كُتاب ومقاهٍ: قصص عشق منذ مئات السنين

 

اعتاد المفكر والفيلسوف الفرنسي شارل فورييه (صاحب نظرية فورييه في الاقتصاد) الذهاب إلى أحد المقاهي في باريس والجلوس فيه تاركا أمامه مقعداً فارغاً، وامضي سنين عددا على هذه الحال ينتظر أحداً ما يجلس معه ويناقشه.

ويبدو أن وجهة نظر فورييه اعتبرت راديكالية ولم تلق قبولاً ولم يمد له أحد يد العون في حياته، لكن إيمان فورييه بنظريته جعله محافظا على ذلك المقعد الخالي في المقهى حتى توفي عام ١٨٣٧.

لقد احتلت المقاهي دوراً مهماً في جميع مجالات المعرفة، وليس أقلها الأدب. وفي عصر التنوير بفضل المقاهي الأدبية التي أصبحت دوائر غير رسمية للمحادثات، كانت تتم مناقشة القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، في هذه الأماكن التي تجمع بين وظيفة المتعة (القهوة) ووظيفة نشر المعرفة.

شراكة القهوة والكتب

من باريس إلى مقهى “ريش”- بميدان طلعت حرب في القاهرة الذي يتجاوز عمره المئة عام، يشهد على تاريخ حافل مر به المقهى الذي كان قبلة للمثقفين على مر الأجيال، ومن مقهى ركوة عرب في عمان إلى تركيا، ويقال إن أول من أقام المقاهي هم الأتراك في القرن الرابع عشر، وانتشرت بعدها في جميع أنحاء أوربا ثم إلى باقي أنحاء العالم.

وهكذا احتلت القهوة، المشروب الرسمي للمقاهي، مكاناً أساسياً في جميع مجالات الأدب، حتى أن الكاتب النمساوي ” فردريش توربرغ” ألف عام ١٩٢٩ قصيدة أسماها ” إلى قهوة سوداء ” يقول فيها: عزيزتي، القهوة السوداء اللذيذة، سواء كانت موكا، تركية، أو صربية حقيقية، أو الله يعرف ماذا، عندما أراكِ أمامي

أنتِ مجرد قهوة جيدة وساخنة، عليكِ أن تعرفي أنه من دونكِ، لا أستطيع العمل، كأن ذهني في ورطة بالفعل، وسيكون الأمر أسوأ بكثير، إذا لم يكن هناك ترمس مليء بالقهوة على سطح مكتبي.

وظلت القهوة والكتب في شراكة منذ مئات السنين، لقد وجدت نفسي أقرأ قصصاً تتحدث عن المقاهي الصغيرة، رائحة القهوة، عن كُتاب ومؤلفين ألهمتهم المقاهي، ولهذا نجد أن أغلب الأدباء قاموا بكتابة روائعهم أو وضعوا أفكارها في مقهى، ومثلما كانت المقاهي عاملا أساسيا في أدب نجيب محفوظ. كانت ملهمة أيضا للكاتبة ج. ك .رولينغ التي كتبت كتابها الأول من سلسلة هاري بوتر الشهيرة في مقهي the elephant house في أدنبرة باسكتلندا، وكذلك كتبت معظم أعمالها في هذا المقهى .

والطاحونة أيضاً

وكان فرانز كافكا يقضي ساعات طويلة في مقهى cafe ‘ louvre في براغ مع أصدقائه وكتب العديد من قصصه أثناء تناوله للقهوة.

والطاحونة اسم المقهى الذي بدأ فيه غابرييل غارسيا ماركيز حياته الأدبية، المقهى الذي لم يكن له فيه مكان محجوز، لكنه كان يتدبّر أمره بمساعدة النادل الذي كان يُجلسه أقرب ما يكون إلى طاولة المعلّم الكبير ليون دي غريف.

العامل المشترك في المقاهي جميعها هو” الإلهام” تمر شخصيات عدة وتتوقف، فيصبح المقهى أرضاً خصبة لأية إشارة سردية: يكفي أن يكون لديك قلم وورقة لمنح نفسك نموذجا مكتوباً.

إن المقاهي لا تقدم مشروباً ساخنا فقط بل مساحة من الاجتماع والمشاركة، حيث يولد الحب والصداقة والإبداع – وربما أبطال محتملون لرواية جديدة.

يقول جونسون ستيفن مؤلف كتاب ” من أين تأتي الأفكار الجيدة” إن الأفكار لا تأتي من عبقري واحد يعمل في المختبر بقدر ما تأتي من تفاعلات بين العباقرة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه