لماذا يدمر الإسرائيليون المنطقة من رفح إلى العريش؟

 

لم يعد سرا مشاركة الطيران الإسرائيلي في تدمير المنطقة الممتدة من رفح وحتى مدينة العريش، فالإعلام الصهيوني كثيرا ما ينشر من باب الفخرعن قيام الطيران الحربي بغارات جوية ضد ما يسمى “الإرهاب” في سيناء، وأنه يقصف المباني والأهداف في هذه المنطقة المدنية الآهلة بالسكان بكافة أنواع الطائرات المسيرة والمروحية والمقاتلة!

ولأن الموضوع أصبح شائعا فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا عن مشاركة الطيران الإسرائيلي في الغارات على سيناء، وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الإسرائيليين شنوا 100 غارة في المنطقة الحدودية بموافقة مصرية وأن الأسبوع الواحد يشهد أكثر من غارة واحدة.

أيضا قبل بث حوار CBS مع عبد الفتاح السيسي نشرت المحطة الأمريكية مضمون ما ورد في الحوار ومنه السماح للطيران الإسرائيلي بدخول الحدود المصرية وقصف سيناء، ولكن تم حذف هذا الجزء المهم من الحوار بعد تدخل من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.

دون الدخول في أسباب هذه الحرب ومبررات استمرارها فإن المحصلة النهائية لها هي إزالة العمران من هذه المنطقة وتخريبها وطرد السكان منها، فاستمرار القصف بالصواريخ والقنابل لفترة طويلة تصل إلى سنوات ستنتهي بنتيجة واحدة وهي استحالة الحياة فيها.

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الإصرار الإسرائيلي على تدمير هذه المنطقة وتحويلها إلى أرض محروقة؟ فالمساحة بين رفح والعريش تدب فيها الحياة منذ آلاف السنين، ولم يحدث منذ ايام الفراعنة ورغم ما جرى من حروب في سيناء أن تم مسح البشر والبيوت منها كما يجري الآن.

مملكة داوود وسليمان

 الإجابة على هذا السؤال تشرحها الخرائط اليهودية لمملكة داوود وسليمان، والتي تعتمد على نصوص توراتية تقول إن الرب وعد إبراهيم وأولاده من بني إسرائيل بالأرض التي تمتد من الفرات وحتى نهر العريش، ورغم أن هذا الوعد مختلق لأن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا، لكن كل الكتب اليهودية تجعل حدود المملكة التي بلغت أقصى اتساع لها في عهد سليمان مع مصر هي نهر العريش.

لقد اهتم العرب بشكل خاص بتصريحات قادة الصهيونية عن إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، ولم ينتبهوا إلى الخرائط التوراتية التي يتم تنفيذها بصمت وبخبث شديد، وكان ياسر عرفات يستخدم الإشارات الصهيونية عن “إسرائيل من الفرت إلى النيل” لحشد الرأي العام العربي لمساندة قضية فلسطين.

 لكن علينا أن نعلم أن الأطماع الصهيونية ليس لها حدود، فالحركة الماسونية لديها خطط لحكم العالم كله وتنصيب ملك يهودي يحكم شعوب الأرض (اقرأ البروتوكولات)، لكن هذه الأوهام تتم على مراحل نظرا لقلة عدد اليهود بالمقارنة بعدد العرب الذين يعيشون فوق أرضهم التي يطمعون فيها.

نحن أمام أكثر من تصور لـ “إسرائيل الكبرى” لكن كتب اليهود تركز على الحدود التي حددتها التوراة في سفر التكوين الذي جاء فيه: «في ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع أبرام قائلا: سأعطي نسلك هذه الأرض من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات. أرض القينيين والقنزيين، والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين».

ورغم تعدد الروايات حول مساحة الأرض التي حكمها سليمان فإن أقصى ما تشير إليه شروح التوراة والأطالس اليهودية هو المنطقة الطولية التي تبدأ من نهر العريش وحتى نهر الفرات وتضم فلسطين التاريخية وشرق الأردن ثم شمالا في سوريا ولبنان وبعض التفاسير تضم أجزاء من تركيا.

ما يهمنا في هذا المقال هو الجزء المتعلق بالحدود التوراتية المزعومة مع مصر والتي نصت عليها التوراة وتؤكدها كل الخرائط القديمة والحديثة عن مملكة داوود وسليمان، وهي نهر العريش أو ما يسمى حاليا وادي العريش، أي أن الخطط الصهيونية تعمل على ضم المنطقة من حدود فلسطين المحتلة وحتى مدينة العريش.

نهر العريش

نهر العريش نهر قديم مندثر، كان يمتليء بالمياة سنويا في موسم الأمطار والسيول، وكان يطلق عليه قديما نهر مصر وهناك دراسات توراتية تتحدث عن هذا النهر وأنه يختلف عن نهر النيل، حيث كانت التوراة تشير إلى النيل بالاسم، ومن هنا حدث الخلط الذي يقع فيه البعض.

وصف الدكتور جمال حمدان نهر العريش بأنه “نيل سيناء” في كتابه ” سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا” ويتألف من عدد كبير جدا من الروافد التي تنتظم كالمروحة أو العنقود أو الحزمة، وللوادي رافدان رئيسيان الأول يأخذ من قلب العجمة ومشارف رأس خليج العقبة، والثاني من جبال رأس خليج السويس.

ويبدو أن جفاف نهر العريش جاء بعد انهيار صخري وتصدع أرضي تسبب في ردمه وقطع مساره مما شتت مياه السيول وأنهي دور النهر منذ 3 آلاف عام، وهذا التفسير جاء في دراسة علمية أعدها فريق من الباحثين المصريين والأمريكيين في جامعة الأزهر وجامعتي بوسطن ونورث كارولينا الأمريكيتين، برئاسة الدكتور مصطفى أبو بكر تحت إشراف الدكتور فاروق الباز، واقترحت الدراسة إمكانية إحياء مجرى النهر القديم وإحياء سيناء والاستفادة منه في زراعة ما يقرب من نصف مليون فدان.

اقترحت الدراسة التي نشرت في عام 2013 بعنوان Use of radar data to unveil the paleolakes and the ancestral course of Wadi El-Arish شق قناة طولها كيلومتران، بعمق ستة أمتار، تُحفر عبر منطقة الارتفاع الأرضي المطمورة؛ لتحويل المياه وإعادتها إلى مجرى النهر كما كان سابقا، ولكن تم تجاهل الدراسة لأن تنفيذها كان سيعيد الحياة لمعظم سيناء وهذا لا يريده الصهاينة.

يعرف الصهاينة أهمية إعادة الحياة لنهر العريش ولهذا لم يكتفوا بالحدود التي وصلت إليها مملكة سليمان حسب زعمهم فتوسعوا في الأرض الموعودة لتشمل كل النهر ومعه المثلث الجنوبي لسيناء وظهر هذا في خريطة الزعيم الصهيوني إيتمار بن آفي التي تناولناها في مقال سابق تجعل “إسرائيل الكبرى” أكبر من الكيان الصهيوني الحالي بما يزيد عن 15 ضعف وأزيد من أرض مملكة سليمان بنحو 10 أضعاف.

إن الأطماع التوسعية الصهيونية ليس لها حدود، خاصة مع حالة الضعف التي تعيشها الأمة، وعلينا أن ننتبه إلى عمليات الخداع الاستراتيجي التي تجري لتنفيذ الأحلام التوراتية على مراحل، ومن هذه الخدع الاستراتيجية ما يسمى بصفقة القرن، حيث توريط مصر والسعودية في إخلاء معظم سيناء وضفتي خليج العقبة من السكان بزعم إقامة دولة غزة الكبرى، والحقيقة أن الإخلاء يتم لتسليمها لليهود بدون سكان.

لكي نفهم الخطط الصهيونية علينا إعادة القراءة في الخرائط اليهودية التوراتية فهي الأصل الذي يرتكز عليه قادة الصهاينة، فهذا الكيان الديني تأسس على التوراة، ومنها ينطلق لإعادة ما يطلق عليه مملكة أرض إسرائيل، وإعادة مملكة اليهود القديمة.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه