لهذه الأسباب يرفضون عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي!

 

 تزايدت حدة التطرف اليميني داخل القارة الأوربية، وتزايد معها تعبيره الدموي عن كراهيته المقيته لكل ماله علاقة بالاسلام والمسلمين، وهو مابدا واضحا وضوح الشمس في التفجير الإرهابي لمسجدي نيوزيلندا، والذي راح ضحيته حوالي 50 بريئا، ومروراً بالاعتداءات التى تعرضت لها خمس مساجد داخل بريطانيا، وأخيراً وليس آخرا في الحريق الذي لحق بأحد المساجد في ولاية كاليفورنيا الامريكية.

التطرف وسياسة جلد الذات

العداء الذي أصبح يعرف لدينا بالإسلاموفوبيا، والذي نتعامل معه كمسلمين على أنه أمر حديث نسبيا، ظهر خلال العقود الأخيرة، متزامنا مع ماصدره لنا الغرب تحت مسمى” التطرف الإسلامي”، وهو ماتبنيناه، وحملنا وزره طواعية، في إطار موروث ثقافي ومجتمعي لدينا يعتمد سياسة جلد الذات، لرفع الحرج عن الأطراف الأخرى المسببة لهذا الحدث أو ذاك، وتجاهلنا دوما الحقائق التي تتكشف أمامنا وتٌظهر لنا الامور من دون تزييف أو تزوير.

ولعل أبرز الدلائل الماثلة أمامنا منذ مايقرب من مئة عام، وتؤكد قدم الإسلاموفوبيا، مسيرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، التى استهلكت من الأتراك الكثير من الوقت والجهد، خلال عقود طويلة من دون تحقيق نتائج واقعية ملموسة يمكن التعويل عليها لاستكمالها، وبذل المزيد من الوقت والجهد في سبيل تحقيقها، ليأتي البرلمان الأوربي ويصوت مؤخرا على وقف مباحثات انضمام تركيا للتكتل بموافقة 370 صوتا مقابل رفض 109 وامتناع 143 نائبا عن التصويت.

تركيا والاتحاد الأوربي مثالا

فتركيا التى تطرق أبواب الاتحاد الأوربي منذ العام 1959 وحتى الآن، قامت بإجراء العديد من التغييرات والتحولات التى تناولت نهجها السياسي وبنود قوانينها وعادات شعبها، في سبيل أن تفتح لها  أوربا أبوابها، ويتم الاعتراف بها كإحدى دولها، إذ ألغت من دستورها مسألة الخلافة الاسلامية، والمحاكم الدينية بمافيها المحاكم الشرعية، كما ألغت مبدأ أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وأدرجت في المقابل مصطلح علمانية الدولة في توصيف هويتها كجمهورية، وتبنت الكثير من العادات والتقاليد  الأوربية التى لاعلاقها لها بالموروث الثقافي للشعب التركي، فتعاظمت الاحتفالات بالأعياد المسيحية، مقابل تجاهل الاحتفال بالمناسبات الاسلامية .

إلى جانب تبني نمط الحياة اليومية للغرب، والجري وتقليد كل ما يخص المظهر والسلوك الأوربي، والتصدي للحجاب ومحاربة المحجبات، وإقامة علاقات استراتيجية مع الكيان الصهيوني، وحظر إستخدام شعارات دينية في الأماكن العامة والخاصة، وإجبار المحال التجارية الكبرى على عرض وبيع لحوم الخنازير ومنتجاتها، والتوسع في بيع الخمور ووضعها في أماكن ظاهرة للعيان.

ورغم تلك التنازلات الهادفة لتحقيق التواؤم مع النظم والعادات والقوانين الأوربية، فإن أوربا، رغم وجود مصالح لها مع تركيا، ظلت على تعنتها الرافض لقبول الأخيرة في منظومتها، عارضة بين الحين والآخر مبدأ الشراكة المميزة عوضا عن العضوية الكاملة، ليس حبا في تركيا ولكن رغبة في تحقيق مصالحها التى تتمحور حول عدة أمور مهمة مثل ضبط الحدود، والتعاون في مجال الهجرة غير الشرعية، والتصدي للتهديدات الأمنية والجماعات الراديكالية التي تهدد أمن واستقرار أوربا، وهو ما رفضه الرئيس أردوغان، الذى صرح أنه إما العضوية الكاملة أو لاشئ.

أسباب القادة الأوربيين لتبرير تباطؤهم في الموافقة على طلب انضمام تركيا للاتحاد الأوربي المقدم لهم منذ 60 عاما، أصبحت محل شك وريبة، في ظل أن الكثير منها أسباب فضفاضة مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان وملف الاقتصاد، خصوصا إذا علمنا أن هناك دولا كثيرة تم قبول عضويتها ضمن الاتحاد الأوربي، وهي أضعف اقتصادا وأقل احتراما لحقوق الإنسان من تركيا.

الإسلام المعضلة الحقيقية

عدد لا بأس به من قادة أوربا كانوا أكثر صراحة ووضوحا، حينما أبدوا رأيهم في مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوربي، ربما يكون أبرزهم وأكثرهم قدرا وتأثيرا البابا السابق بنديكت السادس عشر الذي قال صراحة “إن مكان تركيا الحقيقي بين دول العالم العربي والإسلامي، وليس بين دول الاتحاد الأوربي، وإن مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي أمر خطير يجب تفاديه، فلا يمكن القبول بإدخال 72 مليون قنبلة موقوتة داخل الاتحاد الأوربي” في إشارة إلى عدد سكان تركيا آنذاك.

 وفي هذا الإطار أيضا يأتي رفض كل من فرنسا والنمسا لوجود تركيا في المنظومة الأوربية، بينما ترفض هولندا وألمانيا ذلك للكثافة السكانية لتركيا، ليس اعتراضا على العدد بالطبع، فهم بحاجة إلى أيدٍ عاملة، ولكن اعتراضا على هوية ومعتقد هذا العدد، والتى من شأنها تهديد الكيان المسيحي لأوربا، وتغيير هويتها التى ترتكز عليها.

ولعل التقرير الذي صدر عن المفوضية الأوربية (في ديسمبر1989) كان من أكثر التقارير تأكيدا على أن البعد الثقافي والمعتقد الديني يمثلان العائق والسبب الرئيس وراء عدم قبول عضوية تركيا في الاتحاد، حيث أوضحت المفوضية من دون خجل ولا وجل أن الدول الأوربية، تجد صعوبة حقيقية في إمكانية دمج دولة مسلمة ذات كثافة سكانية هائلة، وسط مجتمع أوربا المسيحي، الذي يختلف في مفاهيمه الثقافية، ومنطلقاته الدينية اختلافا جذريا عما يعتنقه الأتراك، وهو أمر لايمكن التغاضي عنه.  

وهي النتيجة نفسها التي أفرزها استطلاع للرأي العام أجرته المفوضية الأوربية عام 2006، وأوضح أن 59% من الأوربيين يرفضون عضوية تركيا في الاتحاد الأوربي لأسباب تتعلق في مجملها بالهوية الإسلامية والموروث الثقافي للأتراك الذي يختلف في مجمله عن ثقافتهم المسيحية.

أسباب القلق والرفض الأوربي

وهذا يعني أن صعوبة مسألة انضمام تركيا للمنظومة الأوربية هي في حقيقتها أكثر عمقا وأشد تعقيدا مما يتم تداوله بشأن المصالح الأمنية والاقتصادية المتبادلة، وأن حقيقة القلق والرفض الأوربيين ينبعان في الأساس من اختلاف الهوية أى العامل الديني الذي يعد وفق تلك الرؤية العائق الحقيقي في إشكالية قبول عضوية تركيا المسلمة في الاتحاد الأوربي الذي يراه المواطنون الأوربيون ناديا مسيحيا لا مكان فيه لدولة مسلمة فعليا حتى وإن غيرت هويتها إلى العلمانية.

إنه الخوف الأوربي الذي بدأ في عهد الدولة العثمانية، ولايزال قائما تجاه الجمهورية التركية التى ورثتها، والمجتمعات الاسلامية التى خرجت من رحمها. ذلك الخوف الذي أصبحنا نطلق عليه نحن الآن الإسلاموفوبيا. وهو ما دعا الرئيس أردوغان الذي يدرك تلك الحقيقة، إلى الحديث عن إمكانية دعوة الأتراك للاستفتاء على الاستمرار في مباحثات العضوية بالاتحاد الأوربي من عدمه.

الحقد والرغبة في الانتقام

المسألة إذا قديمة، ترتبط في أذهان الغرب بحوادث تاريخية، وأحداث لم يتمكنوا من تخطيها، لكنهم نجحوا بامتياز في جعلنا نتخطاها، بل ونرفضها، ونتبرأ منها، رغم أنها مرحلة من أكثر مراحل تاريخنا ثراء بالبطولات والانتصارات، نحن نسينا أمجادنا لكنهم لم ولن ينسوا هزائمهم والعار الذي لحق بهم على أيدي المسلمين، ولذلك كانت كتابات مجرم مذبحة نيوزيلندا على الأسلحة التى استخدمها لقتل الأبرياء داخل مساجدهم، إنه الكٌره والحقد، والرغبة في الانتقام.

 وإذا كانت جماعات اليمين المتطرف في أوربا كشفت عن مكنوناتها علنا، فإن الساسة الأوربيين، ينتهجون نهجا مغايرا، إذ يتشدقون علنا بشعارات رنانة حول التعايش السلمي، وحوار الحضارات، ويعملون في الخفاء لتكبيل المسلمين وإخضاعهم، خشية استيقاظ المارد من سٌباته العميق.

لتظل أهداف الجانبين واحدة، حتى وان اختلفت الطرق والمسالك لتحقيقها، إنهم يهدفون إلى محو الاسلام، واستعباد المنتمين له بالطرق االسياسية حينا، وبسلاح المتطرفين أحيانا أخرى.   

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه