ليست نقابة للصحفيين

أقصد نقابة الصحفيين المصريين، وليس السبب هو فوز الزميل عبد المحسن سلامة.

فسواءً كان النقيب والمجلس من المؤيدين أو المعارضين فالفارق ليس كبيراً في الأداء النقابي ولا حتى في العلاقة مع السلطة الحاكمة قبل وبعد ثورة يناير ٢٠١١.

 فأيا كان النقيب أو المجلس فالمنوط بهما الحفاظ علي البنية الأساسية للمبنى القائم في شارع عبد الخالق ثروت،  والحرب بذات الشراسة للإبقاء عليه ” نادي اجتماعي لمن يملكون عقود عمل من الصحفيين”، وليس كل الصحفيين الذين يمارسون المهنة. الوظيفته الأساسية لهذا النادي كانت وما زالت  هي البحث عن امتيازات مالية وخدمات أغلبها من السلطة الحاكمة وبعضها من رجال أعمال وشركات. 

 فما الفارق إذن بين المؤيد والمعارض، الإسلامي وغير الإسلامي؟

 لا فرق في أنها لم تعد نقابة، وباتت ناديا اجتماعيا يقدم خدمات ومزايا مالية. فعلى سبيل المثال في الماضي فعلها النقيبان الأستاذ ابراهيم نافع المؤيد لنظام مبارك، وفعلها أيضاً الأستاذ جلال عارف الناصري المعارض. وفعلها بعد الثورة الأستاذ ممدوح الولي المحسوب علي التيار الإسلامي، وفعلها أيضا الأستاذ ضياء رشوان المحسوب على التيار الناصري. فجميعهم حصلوا على امتيازات مالية ممن يحكم. فالحكومة تدعم “رجلها” إذا فاز، وتدعم النقيب المعارض كي تكسبه ولا تثير غضب الصحفيين. 

 هذا لا يعني التطابق، فمن المؤكد أن هناك فروقاً في التفاصيل هنا وهناك، وفروقا أيضاً بين الشخصيات، وفارقا في الأداء السياسي، ولكن لا فارق في البنية الأساسية ولا في منهج إدارة النقابة باعتبارها “نادي اجتماعي لمن يملكون عقود عمل من الصحفيين”.  

 اين الخلل؟

 الخلل في أن ابناء اليسار (ناصريون وشيوعيون وغيرهم) من القائمين على النقابة في سبعينات القرن الماضي، خاضوا حرباً سياسية وليست نقابية ضد الرئيس الأسبق محمد انور السادات ( اللي مشي على خطى عبد الناصر باستيكة)، وحسب رواية الأستاذة أمينة شفيق والأستاذ حسين عبد الرازق لي، حاول السادات الاستيلاء على النقابة عن طريق إدخال أبناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون ( الموظفون بتوعه) لعضوية النقابة ومن ثم تتحول الى مؤسسة حكومية. 

 كان الحل في رأيهم هو التصدي لهذه “المؤامرة “بتقييد وتعقيد الحصول على عضوية النقابة”، وزاد الأمر بمرور الزمن وتحول الى أعراف بقوة القانون.

الغريب في هذا الطرح أن السادات كان مثل من سبقه ومن تلاه يملك المؤسسات الصحفية التابعة للدولة (الأهرام والاخبار وغيرهما) ، والزملاء الصحفيون الذين يعملون فيهم أعضاء في النقابة، ومنهم الأستاذة أمينة والأستاذ حسين. فما الفارق بينهم وبين اتحاد الإذاعة والتليفزيون؟

 سؤال بلا إجابة، ورحل السادات وجاء من بعده واستقرت النقابة على هذا البناء المشوه. فقبلها كانت نقابة طبيعية تقبل عضوية ( تحت التمرين) لمن يمارس المهنة، وعندما يتعاقد ينتقل الى عضوية المشتغلين. أما منذ السبعينات وحتى الآن، فالعضوية فقط لمن يملك عقد عمل وتخلت النقابة عن وظيفتها الأساسية في منح عضويتها لمن يريد من الذين يمارسون المهنة، والسعي مثل كل النقابات في البلاد الديمقراطية المحترمة لضم مزيد من الأعضاء لزيادة اشتراكاتها، أي زيادة قدرتها المالية، وزيادة قوتها على الأرض في التفاوض.

 الخلل الثاني في هذه البنية هو أن نقابة الصحفيين تضم في عضويتها أصحاب المصالح المتعارضة، فهي تضم المالك والأجير، ففيها مثلاً تجد الأساتذة عبد الرحيم علي ومصطفي بكري وعادل حمودة مع من يعملون في مؤسساتهم الصحفية. على سبيل المثال، في عهد النقيب الأستاذ ابراهيم نافع كان رئيس مجلس إدارة الأهرام وفي ذات الوقت نقيب للصحفيين، ومثله الأستاذ مكرم محمد أحمد كان رئيس مجلس ادارة دار الهلال ونقيب لصحفيين، إذا تعرض أحد المحررين لديهما إلى ظلم، وقرر اللجوء للنقابة سيجد رئيس مجلس النقابة هو النقيب، أي الخصم والحكم.

 أضف الى هذا أن النقابة منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر لها حق الترخيص بالعمل، فلا توجد مؤسسة مستقلة هي التي تمنح هذا الترخيص. هذا جعل أن هناك صحفيين هم من يقررون منح صحفيين آخرين حق الترخيص بمزاولة العمل، وهذا تناقص مصالح، لأن الصحفيين أعضاء النقابة سيحاربون لعدم دخول غيرهم (إلا بصعوبة وبشروط مجحفة) حتى لا يتسع سوق العمل ويخسرون.

نادي عقود العمل

 بسبب هذا الخلل في البنية، تدريجيا تحولت النقابة إلى “نادي اجتماعي لمن يملكون عقود عمل في المؤسسات الصحفية”. وتدريجياً تراجع إلى الخلفية دورها في الدفاع عن أعضائها كإجراء أياً كان توجههم السياسي، أي تحسين شروط عملهم وتحسين أجورهم.

 الغريب أن احداً من المعارضين لم يسع إلى إصلاح هذا الخلل، بل على العكس عمقه مثل المؤيد تماماً. لذلك لن تجد على سبيل المثال  فرقاً بين المعارض الناصري الشهير الأستاذ جمال فهمي عندما كان رئيسا للجنة القيد (العضوية) وبين الأستاذ عبد المحسن سلامة (النقيب الحالي) عندما كان رئيسا لذات اللجنة، كلاهما حافظ وحارب من أجل قبول عضوية “مالكي عقود العمل”.

 الفارق كان في الأداء السياسي، فقد كانت الحرب شرسة بين المعارضة ونظام الحكم للاستيلاء على “النادي”، فالمعارضة تريده منصة إطلاق نيران ضد النظام، والنظام يريدها منصة إطلاق تأييد. لذلك في الأغلب الأعم الذين يخوضون الانتخابات نجوم سياسة وليس نجوم عمل نقابي، سواءً كانوا مؤيدين أ و معارضين. وفي الأغلب فإن برامج معظم المرشحين كما في الانتخابات الأخيرة تتحدث مثلاً عن “كرامة الصحفيين” و عن “مزيد من الخدمات المالية والسكنية والعلاجية”، لا أحد يتحدث عن زيادة الأجر حتى يعيش الصحفي بكرامته. نادراً ما يتحدث أحد عن ضبط بيئة العمل (علاقة رئيس التحرير والمالك بالمحررين مثلا)، وحق الحصول علي المعلومات، والكيفية التي بها يتم تغيير القوانين المقيدة للحريات ولحرية الصحفيين.

 كان هناك أمل في الإصلاح في اعقاب ثورة يناير المجيدة في إقرار التعدد النقابي، وقد شاركت في تأسيس ثلاث نقابات لمن لا يملكون عقد عمل ويمارسون المهنة، لكن قادة “النادي الاجتماعي لملاك عقود العمل” قاتلوا بشراسة وصلت إلى درجة تقديم بلاغات وإلى درجة أن الدستور الأخير أقر احتكار “النادي” وحده للعمل النقابي الصحفي. فهم يريدون الحفاظ على المكاسب والمنح المالية من أنظمة الحكم المتوالية، ولا يريدون وجود كيانات منافسة، وأن يكون الصحفي حراً في اختيار النقابة الأفضل له.

 هذه الحرب شارك فيها ليس أبناء نظام مبارك “الديكتاتوري” وحدهم، ولكن ايضاً أبناء المعارضة “الديمقراطية” التي كانت وما زالت تقول أنها تدافع عن حرية المصريين!!!

 لذلك أقول بضمير مستريح أن هذا الخلل سبب فشل ثورة يناير المجيدة، فقد أفسدتها نخب سياسية ديكتاتورية، كانت فقد تريد الجلوس مكان مبارك، ولم يكن في أولوياتها بناء دولة ديمقراطية حرة للجميع.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه