لهذه الأسباب: السيسي لن يعبأ بالبرلمان الجديد

عبده مغربي* 

 حتي اللحظة .. وبينما تعيش الأحزاب والكيانات السياسية في مصر حالة من التخبط والارتباك في استعدادها للانتخابات البرلمانية القادمة، تتناقل أوساط سياسية أنباء عن تغيير شامل في  بنية الحكومة المصرية الحالية قد يطال في الغالب رئيسها المهندس إبراهيم محلب. وبينما الحال كذلك يستغرب آخرون إقدام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علي هذه الخطوة ونحن علي أعتاب برلمان يٌفترض أن “الأكثرية” أو “الأغلبية” فيه هي صاحبة الحق في تشكيل الحكومة القادمة، فكيف يمكن تشكيل حكومة جديدة لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضعة أشهر؟ .

 

 نعم .. ليس من غرابة في أن يُقْدِم الرئيس السيسي علي تغيير في تشكيلة الحكومة الحالية أو تشكيل حكومة جديدة في ظل شواهد انتخابية تقول أننا علي أعتاب برلمان مٌرَقّع الأطياف السياسية لا غلبة فيه لطيفٍ علي آخر، غالبيته من الكتلة المستقلة المفتتة، وأن المستقلين في غالبيتهم سيكونون إما من بقايا الحزب الوطني القديم، أو من شخصيات حديثة بالعمل السياسي، أو من نواب الصدفة الذين سيأتي بهم التقسيم الجديد للدوائر. كما أن حصة الأحزاب في مجملها، وعلي النحو الماثل من حضورها المتواضع شعبياً لا يمكن أن تصل إلي الثلث المعطل في تشكيلة البرلمان القادم، خاصة مع حصة لا بأس بها ممن سيتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية.

 

علي الأرض فإن حزب “المصريين الأحرار” هو الأكثر استعداداً من الناحية المالية لخلق بنية دعائية لمرشحيه كان يمكن أن تكون كافية ليحقق من خلالها رقماً لا بأس به من الأعضاء تحت القبة،  لكن هذه البنية الدعائية سيسهل ضربها من “حزب النور” السلفي بجملة واحدة مفادها أنه حزب “المسيحيين” وهو ما سيخلق حالة من الطائفية التصويتية حول الصندوق ستصب حتماً في غير صالح الحزب الذي أسسه ويصرف عليه رجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس.

 

من الناحية الأخرى فإن “حزب النور” سيكون هو الواجهة  الانتخابية للتيار الديني، وهو وبسبب الدعاية الرسمية والشعبية والتي تربط بين العمليات الإرهابية في البلاد وبين الجماعات الدينية المتطرفة سيسهل في المقابل علي حزب “المصريين الأحرار” وبعض الأحزاب المدنية الأخرى أن تستغل هذه الدعاية في ضرب “حزب النور” ما يضعنا أمام تنفيذ سياسي لقانون “نيوتن” عن قوتين متساويتين في المقدار ومتعاكستين في الاتجاه،  فإن المُحصّلة ستكون صفراً، أو علي أكثر تقدير فإن الفارق في القوة لن يكون رقماً كبيراً لأيٍ من القوتين سواء كانت القوة الأكبر لـ”حزب النور” أو لـ”حزب المصريين الأحرار”.

 

علي الجهة الأخرى نشأت كيانات هلامية لا حضور لها إلا في الأخبار أو على برامج “التوك شو” وهي كيانات لا وجود لها علي الأرض، لكنها وهي علي هذه الوضعية التي عليها فإن قانون الانتخابات قد منحها قُبلة الحياة حينما خصص للقوائم المغلقة نسبة من البرلمان تٌقدر بعدد 120 عضواً موزعة علي 4 قوائم، هذه القوائم هي التي تتصارع حولها الكيانات والائتلافات السياسية علي شاشات الفضائيات وفي صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية، وهي علي هذا النحو ستتفرق بين الائتلافات الانتخابية، “تيار الاستقلال” و “في حب مصر” و”صحوة مصر” و “حزب النور” و”كتلة نواب الصعيد” و “تحالف 2020”.

 

حزب الوفد الذي يٌسوّق لنفسه إعلامياً بأنه أكبر الأحزاب المصرية أعضاؤه لا يتجاوزون في أكثر تقدير بضعة آلاف، وهو علي هذا القدر من التواضع فإن الصراعات والمعارك الأخيرة قد ضربته في مقتل، خاصة بعد اتهامات متبادلة بين قياداته بإهدار رئيسه الدكتور السيد البدوي للوديعة التي كان يعتمد عليها الحزب في الصرف علي نشاطاته السياسية، حتي باتت الجريدة الناطقة باسمه مهددة بالتوقف وأوشك الحزب علي الإفلاس، وغير واضح في الأفق القريب أن يحصل الحزب علي تبرعات الأثرياء من قياداته الذين تنحوا جانباً بعد اشتعال لهيب الصراعات فيه، وبالتالي فقد حجز “الوفد” بوضعة الحالي  مقعداً لنفسه في مؤخرة الصفوف المتنافسة في هذه الانتخابات.

 

يبقي الحزب الوطني “المنحل” والذي تقول الشواهد إنه مازال حاضراُ علي الأرض، وما زال يمتلك الخبرة في إدارة المعارك الانتخابية حول الصندوق، ورغم أنه من الناحية القانونية ممنوع من ممارسة العمل السياسي بحكم قضائي إلا أن هذا “الحكم” حرص في نهاية منطوقه علي حق أعضائه في الترشح للانتخابات وممارستهم العمل السياسي ما لم توجد موانع قانونية أخري تحول دون حقوقهم في الترشح، وعليه فإن “الحزب الوطني” من الناحية الشكلية ممنوع من ممارسة العمل السياسي والمنافسة في الانتخابات، لكنه من الناحية العملية, فإن أعضاءه لديهم كل الحقوق فيها.

 

وأمام معطيات تقول بأن بعض قيادات “الحزب الوطني” قد رحلت إلي “أحزاب” و “ائتلافات” أخري مثل “حزب مصر بلدي” أو “حزب الحركة المصرية” أو “تحالف الجبهة المصرية” فإن أمانة التنظيم في “الحزب الوطني” ووفق ما خرج عنها مؤخراً من تسريبات تعتبر أن من خرج من هذه القيادات إلي هذه الأحزاب والتحالفات الجديدة هم “دماء فاسدة” كرهها المصريون، وترى أن قواعد حزبهم في المحافظات ما تزال قادرة علي الدفع بالصفين الثاني والثالث ممن لم يتلوثوا بالمصالح الشخصية لكي تخوض بهم غمار المنافسة علي مقاعد البرلمان القادم.

 

مما سبق فإن الخريطة السياسية التي تستعد مكوناتها لخوض الانتخابات القادمة ستفضي غالباً إلي برلمان مشوه المعالم، لا غلبة فيه لفصيل معين، ولا أغلبية لتيار بذاته،  غالبيته ستكون من المستقلين، ومن هنا فإن هذه الأكثرية المستقلة والغير منخرطة تنظيمياً في حزب أو تيار ستذهب في توجهاتها إلي حيث يريد الرئيس، وعليه فإن الإقدام علي تغيير في الحكومة أو تغييرها تماماً لا يتعارض مع تشكيل البرلمان الجديد، وإن أي حكومة سيختارها رئيس الجمهورية ستحظى بالقبول والتأييد.

 

 ______________________

*كاتب وصحفي مصري 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه