كأس الأمم الأفريقية ونظرية رجل التوك توك!

قبل البطولة الأفريقية كان من السهل على الإعلام أن يرسم للجمهور الصورة التي يريدها حتى وإن كانت لا تمت للواقع بصلة لأن الأحداث السابقة للبطولة كان الحاضر فيها والشاهد عليها طرف واحد

 

 

جاءت بطولة كأس الأمم الأفريقية لكرة القدم التي تنظمها مصر حاليا لتجسد واقعا تعيشه البلاد، يراه الناس، ويستره الإعلام. ذلك الواقع الذي يجعل من مصر تظهر على صورتين: صورة يرسمها الإعلام عبر وسائله المختلفة، وصورة يجسدها الواقع. صورتين على طرفي نقيض، لخصهما سائق توك توك في مقولة عبقرية، عندما قال إن من يرى مصر في وسائل الإعلام يجدها قطعة من فيينا، ومن ينزل الشارع يراها بنت عم الصومال!

قبل البطولة الأفريقية كان من السهل على الإعلام أن يرسم للجمهور الصورة التي يريدها حتى وإن كانت لا تمت للواقع بصلة، ذلك لأن الأحداث السابقة للبطولة كان الحاضر فيها والشاهد عليها طرف واحد فقط وهو الإعلام، أما في البطولة الأفريقية فالجمهور حاضر وشاهد على كل ما يحدث فيها، ومن ثم فليس سهلا على الإعلام أن يتلاعب بالصورة ويزيفها كما دأب من قبل، فكل الأحداث تُنقل في لحظتها وعلى الهواء مباشرة، وبين الصورة التي أراد الإعلام أن يصدرها للناس والصورة الواقعية، كانت هنا ثلاث وقفات..

1 – فضيحة السيسي

كل الإجراءات والترتيبات التي أعدت قبل البطولة كان تهدف لشيئين رئيسيين، أولهما تأمين عبد الفتاح السيسي أثناء حضوره مباراة الافتتاح التي جمعت بين منتخبي مصر وزيمبابوي، ثانيا أن يكون ظهوره في الإعلام على أفضل صورة، ومن أجل ذلك حرص السيسي قبل البطولة أن يذهب إلى استاد القاهرة ليعاين بنفسه المقصورة الزجاجية التي سيجلس فيها، ويقف على حجم وشكل الإجراءات الأمنية التي ستتخذ لتأمينه، وكذلك ليطلع على مكان جلوسه ومدى مساهمة ذلك في ظهوره أمام الكاميرات التلفزيونية بالمظهر المناسب. وبالفعل مرت كل الإجراءات الأمنية بنجاح، وظهر السيسي أمام الكاميرات بالشكل الذي أراده، لكن ما لم يتم الاحتياط منه والاستعداد له، هو الكلمة التي سيلقيها السيسي في الافتتاح، حيث جاءت الكلمة أشبه بفضيحة لم يستطع إعلام السيسي أن يزينها ويجملها مثلما كان يفعل من قبل، حيث خرجت كلمات السيسي وكأنه ثمل مخمور، ثقيل اللسان، غير قادر على تجميع كلماته وضبط إيقاعها، فاشتعلت المدرجات بالضحك، وامتلأت مواقع السوشيال ميديا بالسخرية والاستهزاء منه. وإذا كان القائمون على التنظيم ومؤيدو السيسي برروا ذلك بوجود خلل في نظام الصوت باستاد القاهرة، فالسؤال هو: إذا كان هناك خلل بالفعل فلماذا لم يحدث نفس الخطأ مع من تكلموا قبله وبعده؟

2 – الهتاف لأبو تريكة

قبل انطلاق البطولة كان الشغل الشاغل للمسؤولين في مصر والقائمين على التنظيم أن يتفادوا ترديد الجماهير لأي شعارات سياسية أثناء المباريات، وعليه تم وضع أسعار مبالغ فيها جدا لتذكرة دخول المباريات، بهدف التضييق على الفئات الفقيرة والمتوسطة باعتبار هذه الفئات هي المتضررة من الأوضاع الاقتصادية الراهنة، ومن ثم فمن الممكن أن تردد هتافات سياسية يرفضها النظام، وبالفعل نجحت تلك الطريقة في أن يقتصر الحضور على الفئات المقتدرة غير المشغولة بالأوضاع الاقتصادية أو السياسية.. وقبل انطلاق البطولة بأيام قليلة كان قد ظهر على مواقع السوشيال ميديا حملة تطالب بالهتاف لمحمد أبو تريكة نجم مصر والأهلي السابق، ومن المعلوم أن السلطة الحالية في حالة عداء مع أبو تريكة وهو ضمن من تم وضعهم على قوائم الإرهاب، ومن ثم فإن الهتاف له يعد هتافا سياسيا شأنه شأن الهتافات الأخرى التي يخشاها النظام، وبالرغم من أن الجماهير التي تواجدت في الاستاد هي الجماهير التي يظن النظام أنها تسير على نفس نهجه، فإنها ظلت تهتف لأبو تريكة بمنتهى الحماسة، ورغم حملة الاعتقالات التي تمت أثناء وبعد مباراة الافتتاح ضد بعض الذين هتفوا لأبو تريكة، فإن الهتافات لم تتوقف، بل إنها انتقلت للجماهير الأخرى، مثل الجماهير التونسية والجزائرية والمغربية والتي هتفت جميعها لأبو تريكة.

3 – غياب الجمهور

نجاح أو فشل أية بطولة رياضية مرهون بحجم الحضور الجماهيري للمباريات، وفي البطولة الحالية فالجمهور غائب تماما، وباستثناء المباريات التي يكون المنتخب المصري أحد طرفيها، فإن الملاعب الأخرى خاوية على عروشها تعاني من غياب المشجعين. وإذا كان هناك من يلمح إلى أن غياب الجماهير عن المباريات هو أمر متعمد رتب له القائمون على التنظيم برفع أسعار التذاكر بشكل مبالغ فيه، وبوضع إجراءات معقدة لموقع تذكرتي الذي تم تخصيصه لبيع التذاكر،فإن هذا يتنافى مع رغبة المسؤولين في مصر في إنجاح البطولة، كما أنه يتنافى أيضا مع الإجراءات التي أعلنت عنها اللجنة لتعديل أسعار التذاكر، أملا في استقطاب الجماهير..

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه