كلمة السر في ترحيل الشبان المصريين من ماليزيا: “سوسما”

 

 

مرت عدة أيام على ظهور خبر اعتقال وترحيل السلطات الماليزية لأربعة شبان مصريين، معارضين للنظام المصري الحالي، ومقيمين على الأراضي المصرية منذ حوالي أربع سنوات، وحتى هذه اللحظة لم يظهر أي تصريح رسمي من أي من الجهات الحكومية المعنية، ولم ينقل الأمر أي من الصحف والمواقع الإخبارية المحلية هنا، وبدت وسائل الإعلام هنا خالية تماماً من هذا الخبر إلا من خبر وحيدٍ نشره قبل قليل موقع “فري ماليزيا توداي” المستقل، وقد أكد هذا الموقع فيما نقله عن مصدره الخاص؛ ما سبق وذكرناه في المقال السابق، بأن سبب الاعتقال هو تأجير هؤلاء الشبان شقة سكنية لأحد المتهمين بالإرهاب.  

صمت حكومي واشاعات مختلفة

من الملاحظ أن عدم ظهور أي تصريح إعلامي رسمي خلال الأيام الماضية قد أعطى مساحة لانتشار بعض الشائعات التي لا نعرف حتى الآن مدى صحتها، فقد انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي عدة افتراضات واحتمالات، منها ما يدعي أن المعتقلين مازالوا على الأراضي الماليزية، ولم يرحلوا بعد، وأن مكتب الشيخ يوسف القرضاوي قد تدخل للإفراج عنهم، وأنه كذلك قد تدخلت السيدة وان عزيزة وان إسماعيل، نائب رئيس الوزراء وزوجة النائب والسياسي البارز أنور إبراهيم. كما ظهرت إشاعة أخرى تقول إن الشبان الأربعة لم يصلوا الأراضي المصرية بعد، وأنهم ما يزالون في مدينة بانكوك التايلندية بعد رفضهم صعود الطائرة لاستكمال رحلتهم، ظهرت بعض هذه الاشاعات في صفحات أهالي وذوي هؤلاء المعتقلين، وظهر بعضها الآخر في صفحات مختلفة.

وقد أجاد السيد سامر علاوي مراسل الجزيرة؛ تغطية الخبر عندما قرر نقل الكرة إلى ملعب المنظمات غير الحكومية، حيث نشر تقريراً صباح اليوم، وجه من خلاله عدة استفسارات لهذه الجمعيات النشطة في مجال حقوق الإنسان، والمعنية بتعديل القوانين المحلية لتصب في مصلحة المجتمع المدني، فخلص إلى أن هذه الجمعيات تتعامل مع القضية بحذر، فمنها من لم يعلق على الحدث لعدم وجود أي خبر رسمي، ومنها من أدان هذا التصرف الحكومي. ثم تبع ذلك أن تم نشر هذا التقرير على موقع الجزيرة الناطق باللغة الإنجليزية، ولعل هذا هو سبب ظهور تقرير “فري ماليزيا توداي”.

قانون “سوسما” الاستثنائي

تساءل الكثير من المتابعين لهذه القضية، حول الآلية التي أجازت للسلطات الماليزية أن تقدم على هذا التصرف من دون إخضاع المعتقلين للمحاكمة، أو على الأقل اعتقالهم من دون اتخاذ أمر بترحيلهم إلى مصر، والتي من المتوقع أن يواجهوا فيها مصيراً مجهولاً لمعارضتهم لنظام السيسي هناك.

يوجد في ماليزيا العديد من القوانين الأمنية المختلفة، والتي من أشهرها قانون “سوسما”، وقانون “بوتا”، وكذلك قانون “بوكا”. وقد ذكر تقرير الجزيرة نقلاً عن مسؤول في الخارجية الماليزية أن اعتقال هؤلاء الشبان الأربعة قد تم تحت قانون سوسما، وهو ما أكده كذلك موقع “فري ماليزيا توداي”، وحسب الدستور الماليزي فإن هذا يجعل ما قامت به السلطات الماليزية، من الاعتقال والترحيل من دون محاكمة، أمراً قانونياً لا يستوجب المساءلة.

فهذا القانون يسمى بقانون الجرائم الأمنية والتعامل معها بإجراءات خاصة، أي استثنائية، وهذا أغلب ما تنص عليه بنوده، وقد ظهر إلى حيز الوجود في الدستور الماليزي عام 2012م، حيث قدمه للبرلمان رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق، وتم إقراره على مستوى الحكومة الفيدرالية ليشمل جميع الولايات الماليزية. وتم في ذلك الوقت تقديم هذا القانون على أنه مخصص للمحافظة على الأمن الداخلي ضد الأعمال الإرهابية والتخريب والتجسس.

ويتم تحت هذا القانون محاسبة أي عمل من شأنه أن يتسبب في تهديد الأمن العام، أو تشكيل خطر على حياة الأفراد وعلى الممتلكات. كما يعطي هذا القانون الصلاحية لرجال الأمن في اعتقال أي شخص يتم الشك في أنه متورط بجرائم أمنية، من دون الحاجة إلى إذن أو تصريح لهذا الاعتقال، ويكون الاعتقال لمدة 24 ساعة، لكنها قابلها للتمديد لمدة لا تزيد على 28 يوما، ولا يجيز هذا القانون إخلاء سراح المعتقل الأمني بكفالة، كما يحظر هذا القانون على المدعي العام إصدار أي بيان أو تصريح للمعلومات التي تعتبر حساسة وقد تضر بالأمن العام.

وهذا يفسر مجريات الأحداث التي مر بها اعتقال هؤلاء الشبان الأربعة، فقد ذكر ذووهم أنه لم يتم اخطار أي منهم بأسباب هذا الاعتقال، فالقانون ينص على وجوب إخبار المتهم نفسه بسبب اعتقاله، لكن لم يذكر شيئا عن إطلاع ذويه. كما أن اللجوء إلى هذا القانون في اعتقال هؤلاء الشبان يؤكد الفرض القائل إن سبب اعتقالهم هو اتهامهم بالانتماء لتنظيم القاعدة كما نقلنا سابقاً، فهذا القانون ينص على عدم جواز استخدامه في القضايا السياسية، لذلك من المستبعد أن يكون سبب اعتقالهم هو انتماؤهم لجماعة الإخوان المسلمين، أو بسبب مخالفتهم لقانون الهجرة.

مهاتير والقانون

ومن الجدير ذكره هنا أن مهاتير محمد، رئيس الوزراء الحالي، كان أول المعترضين على تشريع هذا القانون، وذلك في الفترة التي كان فيها معارضاً لرئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، فقد سبق وأن أسماه بـ “قانون نجيب”، وقال إنه: “يسمح بإلقاء القبض على أي شخص، من دون إخضاعه لأي محاكمة، وإذا ما مات هذا الشخص فلن يكن هناك أي تحقيق، أو إجراء ضد من قتلوه”. وبالاضافة إلى ذلك، فإن الحزب الحاكم حالياً “تحالف الأمل” والذي يرأسه مهاتير محمد، وصف هذا القانون  بالظالم والاستبدادي.

ومن المعروف أن مهاتير كان ضحية محاولات تضييق، ومنع من الظهور للرأي العام في تلك الفترة، وذلك عندما بدأ بالاعتراض علناً على سياسات عبد الرزاق، وباشر في انتقاده في المحافل العامة. ومن هناك أعلن تحالف الأمل أنه إن فاز مهاتير محمد في الانتخابات القادمة –التي عقدت في مايو/أيار 2018- فسيقوم وقتها بتقديم مشروع لإلغاء هذا القانون. وقد أكد وعده هذا مجدداً بعد بذلك فعلاً، وبالتحديد بعد حوالي شهرين من فوزه برئاسة الوزراء.

إلا أن وزير الداخلية، محيي الدين ياسين، قد أعلن في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، أن الحكومة قد قررت الإبقاء على قانون “سوسما”، وذكر أنه من دون هذا القانون سيحصل المجرمون والإرهابيون على حريتهم في التخطيط وتهديد الأمن القومي.

فهذا إذاً يفسر الأسباب التي سمحت للسلطات الماليزية اعتقال هؤلاء الشبان الأربعة بسرية، من دون إعلان الأسباب حتى الآن، أما قرار ترحيلهم فلعله تم تحت قانون آخر يجيز ذلك أيضاً.

فهذه الاجراءات وإن انتقدها البعض واعترض عليها، فإنها في نظر القانون الماليزي تعتبر مشروعة، لذلك يأتي دور المؤسسات المدنية، وجمعيات حقوق الانسان المحلية في المطالبة بتغييره بشكل قانوني وعن طريق البرلمان، ولعل حادثة هؤلاء الشبان تكون المحفز لهذا التغيير.

نسأل الله لهم السلامة والعودة إلى ذويهم سالمين معافين.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه