لهذا فشل الخطيب

 

لن أضيف جديدا لمعلوماتك عزيزي القارئ، حينما أخبرك بأنه لا يوجد على وجه الأرض من هو أوفر حظا وأوسع رزقا من لاعب الكرة، فغني عن الذكر أن عاماً واحداً من اللعب لأحد الأندية الشهيرة كفيل بأن ينقل حياة إنسان معدوم هو وعائلته إلى عالم الثراء والرخاء، ذلك بفرض أنه سيلعب عاماً واحداً، فما البال إذا ما لعب عامين أو ثلاثة أو عشرة “وهو الغالب”، أو ثلاثين عاما كما في حالة عصام الحضري؟! اللهم لا حسد..
والحقيقة أن المكاسب التي يجنيها لاعب الكرة، ليست مقصورة على الملايين التي تنهمر عليه بمجرد أن يضع توقيعه أو بصمته – حال أن يكون أميا – على أوراق انضمامه لناديه الجديد، وإنما المكسب الأهم والأكبر يكون في أبواب الدنيا التي تتفتح له على مصراعيها، فيصبح معفيا من كل المهام التي يقوم بها أخوه المواطن العادي، بداية من الإعفاء من التجنيد بلا مبرر، والنجاح في المعهد أو الجامعة دون مجهود، مرورا بإنجاز مهامه بالبنوك والمصالح الحكومية دون الوقوف في طابور أو انتظار دور ، وصولا إلى الحصول على القروض التي يريديها بالتسهيلات التي يطلبها، وفوق هذا وذاك فهو يحظى بما لا يحظى به عالم في الطب فائز لتوه بجائزة نوبل، حيث تتصدر صوره وأخباره عناوين الصحف والمجلات ونشرات التلفزيون، وتردد اسمه الإذاعات، وتهيم به النساء، وتقلده الأطفال، وتضحي من أجله الجماهير، حتى في السياسة فالأحزاب تتسابق لضمه وتفخر بوضعه على رأس قوائهما الانتخابية!!

بعد ترك الملاعب

لكن ورغم كل ذلك فهناك من يرى أن اللاعب يجب أن يظل متمتعا بكل هذه المزايا حتى بعد تركه للملاعب، وهؤلاء هم من يطالبون بوجوده في المواقع المختلفة حتى وإن كانت في غير تخصصه ولا تتناسب مع مواهبه ومؤهلاته، لذا فهو السياسي، والصحفي، ورجل الأعمال، والإعلامي، وبطل الأفلام السينمائية، وخطيب الجمعة، إلخ…..
وقد كان من الممكن تقبل هذا المنطق المعوج بسعة صدر لو أن هذا اللاعب لم يتول منصبا تنعكس أثاره على غيره أو يؤثر على مستقبل مجتمع بأكمله، فهو حر طالما لم يضر، لكن المصيبة أن هذا التمدد والانتشار في كل المواقع أدى إلى أزمات وكوارث عديدة أثرت في المجتمع تأثيرا مباشرا – المجتمع المصري نموذجا-  فلاعب سابق مثل محمود الخطيب الرئيس الحالي لمجلس إدارة النادي الأهلي، فهو بلا خلاف صاحب موهبة كروية فذة يندر أن تشهدها الملاعب، أوصلته تلك الموهبة إلى مواقع ومناصب لا يستحقها ولا تتناسب مع مواهبه في غير كرة القدم، فالخطيب صاحب الأربعة وستين عاما، شغل العديد من المواقع منذ اعتزل اللعب في نهاية الثمانينيات حتى وقتنا هذا.

أزمات عدة

 ففي بداية مشواره خارج المستطيل الأخضر تولى منصب مدير المنتخب الوطني، ذلك المنصب الذي استحدثه وقتها اتحاد الكرة خصيصا من أجله وبناء على طلبه، لكنه لم يحقق فيه أي نجاح، بل على العكس فشل فشلا ذريعا، حيث تسبب بسوء إدارته وتدخله في عمل المدرب في حدوث أزمات عدة، كان من نتيجتها أن شاعت الفتنة في صفوف الجهاز وانشغل الجميع بالأزمات، فانصرفوا عن الاهتمام بإعداد الفريق.. قبلها كان قد عمل بمؤسسة الأهرام بمنصب مدير التنشيط الإعلاني، لكنه وبشهادة الكثيرين من أبناء الأهرام، لم يضف شئيا يذكر، بل خرج من الأهرام بفضيحة إثر اتهامه بالفساد هو وحسن حمدي مدير الوكالة الإعلانية وقتها.. حتى في المجال الإعلامي الذي لا توجد له معايير تقييم حقيقية، فشل الخطيب أن يحقق فيه أي نجاح، ذلك بالرغم من الإمكانيات الضخمة التي وفرتها له القنوات التي عمل بها، حيث قام بتقديم برنامج بالتليفزيون المصري بعنوان” في الصندوق” لم يستمر سوى شهر واحد، خرج منه دون تحقيق أي نجاح أو ترك أثر يذكر، بعده قام بتقديم برنامج آخر على قناة مودرن سبورت بعنوان” بيبو 10 ” لم يقدم فيه سوى حلقتين فقط دخل بعدهما في خلاف مع مالك القناة وليد دعبس.. وتجلت إخفاقات الخطيب خارج الملاعب في منصبه الحالي كرئيس للنادي الأهلي، حيث كشفت طريقته في إدارة النادي عن افتقاده لمواهب الإدارة والقيادة، فالنادي الأهلي الذي ظل طوال تاريخه منذ النشأة “107 أعوام” أشبه بقلعة حصينة لا يجرؤ الخصوم على الاقتراب منها أو الإساءة إليها، تحول في عهد الخطيب إلى كيان هش ضعيف، ينال منه الجميع البعيد قبل القريب، وليس ببعيد ما فعله السعودي تركي آل الشيخ، الذي هاجم الأهلي ومجلس إدارته أكثر من مرة وبأكثر من مكان، يكفي وصفه للخطيب وأعضاء مجلس الإدارة بالعصابة، ومع ذلك لم نر للخطيب موقفا أو نسمع له رأيا يحفظ به كرامته وكرامة ناديه!!

إخفاقات تلاحق النادي

 وعلى الرغم من أن الخطيب قضى بموقعه حتى الآن سنة كاملة أي ربع المدة المقررة، إلا أنه لم يقدم حتى الآن ما يثبت جدارته بالمهمة، وباتت الإخفاقات تلاحق النادي على كافة الأصعدة الإدارية والرياضية، وقد ظهر ذلك جليا على فريق الكرة، والذي يشهد في عهد الخطيب فترة من أسوأ فتراته، فبالإضافة لإخفاقه الكبير بالخروج من نهائي دوري أبطال أفريقيا بالخسارة في النهائي أمام الترجي التونسي، فقد خرج أيضا من دور الستة عشرة للبطولة العربية، كما تراجعت نتائجه في البطولة المحلية بالخسارة في مباراتين والتعادل في مثلهما من عشر مباريات لعبها حتى الآن أي أن الإخفاق بلغ أربعين بالمائة من المباريات!!
والحقيقة أن تجربة الخطيب المسؤول الذي كان لاعبا للكرة، الملاعب تكشف عن أزمة عنيفة تعيشها المجتمعات المختلفة يعامل فيها نجم الكرة على أنه سوبر إنسان قادر على فعل أي شيء وكل شيء بنفس مهارته في لعب الكرة، في حين أنه إنسان بسيط متواضع الإمكانيات أمضى معظم عمره ينظر لأسفل تجاه الكرة، وعندما نطالبه برفع رأسه والنظر للأمام يصاب بالدوخة ويسقط أرضا، ونسقط نحن معه!!
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه