كورونا .. هل بقى للإخوان دور؟

 

حين حلت جائحة الكورونا، وكانت مواجهتها أكبر من إمكانات الحكومة المصرية تذكر الكثيرون جماعة الإخوان صاحبة الخبرة الكبيرة في الإغاثة والطوارئ؟ لكن أين هم الإخوان الذين يمكنهم المساهمة في مواجهة الأزمة؟ وماذا يملكون من أدوات؟ وهل هم قادرون على تجاوز خلافهم مع السلطة الحاكمة وما أوقعته لهم من قتل وتنكيل وملاحقة؟ وهل سيعتبرون أن مهمتهم هي فقط حماية أفرادهم وأنصارهم، بينما يردد لسان حالهم أن الشعب هو مسؤولية الحكومة وليس مسؤوليتهم؟.

أسئلة طبيعية جدا في ظل الوضع الحالي للجماعة التي تتعرض لأكبر  محنة في تاريخها كله، فقادتها من الصف الأول حتى الرابع بين شهيد ومعتقل ومختفٍ ومطارد داخل البلاد أو خارجها، وغالبية أعضائها بين السجون والمنافي أو في حالة (توارٍ طوعي عن الأنظار) إيثارا للسلامة، ولا يمر يوم دون أخبار  جديدة عن اعتقال بعضهم، أو فصل بعضهم، أو مصادرة ممتلكات البعض الآخر الخ.

لكن هل هذه الحالة الصعبة التي يمر بها الإخوان تكفي مبررًا لهم للتقاعس عن المشاركة في إغاثة الشعب المصري رغم أنهم لا يملكون فعلا الأدوات التي كانوا يمتلكونها من قبل؟

العذر للإخوان:

ربما يلتمس البعض العذر للإخوان فعلا بسبب هذه الظروف، وربما يرى البعض أنها فرصة للتشفي في النظام ومن يدعمه، أو أنها فرصة ليشعر الناس بدور الإخوان المفتقد، ولكني أظن أن كل من يفكر بهكذا طريقة فهو يظلم نفسه قبل أن يظلم جماعته، فالجماعة عبر تاريخها لم تمنعها المحن التي مرت بها من مد يد المساعدة عند الملمات الوطنية، مثل طلبهم من إدارة السجون نقلهم من محابسهم إلى جبهة الحرب ضد العدو الصهيوني مباشرة في الستينيات، ومثل مشاركتهم في مواجهة وباء الكوليرا عام 1947، حيث تم عزل مصر عن العالم تماما، لا سفر منها ولا إليها، مع توقف التصدير والاستيراد خوفا من انتقال العدوى، وفي هذه النقطة تحديدا يحضرنا تلك الرسالة التي أرسلها الشيخ حسن البنا إلى وزير الصحة المصري عارضا فيها وضع 40 ألف متطوع من جوالة الإخوان، و1500 مقر تحت تصرف وزارة الصحة، كما عرض نماذج لما يمكن أن يقدمه متطوعو الإخوان ومن ذلك نشر الدعوة الصحية في محيط القطر كله وسرعة إذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن الوزارة مع التكفل بإفهامها للجمهور ومعاونته على التنفيذ، والتبليغ عن المصابين والإصابات كل في محيط منطقته مع بعض الجمهور، وتكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض.، ومساعدة رجال الجيش في كافة أعمالهم؛ من حصار المناطق الموبوءة، ونقل الإشارات اللاسلكية، وقيادة السيارات.

وليس ببعيد عن الذاكرة دور الإخوان في مواجهة تداعيات زلزال 1992، وما قاموا به من جهود كبيرة لإغاثة المتضررين وهو ما تكرر في نوازل أخرى منها انهيار صخرة المقطم، والعديد من السيول.

قد يقول البعض إن الإخوان كانوا يمتلكون أدوات تعينهم على تقديم الدعم والإغاثة في تلك المرات مثل مئات المستشفيات والجمعيات والمقرات إضافة إلى إمكانيات النقابات المهنية التي شكلوا أعلبية مجالسها، أما الآن فهم منزوعوا الأدوات، وهذا صحيح كما ذكرنا من قبل، لكن جماعة كبيرة مثل الإخوان رغم ما ألم بها لا ينبغي أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الكارثة، ولن يصعب عليها إيجاد طرق للمساعدة مهما كانت محدودة أو رمزية، وسيغفر لها الشعب أي قصور بالنظر إلى ظروفها.

الخدمة الكبرى:

وقبل الحديث عما يمكن أن يقدمه الإخوان من عون علينا أن نتذكر أن الخدمة الكبرى التي قدمها الإخوان حتى الآن للشعب المصري هي مساهمتهم مع الدوائر القريبة منهم وعبر الأدوات الإعلامية المتاحة لهم في كسر التعتيم الإعلامي الذي فرضه النظام على الأزمة في بداياتها، والتي لولا هذه الجهود لكانت استمرت مدة أطول، وقد نجح هذا الكسر في تبيان حجم الأزمة، وتداعياتها الخطيرة، وأجبر النظام لاحقا على الاعتراف بها، والتحرك لمواجهتها، لقد كان من نتيجة الاستهانة والتعتيم أن عقد السيسي اجتماعا مع كبار قادة القوات المسلحة يوم 3 مارس (في فترة إنكار الأزمة) وظهر لاحقا أن بعض القادة العسكريين المشاركين في اللقاء كانوا مصابين بالفيروس وبعضهم مات بالفعل لاحقا، وهو ما كشفه الإعلام المصنف “إخوانيا” سواء كانت قنوات أو مواقع أو صفحات تواصل.

وبسبب هذا الدور الإعلامي أنتجت ماكينة الفبركة الأمنية بيانا منسوبا لمكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، يتضمن دعوات للمصريين للنزول إلى الشارع وتجاهل الدعوات الرسمية لهم بالبقاء في البيوت، والالتزام بالاحتياطات الصحية، وهو بيان ردت عليه الجماعة ببيان مطول، كما خرج أكبر قادتها في الخارج وهو إبراهيم منير على قناة وطن التابعة للجماعة نافيا هذا البيان جملة وتفصيلا، وهو ماكرره مسؤولون إخوان آخرون، كما نفوا أي صلة لهم بشخص يقيم في الولايات المتحدة بث تسجيلا مصورا دعا فيه لنشر الفيروس بين منتسبي الشرطة والجيش.

من الخطأ أن يقف الإخوان موقف الدفاع عن أنفسهم فقط فهذا ما يريده النظام فعلا، ولكن يمكنهم التحرك لمساعدة الشعب عبر العديد من المسارات ومن ذلك المشاركة في حملات التوعية بالوباء، وسبل الوقاية منه، وفي هذا الإطار فإن هناك أعدادا كبيرة من الأطباء والصيادلة المنتمين للجماعة والقريبين منها يمكنهم القيام بهذه المهمة عبر وسائل الإعلام من قنوات ومواقع وصفحات تواصل، وأثناء كتابة هذا المقال علمت أن جمعية اتحاد المهن الطبية المصرية في الخارج (إحدى المؤسسات التي أسستها الجماعة في الخارج) أعلنت عن غرفة عمليات من فريق طبي متنوع يقدم استشاراته عبر الانترنت، كما أن الجماعة قادرة على مد يد العون من خلال الأطباء المنتمين لها أو القريبين منها الذين لا يزالون يقيمون في مصر، وليس مطلوبا بطبيعة الحال الكشف عن هوياتهم.

وتمتلك الجماعة قوة معنوية تساعد في إقناع المواطنين بالبقاء في بيوتهم، والالتزام بالاحتياطات الطبية، وأداء الصلوات في المنازل بدلا من المساجد، كما تستطيع الجماعة توجيه أبنائها والقريبين منها بل وعموم المجتمع إلى توجيه زكواتهم وصدقاتهم لكفالة المتضررين من الوباء سواء أسر الموتى، أو الذين فقدوا عملهم ومصدر رزقهم، مع الاستمرار في كشف الحقائق وتجنب الإشاعات الضارة بالمجتمع.

شماعة الإخوان:

كعادته عندما يتعرض لأزمات يهرب النظام من ذلك باللجوء إلى شماعة الإخوان، فيتهمهم بأنهم وراء حركة الناس في الشوارع، وأنهم وراء المظاهرات التي شهدتها الإسكندرية والجيزة رغم أن بيان الإخوان الأخير دعا الناس للالتزام بالبقاء في البيوت وبالتدابير الصحية اللازمة، ويوظف كتائبه الإلكترونية لترويج البيانات والتصريحات المفبركة التي تخيف المصريين من الإخوان، ويسعى للتهرب من الدعوات المتصاعدة محليا ودوليا بإطلاق سراح السجناء لإنقاذهم من خطر الوباء، وفي اعتقادي أن الفعل الإيجابي من الإخوان سيكون هو الرد العملي على هذه المحاولات، وسيكون هذا الفعل رسالة إيجابية إلى الشعب أن الإخوان لم يخذلوه في أحلك الحظات التي يمرون بها، كما سيكون اختبارا لاستمرار قدرة الجماعة على العمل في ظل الضغوط.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه