكم كما هي ولن تتغير، فهو مقتنع بأنه حر فيما يفعل، وليس من حق أحد مساءلته، واعتبار كل من يعارضه يشارك في حروب الجيل الرابع التي تهدد أمن البلاد!

مصر جديدة!

دون الخوض في الاتهامات التي وردت في فيديوهات محمد علي، فكل المصريين اطلعوا عليها؛ فإن أهم ما أكد عليه عبد الفتاح السيسي هو بناء مصر جديدة وتوجيه الأموال والأرصدة لهذا المشروع وتسخير كل إمكانات الدولة لإنجازه.

ولأن هذا المشروع سيترتب عليه نتائج كارثية على مصر الحالية، التي ينظر إليها على أنها مصر قديمة وعدم الاكتراث بحقوق سكانها الذين يتجاوزون المائة مليون نسمة فإن أسئلة كثيرة تطرح نفسها وتحتاج إلى إجابة:

أولا: كيف يتم بناء دولة جديدة بقرار فردي ودون طرح الموضوع على الرأي العام، خاصة أن بناء المشروع الجديد يستند إلى تخريب الدولة؛ بتبديد أصولها واقتراض المليارات بضمان ممتلكاتها ومرافقها ونزح أموال البنوك بالأمر المباشر وضخها في أعمال الحفر والخراسانات؟

ثانيا: من الذي قرر تصفية موظفي الحكومة وتفكيك دولاب الدولة المركزية، بقرار نقل الحكومة المصرية للعاصمة الإدارية العام القادم 2020 وبيع كل المقار والأصول الحكومية؟ فمن هو الموظف – إن كان من المرضي عنهم والمسموح له بأن يكمل –  الذي يستطيع شراء شقة بالملايين هناك، أو حتى في مدينة بدر المجاورة كما يقولون؟

ثالثا: من الذي قرر إقامة كيان عنصري، لا يسكنه غير بعض الأثرياء الذين يتم اختيارهم وفرزهم أمنيا، واستبعاد باقي الشعب المصري من العمل والإقامة به، وتشييد امتداد لهذا الكيان بذات المواصفات في العلمين وربط الكيانين بقطار مكهرب؟

رابعا: هل من الأمن القومي انتقال السلطة بكل أركانها إلى جوار الكيان الصهيوني، في صحراء مكشوفة، غير محمية، يمكن للعدو في حالة نشوب حرب أن يحاصرها في ساعة زمن، ويسيطر على عقل مصر المدفون تحت الأرض بـ 14 مترا، ويأسر الحكومة أو يتخذها رهينة؟ وواقعة الثغرة في حرب أكتوبر خير مثال على هذا الاحتمال.

خامسا: لماذا لم يراعي التخطيط العمراني طبيعة المخاطر في هذه المنطقة القريبة من الكيان الصهيوني بالتمدد الأفقي وليس بتشييد الأبراج العالية والبنايات المرتفعة وتجميع الحكومة والوزارات في مجمعات يسهل استهدافها بأقل مجهود عسكري، بل ويجعلنا بهذا التخطيط الماكر تحت الضغط والتهديد والابتزاز الدائم.

سادسا: لماذا هذا الاستعجال في الانتقال للعاصمة الإدارية رغم عدم جاهزيتها وأمامها سنوات وتحتاج ميزانية مفتوحة بالمليارات لتكون صالحة للحياة؟ وهذا الاستعجال يثير الريبة والشك، ويرتبط بالإشارات التي توحي بأن عملية هروب كبرى يتم تنفيذها للكيان الجديد، وكأنه في مواجهة مع المصريين بدلا من العيش وسط الشعب وخدمته والاستجابة لاحتياجاته وطلباته.

الأجندة الإماراتية والحرب الأهلية

كان من اللافت في مواجهة اتهامات محمد علي، استدعاء موضوع الإرهاب رغم عدم الصلة بين الموضوعين، إذ اتهم بعض إعلاميي السلطة الفنان المقاول بأنه إخوان، وضالع في مؤامرة إخوانية، بل تم تخصيص الجلسة الأولى في مؤتمر الشباب عن الإرهاب والحديث عن مؤامرة الإخوان والقاعدة وداعش واعتبارهم كيانا وحدا يريد تدمير مصر!

إن اعتبار الإخوان جماعة إرهابية ليس من الاستراتيجية الغربية ضد الإرهاب؛ فأمريكا لا ترى ذلك، وأيضا ترفض أوربا ضم الإخوان لقائمة الجماعات الإرهابية، وكذلك الأمم المتحدة، فلماذا هذا الإصرار على حشد الدولة لمحاربة الإخوان ووصف كل من يعارض السلطة بأنه إخوان؟

ما يجري في مصر ليس معزولا عما يجري في دول المنطقة حولها وبالتالي فإن الحديث المتكرر عن مواجهة الإرهاب أصبح مثل ملح الطعام، لكن اللافت هو الإصرار على شيطنة الإخوان والتعامل معهم على أنهم جماعة إرهابية وأنهم العدو الرئيسي الذي يجب مواجهته ومحاربته، بل ومستباح الدم يجب قتله!

الحقيقة الثابتة أن الإخوان خاضوا تجربة سلمية، ووصل مرشحهم للرئاسة بالصندوق الانتخابي وليس بانقلاب، وانتهت التجربة على النحو الذي رأينا، حيث جزء منهم خرجوا من مصر ومن تبقى من رموزهم مسجون، وأخيرا مات الرئيس المنتخب في السجن، فلماذا هذا التحريض المتواصل ودق طبول الحرب لمعركة غير موجودة؟

الحقيقة أن شيطنة الإخوان وتهيئة المناخ لقتلهم، وإهدار دمائهم أجندة إماراتية – نيابة عن الإسرائيليين – لإشعال الحروب الأهلية في بلاد أهل السنة، ونجحت الإمارات في تنفيذ أجندتها في اليمن وليبيا بعد أن انضم لها ولي العهد السعودي طمعا في الوصول إلى كرسي الملك.

تهدف استراتيجية الإمارات (ذراع إسرائيل) إلى منع الشعوب من اختيار حكامها، لأن الحاكم الذي يأتي بالصندوق سيكون خادما لشعبه ودولته، وسيسعى لاستقلال بلده وبناء وطنه، ويعمل ابن زايد على تكوين حكومات ميليشياوية تمارس القتل والاغتيالات والتخلص من كل خصومها سواء كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين، فالحرب ضد كل الوطنيين، كما يجري في اليمن وليبيا.

في اليمن تركت الإمارات الانقلاب الحوثي ورفعت شعار محاربة الإخوان (حزب الإصلاح) رغم أنه حزب سياسي كان شريكا في السلطة، والآن يحارب الإماراتيون وجيوش المرتزقة التابعة لها الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا وتتهمها بأنها إخوان!

وفي ليبيا تساند الإمارات حفتر بزعم محاربة الإرهاب الإسلامي، وعندما تدخلت الأمم المتحدة وشكلت حكومة وطنية متوافق عليها دوليا استمرت الإمارات في الحرب ضد حكومة الوفاق التي تعترف بها دول العالم وما زالت الطائرات الإماراتية تقصف طرابلس وتدعم غزو الميليشيات للعاصمة بزعم مواجهة الإرهاب.

بالتأكيد مصر لن تشهد حربا أهلية لانعدام شروطها، فالشعب المصري نسيج واحد، ولا يوجد لدينا مذاهب وأعراق متصارعة، والأهم هو حرص كل القوى السياسية المعارضة للسلطة الحالية –بالإجماع- على إدانة العنف والإعلان المتكرر بالتزام السلمية والصبر، رغم كل ما يبدو من قمع وانتهاكات لاستدراجهم.

الذي نحذر منه في مصر هو الأجندة الإماراتية الإسرائيلية التي نرى عناوينها في الشأن الداخلي المصري، ولم يتوقف الدور الإماراتي التخريبي منذ ثورة يناير 2011، وآن الأوان أن يكون للدولة المصرية استراتيجية وطنية مستقلة، لتستعيد تماسكها الداخلي وتسترد مكانتها كدولة قائدة لأمتها، وقطع الطريق على دعاة الحرب الأهلية، ووقف كل المشروعات التي تؤدي إلى تقسيم المصريين واستعداء بعضهم على بعض.

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه