“كلمة سواء” وحملات العواء ضد “معصوم”!

 

 

“تعالوا إلى كلمة سواء” شطر آية قرآنية كان عنوانا لأحدث بيانين أو ندائين من مصدرين متعارضين سياسيا في مصر، أولهما نداء السفير السابق والقيادي الناصري معصوم مرزوق والذي أطلقه يوم 5 أغسطس، وثانيهما بيان جماعة الإخوان المسلمين الذي أصدرته في الذكرى الخامسة لمذبحة رابعة يوم 14 أغسطس، الفارق الزمني بين البيانين 9 أيام فقط، والفارق في المحتوى كبير، ولكن تطابق العنوان بينهما منح فرصة كافية للعدو المشترك وهو نظام السيسي وإعلامه للربط بينهما، والادعاء بأن مصدر البيانين واحد، ومن هنا بدأت حملة العواء الإعلامي ضد السفير معصوم والتي كانت مجرد تمهيد لتقديم بلاغات إلى النيابة ضد الرجل، ومن ثم “جرجرته” للتحقيق في اتهامات حول علاقته بجماعة الاخوان التي قضى غالبية عمره في مواجهتها، وبعد تحقيقات مكثفة قررت النيابة حبسه ورفاقه 15 يوما على ذمة القضية وهي التعاون مع الاخوان، مع بعض التهم الأخرى.

المواقف السابقة

لا يغيب عن مثلي البتة المواقف السياسية السابقة للسفير معصوم أو غيره، سواء من انقلاب الثالث من يوليو2013، أو جرائم نظام يوليو وأهمها قتل آلاف المصريين السلميين في مذبحتي رابعة والنهضة وغيرهما من الميادين والشوارع، لكنني أتعامل مع تلك المواقف باعتبارها محطات في مسيرة الرجل التي وصلت الآن إلى الوقوف ضد النظام الذي دعمه من قبل، والدعوة للخلاص منه، وإذا كان للرجل اخطاؤه فلنا ولغيرنا أخطاء أيضا، ومن كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر.

كان الكثيرون يتوقعون أن تتجاهل السلطة السفير ومبادرته، ودعوته للنزول يوم 31 أغسطس إلى ميدان التحرير بحسبان أنها لن تلقى استجابة من أحد، وظل الحال كذلك لعدة أيام فكر خلالها السفير ورفاقه في تأجيل دعوة النزول إلى تاريخ آخر ربما في أكتوبر أو حتى يناير المقبل، وكان الرجل على وشك إعلان هذا التأجيل فعلا عقب انتهاء عطلة عيد الأضحى، بعد أن مهد للأمر، لكن العقلية الأمنية المتوجسة دوما من أي فعل شعبي، أصرت على القبض عليه من منزله، كما اعتقلت عددا آخر من رفاقه بينهم الدكتور يحيي القزاز والدكتور رائد سلامة قبيل انتهاء عطلة العيد، لأنها ببساطة تعيش حالة “فوبيا الإخوان” ، وتخشى من تجمع أي عدد ولو كان بعدد أصابع اليدين في ميدان التحرير، لأن ذلك في نظرها سيكون كسرا للحواجز الأمنية التي بنتها حول الميدان لتمنع أي مظاهرة معارضة فيه، ولأن السماح بدخول عدد محدود سيفتح الباب لتدفق اعداد كبيرة من الإخوان وأنصارهم إلى الميدان وهو ما تحدثت به التقارير الصحفية في العديد من الصحف الحكومية والخاصة والتي بدا بشكل مفضوح أنها كتبت في أحد الأجهزة الأمنية وجرى توزيعها على تلك الصحف والمواقع بصيغة واحدة تقريبا بما في ذلك الأخطاء الكتابية.

حملة العواء

لم تكد تنته حملة العواء على السفير معصوم والتي توجت بحبسه ورفاقه، حتى بدأت حملة عواء جديدة ضد رفيق معصوم وزعيمه السابق في الحركة الناصرية (التيار الشعبي) حمدين صباحي الذي انبرى للدفاع عن رفيقه ومدير حملته الرئاسية، في مؤتمر الحركة المدنية، والذي ابتلع حبوب الشجاعة فوصف نظام السيسي بأنه نظام “منكر ينبغي تغييره باللسان أو البيد”، داعيا إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وكانت تلك الدعوة وحدها كفيلة بانطلاق صافرة الهجوم عليه، فانهالت البلاغات ضده إلى نيابات أمن الدولة في القاهرة والمحافظات، وخصصت البرامج الليلية والنهارية، والصحف والمواقع الإلكترونية مساحات واسعة لاغتياله معنويا، تمهيدا لحبسه ليلحق ببقية رفاقه،وبالتهمة الممجوجة ذاتها وهي التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين رغم كل ما هو معروف عن عداء صباحي للجماعة خاصة منذ حكم الرئيس مرسي.

على العكس مما أراد السيسي ونظامه فقد منح اعتقال السفير معصوم ورفاقه قبلة حياة جديدة للمعارضة المصرية خصوصا في الداخل، فالحركة المدنية التي كانت جثة هامدة منذ الاعتداء على إفطارها الرمضاني تمكنت من عقد مؤتمرصحفي للتنديد بحملة الاعتقالات والمطالبة بالافراج عن كل المعتقلين السلميين، وتحرير الاعلام الخ، وكانت دعوة صباحي لانتخابات رئاسية مبكرة هي الصوت الأعلى في ذلك المؤتمر، وهاهي حملة الهجوم الإعلامي ضد صباحي والتمهيد لحبسه تزيد نار الغضب اشتعالا بين أنصاره، وهذه التحركات في الداخل في مجملها حفزت القوى المعارضة والمناهضة للانقلاب في الخارج للتحرك لتقديم ما تستطيع من دعم سياسي وإعلامي في ظل غلق كل أبواب الإعلام المحلية بوجه المعارضة، ولن يكون مفاجئا أن تنظم معارضة الخارج بعض المظاهر التضامنية مع دعوة السفير معصوم للنزول يوم 31 أغسطس، لكن هذا التضامن الرمزي لن يكون كافيا في كل الأحوال لإشباع تطلعات من ينتظرون حراكا فاعلا ومؤثرا وقادرا على تغيير المشهد.

وابل الشتائم

رغم امتلاء صفحات التواصل الاجتماعي بوابل الشتائم والسخائم ضد كل الرموز من كل الاتجاهات، إلا أن المؤشر الأهم في معرفة مدى تقارب القوى السياسية وتعاونها هو البيانات الرسمية لتلك القوى والجماعات، والتي أظهرت قدرا كبيرا من التعاطف والتضامن مع معتقلي العيد كما ظهر في بيان الجبهة الوطنية وجماعة الإخوان المسلمين وحزب البناء والتنمية الخ، وبالتالي فليس من المقبول التعويل على كلمات متناثرة في الفضاء الإلكتروني لوصم تيار بأكمله بالعدوانية، وليس من المقبول النفخ في هذه الأصوات الفردية النشاز والادعاء بتمثيلها لتيار بأكمله، فمقابل هذه الأصوات هناك أصوات أخرى عاقلة ترفض البذاءات، وتبحث عن المشترك، وتسعى لتعظيمه، وتبدي رغبتها دوما للتعاون لإنقاذ الوطن.

الموجة الأخيرة للاعتقالات والتي قد تشمل آخرين ربما يكون منهم حمدين صباحي نفسه، هي فرصة جديدة للمعارضة المصرية للتقارب، والتنسيق، وطي صفحة الماضي الأليم، وتجاوز حالة الاستقطاب والتربص، والتحرك المشترك على كل المستويات للخلاص من هذا النظام الذي وحَّدها داخل سجونه وفي مقابره.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه