لمحة عن معاناة تلك الفئة

 

استطاع الفيديو المؤثر الذي بثته أخيراً  زوجة الدكتور شادي الغزالي حرب، عن معاناة زوجها في المعتقل ومعاناة مائة ألف معتقل أخرين ومعهم أسرهم وأطفالهم وأحبابهم، وما صاحبه من مشاركات وتفاعلات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في ايقاظ مشاعر الألم لمن سكنت عنده تلك المشاعر أو ذبلت انسانيته.

 في الواقع ان الشيء المتاح لجميع المصريين الان هو المعاناة، فالغالبية في مصر تعاني، وكل يعاني بطريقته ولأسبابه، فمنهم من يعاني الفقرَ أو المرضَ أو الظلم، ونقصاً في الأموال والثمرات، ومنهم من يعاني سلبه أدميته وحقه في الحياة ويعيش جحيما لا يمكن تحمله، وهو ما نقصده هنا.

يخرج مواطن تلك الفئة من بيته كل صباح وأسرته ليست على يقين أنه سيعود ، فإلى حين عودته سيكون محشورا في مخاوف العقل الباطن لديها، بين احتمالات أن يعود إليهم جثة بسبب تصفيته من قبل أجهزة الأمن في اشتباك مسلح مزعوم للتغطية على جريمة أخرى ارتكبتها ذات السلطة كما حدث في واقعة العمال الخمسة الذين تمت تصفيتهم واتهمتهم السلطة بقتل الباحث الايطالي جوليو ريجيني، أو أن يقرأوا خبر انتحاره أو تفجيره نفسه في موكب وزير أو مسئول لم يكن قد سمع حتى باسمه من قبل. وإن نجا من ذلك فلا يزال الموت يطارده في حادث طريق في بلد يحتل  المركز الأول عالميا في عدد ضحايا الطرق ، أو بسبب اعتداء بلطجية عليه لأي سبب كان، أو أن تختطفه مافيا الأعضاء البشرية، ليتم تقطيعه وبيعه لإصلاح ما فسد من جسد هذا الوزير أوذاك الأمير أوصاحب السلطة، وذلكم الثري والمسئول، أو تختطفه مافيا شركات الأدوية العالمية لإجراء تجارب عليه بدلا من الجرذان. وفي أفضل أحوال الاختطاف تختطفه عصابات طلبا للفدية، أو يتم اختطافه من قبل جهات أمنية مجهولة، واخفاؤه قسريا ليظهر بعد أسابيع أو أشهر من البحث المضنى في المستشفيات وأقسام الشرطة متهما في إحدى القضايا الهلامية التي تعج بها المحاكم الآن.

بينما تحولت السجون وأقسام الشرطة والمحاكم والمشارح عند تلك الفئة إلى معالم مؤثرة في حياتهم اليومية من لم يزرها هو فقد زارها أحد اقاربه أوجاره أو صديقه.

متلازمة الخوف

 أينما ولى مواطن هذه الفئة وجهه يلاحقه الخوف، بكل أنواعه وأشكاله، فهو مدان بدون اتهام أو تحقيق أو حتى جريمة، والاعلام الرسمي يحرض علي قتله صباح مساء.

هو يعاني الخوف الموسمي من القتل أو الخوف من الخطف أو الاعتقال لا سيما في أيام الفشل والاضطراب السياسي. يسايره خوف دائم من أن تنتهك حياته الخاصة عبر زوار الفجر الذين يتوقع في أي لحظة انتهاكهم لحرمة منزله، وسرقة أمواله وتكسير مقتنيات العمر وجرجرته إلى غياهب الجب، يتلوه خوف أقل وطأة وأكثر ايلاما من فقد العمل ومورد الرزق القليل الساتر من الفضح بين الناس، والخوف من الاستمرار في الفقر والخوف من الانتقال من مرحلة الفقر التي يعيشها غالبية المصريين إلى مرحلة الفقر المدقع.

ويخاف من أن تنزع منه مصريته ذاتها واستباحته في ماله وخصوصيته وعرضه، بل وتنزع عنه وطنيته ويتهم حينئذ بالخيانة العظمى ويكون سحب الجنسية منه مكرمة تنقذ رقبته من حبل المشنقة.

كذلك مع تنامي اجراءات نزع الملكية في البلاد من الجنوب لليسار يعيش شأنه كل مصري حالة خوف من أن يتم نزع أرضه لأي سبب تراه السلطة ودون أن تمنحه الحق في التعويض الملائم.

مواطن تلك الفئة شأنه شأن كل المصريين يعاني الخوف من أن يصيبه أو يصيب أحد أفراد أسرته مرض مزمن بسبب تلوث الماء واختلاطه بالصرف الصحي وتلوث الهواء وتلوث الطعام بالأوبئة والمواد المسرطنة، مما يعجزه عن تدبير نفقات العلاج الباهظة.

التكيف مع المهانة

بالطبع يتقاسم مواطن تلك الفئة كل ما يعانيه باقي المصريين، حيث يعيش رحلة مهانة صار الكثيرون يتكيفون ويتعاملون معها، مهانة يتلقاها المهندس والطبيب والكبير والصغير والموظف و”العامل الأجري” وصحيح الجسد ومعتله من قبل رجال الأمن تارة والخارجين عن القانون تارة أخرى، وذلك عند دخوله أي مصلحة حكومية أو رسمية، وقرب الكمائن وأقسام الشرطة حيث يجب عليه أن يتقبل كل ما قد يحدث معه دون حتى أن ينبس ببنت شفة، وإلا لن يرى الشمس ثانية، وكذلك حينما يسير في الشارع أو في منزله أو عمله.

رسخ في ذهنه أضعاف ما رسخ في وجدان اي مواطن مصري بأنه أقل أهمية وقيمة من رجل الجيش أو الشرطة أو القضاء أو رجل الأعمال وحتى من “المواطنين الشرفاء”، حتى لو حصل على أفضل تعليم وأفضل تربية، وكان أكثر ثقافة ووعياً، وحظي بالتقدير من جهات علمية واجتماعية مهمة خارجية أو داخلية.

معاناة الأمومة والطفولة

المعاناة في تلك الفئة طالت جميع أفرادها حتى الاطفال، الذين ولدوا وتربوا لم يعرفوا إلا أبا شهيدا أو سجينا أو هاربا داخل مصر أو خارجها، وبدلا من ان يوفر لهم هذا الأب الأمان الذي يحتاجه كل طفل، كان ابتعاده عنهم هو الأكثر أمانا لهم، فتسرب كثير منهم من التعليم للعمل من أجل الانفاق على امهاتهم وأخواتهم.

أما البنات فهن الأخريات يعشن مأساة من نوع خاص، فلا أحد يجرؤ للتقدم للزواج منهن خشية ان ينالهن ما نال ذويهن من جور، حتى صديقاتهن يبتعدن عنهن لذات السبب، دعك عن الظروف الاقتصادية الطاحنة، التي تلقي بظلال أشد قتامة عليهن دون سواهن، بسبب افتقارهن العائل والحرمان من العمل، والتجريد من الأموال.

بالتأكيد عرفتم من تكون تلك الفئة إنها فئة المنتمين إلى جماعة الاخوان المسلمين التي تصمها السلطة بـ”الارهابية”، مع شباب الحركات التي أمنت بثورة يناير / كانون الثاني ،ووصمت بذات الصفة، كحركة شباب 6ابريل/ نيسان، وحركة الاشتراكيين الثوريين، وائتلاف شباب الثورة وغيرهم

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه