قوائم الإرهاب الإماراتية الإسرائيلية

بين فترة وأخرى تخرج علينا حكومة الإمارات بقائمة للكيانات والشخصيات التي تتهمها بالإرهاب، ويتم تبنيها من السعودية ومصر والبحرين، وفي القائمة الثالثة التي صدرت مؤخرا تم ضم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمجلس الإسلامي العالمي في توجه صريح ضد كل ما هو إسلامي.

مضمون قوائم الإمارات يؤكد أنها مكتوبة في تل أبيب، فهي تستهدف الكيانات والشخصيات الفاعلة والمؤثرة في دول السنة، وتشمل الجميع بما يشير إلى أن المقصود هو حصار الإسلام ورموزه ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية، واستهداف كل ما يساهم في تشكيل الوعي ويوجه الرأي العام في العالم العربي.

بجانب الخصوم السياسيين للإمارات في ليبيا واليمن تتسع القوائم لكل ألوان الطيف الإسلامي بمن فيهم العلماء الذين يتولون مناصب رسمية في بعض الدول الاسلامية؛ فالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي يضم نخبة من علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والاعتدال، وبعضهم يتولى الافتاء.

الغريب هو تبني المملكة العربية السعودية ومصر لهذه القوائم الإسرائيلية والتي تشمل من يحظون بالمكانة في كلا البلدين، في استسلام غير منطقي من أكبر دولتين عربيتين للسير خلف الأجندة التي تروجها الإمارات!

التحريض على الارهاب

تزعم الدول التي تتبنى قوائم الإرهاب الإماراتية أنها تتعاون لحصار الدول والشخصيات والمنظمات التي تشجع الإرهاب والتطرف، ولكن في الحقيقة فإن هذه القوائم هي التي تدعم “الإرهاب” فاتهام العلماء المعتدلين ومطاردتهم ومحاصرتهم وفرض عقوبات عليهم يعد أكبر دعاية للجماعات التي تحمل السلاح، ويعطي مصداقية للجماعات “الجهادية” التي ترى أنها وحدها هي التي تدافع عن الإسلام وأن كل أبواب التغيير السلمي مغلقة.

وعندما يرى الشباب المسلم أن العلماء الكبار المشهود لهم بالعلم والحكمة يوضعون على قوائم المطاردة، وتنتظرهم السجون رغم أنهم لم يفعلوا شيئا؛ بل معظمهم لم يدخلوا في خصومة مع حكامهم فإن هذا الشباب يكون مهيأ للاقتناع بالأفكار التي يزعم أصحاب القوائم أنهم يحاربونها.

الحقيقة أن واضعي القوائم الإرهابية يريدون الدفع بشباب الأمة دفعا إلى سلوك الطريق الجهادي والانخراط في جماعات التغيير المسلح، لحكمة ظاهرها محاربة الإرهاب وفي حقيقتها محاربة الثورات السلمية وحصار حركة الجماهير التي لا تستطيع الحكومات التصدي لها.

لماذا يشجعون على الإرهاب؟

 

لقد استطاع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة أن يساعد بعض الموالين له في الوصول الى السلطة، ونجح الصهاينة في صناعة دوائر خادمة لبني إسرائيل في بعض القصور، ولكنهم فشلوا في السيطرة على الشعوب وتغيير وعيها، وقد لخص هذه الحقيقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تغريدة على حسابه على تويتر بقوله: ” أكبر عقبة أمام توسيع دائرة السلام ليس زعماء الدول التي تحيط بنا بل هي الرأي العام في الشارع العربي الذي تعرض على مدار سنوات طويلة لدعاية عرضت إسرائيل بشكل خاطئ ومنحاز”.

التحدي الذي يواجه الصهاينة والحكام التابعين لهم هو وعي الشعوب، والعجز عن احتواء التمرد والثورات، ورغم تعطيل الحركة الشعبية وإعاقة الثورات بالانقلابات والدعم الخارجي المسلح، فإن نار الثورة لم تخمد وتنتظر الشرارة كي تشتعل من جديد، ولهذا يعمل المكر الصهيوني على عزل العلماء والكيانات وكل عناصر التأثير عن الشعوب.

وهذا المكر المعادي المتعلق بالتأثير وتوعية الشعوب لا يقف عند اعتقال العلماء وإنما يمتد إلى إغلاق المنظمات الخيرية والاغاثية وحظر الانشطة الرسمية التي تربط المجتمعات بدينهم، ويصل إلى حملات منظمة للطعن في الإسلام وكأن أبو جهل بعث من قبره.

لماذا يلجأون إلى إثارة القلاقل؟

الذي يثير الدهشة هو الإصرار على أن تظهر الحكومات التابعة للفلك الصهيوني وكأنها تحارب الدين، بل وتصر على المجاهرة بمحاربة ما تسميه التشدد والتطرف ولم تقتصر فقط على مواجهة العمليات المسلحة، رغم أن هذا الظهور بهذا الشكل يصب لصالح العنف ويؤدي إلى عدم الاستقرار!

الطبيعي أن أي نظام حكم يبحث عن تحقيق الاستقرار واحتواء الغضب وامتصاص التوتر، ويحرص على إرضاء الشعب وتقوية التماسك الاجتماعي، وبناء الدولة كي يحظى بالقبول ويستطيع الاستمرار لأطول فترة ممكنة، لكن ما نراه عكس ذلك تماما، فاللوبي الصهيوني العربي يحرص على إشعال الحرب الأهلية والصراع بين السلطة المجتمع، وتأليب قطاعات من الشعب بعضها على بعض، وأيضا تبديد الثروات في هذه الحروب العبثية، ووصل التبديد إلى بيع شركات البترول –عصب الاقتصاد- وخصخصة ممتلكات الدول وتسليم الإدارة للمستشارين الاجانب.

وبدلا من حشد الشعوب في مشاريع حقيقية تتوافق مع الثوابت الوطنية والقومية والإسلامية وجدناهم يعلنون الحرب على الثوابت ويجاهرون بالتحالف مع “إسرائيل” ودول الغرب في مشهد انقلابي لم يمر به العرب عبر تاريخهم.

حرب بلا نهاية

بقليل من التأمل نتبين أن الحرب على الإرهاب في حقيقتها هي حرب لصناعة وتغذية “الإرهاب” لاستنزاف العرب وتدمير الدول لنفسها بدون أن تتحمل إسرائيل وأمريكا تكلفة هذه الحرب.

من المعروف أن لأي حرب شروط يجب توافرها قبل الخوض فيها؛ فيجب أن يكون لها أهداف محددة، وأن تكون عادلة، وضد عدو محدد، ولها وقت زمني مقدر، وميزانية محسوبة، وهذه الشروط غير متوفرة في الحرب الجارية.

هذه الحرب المعلنة ضد الإرهاب حرب خيالية ضد طواحين الهواء، تطارد أشباحا ليس لهم مكان محدد وغير معروف من هم، واستمرارها يوسع دائرة المنخرطين فيها، كالنار لا تقف مكانها، ولأنها لخدمة دوائر خارجية تحركها فمن يخوضها بالوكالة لا يعرف أهدافها، وليس أمامه إلا الاستمرار حتى الانتحار.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه