للرجولة عنوان.. مرسي والذين معه

 

قطب العربي

تراجع الفريق أحمد شفيق عن قراره بخوض الانتخابات الرئاسية المقررة أواخر مارس المقبل تحت وطأة ضغوط قوية لم يستطع مقاومتها، فآثر السلامة، وانسحب من منافسة كان يعتبر نفسه جديرا بالفوز بها، لينجو بنفسه وبعائلته من مصير مرعب تم تهديده به علانية وسرا، ولم يقتصر الأمر على مجرد انسحاب من ترشح ظل يحلم به على مدى 5 سنوات لكنه تجاوز ذلك للإشادة بمن حرمه من ذلك وهو السيسي، والذي كال له المديح على ما قدمه من إنجازات لم يكن يراها حين كان في “عمرته الطويلة” في الإمارات، وأن هذه الإنجازات تحتاج إلى استكمال ممن بدأها، وأنه هو أي شفيق ليس الرجل المناسب لهذه المرحلة!!.

المقارنة

قارن عزيزي القارئ بين هذا الموقف لشخص طالما إدعى أنه مقاتل لا يمكن أن يخضع للضغوط، ولكنه انبطح عند أول إختبار، وبين قائد اجتمعت عليه كلاب الدنيا طالبة منه التنحي عن منصبه، لينجو بنفسه وبأنصاره ، ولكنه رفض بشمم، وتحمل في سبيل ذلك صنوفا من التعذيب المادي  والمعنوي  لا يحتملها بشر، حتى كاد يفقد بصره، بل حياته ذاتها، وظل محروما من زيارة أسرته إلا لمرتين أو ثلاث خلال 54 شهرا  في محبسه، وتمت مساومته على حرية أبنائه أيضا فتم حبس نجله الأصغر عبد الله الذي كانت له عند والده منزلة خاصة باعتباره “آخر العنقود”، والذي كان يصطحبه معه في جولاته الانتخابية وقبلها في جولاته العادية، فتم اتهام الابن بقضية كيدية وتم حبسه فيها لمدة عام، كما تم القبض على شقيقه المحامي أسامة الذي كان يدير شئون الأسرة ويتحدث باسمها، ويترافع عن والده في المحكمة ، وتم حرمانه من زيارة زوجته وطفله الصغير، وقبل ذلك حاولوا اغتيال مرسي معنويا بنشر الأكاذيب التي طبخت في مطابخ المخابرات، ومنها أنواع الطيور والمأكولات التي زعموا أنه كان يتناولها، وزعموا أنها كانت تأتيه من باريس ومدن أوربية رأسا، كما زعموا أن الجهاز المركزي للمحاسبات سجل ملايين الجنيهات التي انفقت على تلك المشتروات من البط وخلافه وهو ما كذبه الجهاز رسميا، وكذا الاتهامات المتتالية للرئيس باعتزامه بيع سيناء وقناة السويس وبرج القاهرة  إلخ، المهم كان الهدف هو الإغتيال المعنوي للرئيس مرسي الذي فشلوا في كسر إرادته عبر الحبس الإنفرادي، والاغتيال المادي  له عبر وضع سموم في طعامه استطاع أن يكتشفها ويتحاشاها.

زيارة آشتون

لن تنسى ذاكرة التاريخ زيارة كاترين أشتون منسقة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوربي السابقة التي زارت مرسي في محبسه بعد أيام من الإنقلاب لتطلب منه التنازل عن السلطة وقبول الأمر الواقع، بدعوى أن الأمر قد انتهى، وأن أنصاره في رابعة قليلو العدد لا يتجاوزون الخمسين ألفا ولا يستطيعون مواجهة السيسي ورجاله، فكان رده عليها “لو كان الأمر كما تقولين ما كنت لتأتي إلى هنا”، لقد وصل بهم التنكيل بالرئيس المنتخب إلى حد اتهامه بالتخابر وهو رئيس دولة من حقه بشكل طبيعي أن يتواصل مع قادة العالم وأحزابه وحركاته، وألبسوه البدلة الحمراء (بدلة الإعدام) بهدف تحطيمه معنويا، لكنه كان يخرج بها في المحكمة مرفوع الرأس مرعبا لسجانيه ومن يحاكمونه.

لك أن تختلف مع مرسي سياسيا جزئيا أو كليا، ولك أن تنقد تقصيره أو حتى ما تعتبره فشلا، ولكنك لا تستطيع أن تنكر شجاعته، وصلابته في مواجهة هذا الكم الضخم من الضغوط المادية والأدبية التي تعرض ويتعرض لها، وتتعرض لها أسرته، وأنصاره، ومع ذلك فلا يزال رابط الجأش، قوي الإرادة، وهو ما قدم مددا لصمود الشارع الثوري على مدى السنوات الأربع الماضية، ولا يزال.

عودة العسكر

حكم العسكر مصر لمدة ستين عاما، وكان الخلاص منهم حلما يراود الكثيرين، وبعد ان أطاحت ثورة يناير برأس النظام حسني مبارك وفتحت الباب لانتخابات حرة لأول مرة في تاريخ مصر الحديث لم تستطع أي من القوى السياسية اليمينية أو اليسارية أن تنافس العسكر انتخابيا، ولم يكن لهذه المنازلة سوى الإخوان المسلمون، وبعد أن تمكن العسكر من إخراج المهندس خيرت الشاطر من المنافسة بحيلة قانونية لم يكن لها سوى مرسي ، الذي تمكن بفضل الله وبمساندة الأحرار  من انتزاع كرسي الرئاسة من أولئك العسكر الذين يؤمنون بأن هذا الكرسي هو حق لهم لا لغيرهم، وكان مرسي هو أول رئيس مدني لمصر (ولو لسنة واحدة)، وهي سنة مرت كأنها ألف سنة على العسكر وأذنابهم وكفلائهم، الذين ظلوا يتآمرون على الرئيس منذ أول يوم لدخوله إلى قصر الإتحادية، وبكل صدق لو كان في القصر شخص آخر غير مرسي ما استطاع أن يكمل شهرا أو شهرين.

ها نحن في موسم انتخابات رئاسية، نراها هزلية، ومحاولة لشرعنة حكم انقلابي، ويراها آخرون الباب الوحيد المتاح لإحداث تغيير سياسي وفتح المجال العام، لكن أيا من الرموز التي كانت تملأ الدنيا ضجيجا من قبل لم يجرؤوا على الترشح، بمن فيهم مرشحون سابقون باستثناء المحامي خالد علي الذي ينتظره حكم قضائي يوقف مسيرته، حتى وإن تمكن من جميع التوكيلات المطلوبة للترشح وهو أمر مستحيل ( 25 ألف توكيل من 15 محافظة على الأقل، تتضمن ألف توكيل من كل محافظة على الأقل خلال 9 أيام فقط)، فالفريق شفيق انكسر من أول (ضغطة)، والفريق عنان خشي على نفسه المصير ذاته.

انحناء وانكسار الرموز السياسية والعسكرية أمام ضغوط بسيطة قياسا بما يتعرض له الرئيس مرسي، وغيره من الصامدين خلف القضبان وعلى رأسهم الدكتور بديع والشاطر والكتاتني والعريان والبلتاجي والخضيري والشيخ حازم وعصام سلطان وصفوت عبد الغني وصفوت حجازي، وكذا الصامدين في المنافي تثبت أن أصحاب المبادئ الحقيقيين هم فقط القادرون على مواجهة الطغاة وعنتهم وضغوطهم مهما عظم حجمها، فهم لا يناضلون من أجل مكاسب شخصية زائلة، وإنما من أجل قيم عليا، وغايات عظمى، لا يقوى عليها إلا أولو العزم من الرجال.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه