لا تتركوا الأقصى وحده

مع حالة الانكسار العربي وانخراط مصر والسعودية في صفقة القرن، ازدادت وتيرة الاقتحامات التي يتعرض لها المسجد الأقصى، ودخول المستوطنين اليهود الحرم في حماية القوات الإسرائيلية، ولكن ما جري من اعتداء على المصلين عقب صلاة الجمعة الأخيرة وطردهم وإغلاق البوابات يؤكد أن الأمة أمام خطر عاجل يقتضي التداعي للتصدي له من دون انتظار الحكام والملوك الذين قرروا الانسحاب من المعركة.

نعم نجح المقدسيون في إجبار الاحتلال على الانسحاب وفتح الأبواب، بعد اعتصام على بوابات المسجد وصلاة العصر في الشارع لكن قضية الأقصى لم تعد ملكا للمقدسيين وحدهم، كما أن الهجمات اليومية للمستوطنين والوفود التي تزداد أعدادها بشكل مستمر تشير إلى الاستعجال الصهيوني في فرض السيطرة على المسجد تمهيدا لهدمه وبناء الهيكل المزعوم.

كنا في السابق نطالب الحكام العرب بالتحرك، وكنا نضغط عليهم بالمظاهرات والاحتجاجات، فكانوا يصدرون بيانات الشجب والإدانة التي كنا نستهين بها، ومع ذلك كانت تفيد في تشكيل رأي عام ضاغط على الاحتلال، وكان هذا الضغط يجبر الجامعة العربية على عقد اجتماع وإصدار بيان يشعر الفلسطينيين بأن الأمة معهم، لكن بعد توافق القرار السياسي العربي مع الاحتلال الإسرائيلي اختفت الجامعة العربية واختبأت، وتوقفت بيانات الشجب!

التخلي العربي عن القدس

في كل الاعتداءات الأخيرة التي تعرض لها الأقصى غابت الحكومات والمنظمات العربية، ولأول مرة رأينا الموقف الرسمي العربي ضد فلسطين، وضد أي تحرك شعبي لنصرة القدس، ولا تتورع حكوماتنا عن ضرب  المظاهرات السلمية بكل عنف، لأن الاحتجاجات في نظرهم تشكل تهديدا لأنظمة الحكم وليس لـ”إسرائيل” ولهذا صمتت العواصم العربية التي كانت تشتعل غضبا، واختفت الأعلام الفلسطينية التي كانت ترفرف في الشوارع وفوق البيوت تأكيدا على مساندة الحق الفلسطيني.

لقد استغل الإسرائيليون أزمة السلطة في مصر والسعودية وهما أكبر دولتين عربيتين في تحويل اتجاه الموقف في القاهرة والرياض من داعم ثم وسيط إلى خصم للجانب الفلسطيني، وحليف للكيان الصهيوني، ولمزيد من الإذلال والمهانة تحولت اللقاءات والاتفاقات السرية مع الصهاينة إلى مواقف معلنة يتباهى بها القادة الإسرائيليون كمن يعلن انتصاره على العرب.

هذا التغير في عقيدة بعض الحكام العرب يشير إلى نجاح الاستراتيجية الإسرائيلية في تحويل القضية الفلسطينية من صراع بين اليهود والمسلمين أو بين الاسرائيليين والفلسطينيين إلى صراع متعدد الاطراف، وإدخال العرب كطرف ضد الفلسطينيين حتى أصبحنا نرى الحصار العربي المفروض على غزة أشد قسوة من الحصار الإسرائيلي.

الذي يحاصر قطاع غزة منذ أكثر من 11 عاما هم العرب ومعهم السلطة الفلسطينية الممولة من العرب، وأصبحت الحياة في القطاع لا تطاق حيث يتم خنق الفلسطينيين لإسقاط حكم حماس وتسليم الأسلحة والصواريخ التي فشل الإسرائيليون في تدميرها خلال 3 حروب، انتهت بخسائر فادحة في الكيان الصهيوني تفوق ما خسره سكان غزة.

ويظهر الموقف الرسمي العربي المعادي لفلسطين في الضغوط التي تمارس ضد مسيرات العودة الفلسطينية التي ينظمها الفلسطينيون كل يوم جمعة على السلك الشائك الذي وضعه الاحتلال على حدود غزة، فهذه المسيرات التي فضحت صفقة القرن وأعادت الملف الفلسطيني مرة أخرى إلى الواجهة تزعج بعض الحكام العرب أكثر مما تزعج الاحتلال، ولهذا يتعرض قادة حماس للمساومات من دوائر عربية لوقف هذه الفعاليات التي تطالب بحق عودة الفلسطينيين لأراضيهم التي طردوا منها.

الموقف الدولي

يحاول الإعلام الرسمي في الدول المتورطة في صفقة القرن تصوير الموقف الدولي وكأنه مؤيد بشكل كامل للاحتلال الصهيوني لتمرير الانقلاب على ثوابت الأمة، ونشر الإحباط لدى شعوبنا، وهذا غير صحيح، فالجامعة العربية ومعها مصر والسعودية والامارات هي التي انقلبت وراء ترامب ونتنياهو، ورغم أننا لم نعد نراهن كثيرا على الموقف الدولي لكن من باب التوصيف الصحيح فإن الصورة غير التي يراها البعض.

تركيا التي ترأس منظمة التعاون الإسلامي استطاعت أن تحل بدلا من العرب في قيادة الموقف الرسمي الإسلامي في الدفاع عن القدس، ومعها باقي الدول العربية التي أعلنت رفضها تمرير قرار التهويد الكامل للقدس.

أيضا كشف التصويت في الأمم المتحدة أن دول العالم، ومنها حلفاء أمريكا الأوربيون، قد تخلوا عن ترمب وأنها لا توافق على فكرة إنهاء قضية فلسطين حسب التصور الذي يطرحه الإسرائيليون.

دور الشعوب

في ظل حالة الضعف التي تمر بها الأمة يأتي دور الشعوب لقيادة معركة الدفاع عن المسجد الأقصى؛ فالقدس ليست مجرد مدينة تخص المقدسيين وحدهم، وإنما عقيدة تخص كل المسلمين، وتخلى الحكام لا يعفي الأمة من تحمل مسئولياتها، فكل مسلم مطالب بالدفاع عن الأقصى قدر استطاعته، وعلى القوى الحية المتبقية أن تتحد وتنسق جهودها لتعظيم جهودها في هذه اللحظة التاريخية التي تشهد تحولات خطيرة.

هنا يأتي دور الأفراد في الدفاع عن الأقصى، وإذا كان الصهاينة والدوائر التابعة لهم قد صادروا منابرنا السياسية والإعلامية لتجهيل الناس، وأغلقوا كل الأبواب أمام حركة التعبير والتضامن مع القضية الفلسطينية فليتحول كل عربي ومسلم إلى منبر وماكينة لفضح المؤامرة ونشر الوعي.

إذا كانوا قد أغلقوا الميادين والشوارع فإن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تحولت إلى فضاء أوسع أمام الملايين الذين يستطيعون توصيل أصواتهم إلى كل بيت، فالكلمة اليوم أصبحت أشد تأثيرا في فضح المكر المعادي وإفشال الخطط الشريرة، ولها دور مهم في صناعة تيار عام في مجتمعاتنا يحاصر خطر التهويد وفضح الأقنعة الزائفة.

لو كانت الكلمة غير مهمة وغير مؤثرة فلماذا يغيبون الإعلام بالسيطرة والإغلاق والتخويف حتى لا يعرف الناس الحقيقة؟

ولو كانت وسائل التواصل والإنترنت غير مؤثرة فلماذا ينفقون ملايين الدولارات على اللجان الإلكترونية والذباب الإلكتروني لصناعة قضايا رأي عام زائفة، وشن الهجمات على الصفحات الجماهيرية لإغلاقها؟

باستطاعتنا تحويل ساحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى سلاح فعال دفاعا عن الأمة بقليل من التركيز والتنسيق، فحروب اليوم إعلامية ومن يكسب العقول يكسب الأرض، وإذا خسرنا معارك العقول فتحنا أمام عدونا ساحاتنا يضاعف فيها خسائرنا ويشكل لنا رءوسا تفكر لنا لتستمر التبعية ولنعيش أبد الدهر في الهزيمة.

صلاح الدين الأيوبي لن يأتي ونحن مجرد مشاهدين ندافع عن أمتنا بقلوبنا ونصمت كالشياطين الخرس، فالكلمة المكتوبة والمقروءة والمسموعة هي المدفعية الثقيلة، ومن لا يستطيع التعبير فليشارك في توصيل الكلمة والصورة والمعلومة إلى الآخرين.

لاتستهينوا بالكلمة فالله سبحانه وتعالى أقسم بـ “القلم وما يسطرون”؛ ومن دون العلم والدراية لن يفكر العقل بشكل صحيح، ولا تنفع قوة قبل الوعي والفهم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه