قمة كوالالمبور: هل هي بديل لمنظمة المؤتمر الاسلامي؟

قمة كوالالمبور ليست لديها نية أن تطرح نفسها بديلا، إلا أن من عليهم أن يثبتوا قدرتهم على حل الأزمات؛ عندما لا يقومون بذلك، فإن أناسًا أكثر خبرة منهم يملأون الفراغ.

 

منذ إعلان الرئيس الماليزي مهاتير محمد أمام الصحفيين، عن مبادرة حول عقد قمة إسلامية مصغرة في ماليزيا، والذباب الإلكتروني لم يهدأ على الإطلاق على مواقع التواصل.

هل هناك بحث عن بديل آخر لمنظمة التعاون الإسلامي؟ هناك قمة تم الإعلان عنها تحت اسم “قمة كوالالمبور”، ستنعقد بين يومي ١٨ و٢١ من ديسمبر/كانون الأول المقبل، وإلى جانب ماليزيا ستشارك فيها كلّ من تركيا وباكستان وإندونيسيا وقطر.

إن هذه القمة تحتضن ٥ دول تشكل 4 منها أقوى وأضخم كثافة سكانية مسلمة من غير العرب، حيث تشكل مجتمعة قرابة ٥٥٠ مليون نسمة. ولعل أهم خاصية مشتركة بين تلك الدول الأربع، أن اقتصاداتها لا تعتمد على مواردها الطبيعية، بل تعتمد على إنتاجها، ومواردها البشرية المتطورة. حتى قطر، وهي الدولة الخامسة، فإنها تعتبر بالنسبة إلى نظيراتها أكثر جدية في البحث عن تنويع مصادر دخلها القومي، بعيدًا عن النفط والغاز.

لكن بأية حال، ما السر وراء تخبط الإعلام السعودي وحشد قوته وإطلاق حملة مجنونة ضد هذه القمة، منذ إذاعة خبر انعقادها؟ هل هذه القمة خلقت لتكون بديلًا عن منظمة المؤتمر الإسلامي، أو ضد السلطة الطبيعية التي يعتقد أن المملكة العربية السعودية تتمتع بها بفضل احتضانها مكة والمدينة، حسب جيش الذباب الإلكتروني بمواقع التواصل؟

ليست القمة الأولى

لكن في الحقيقة ليست هي القمة الأولى التي تجتمع هذه الدول فيها. بل إنها ستكون الخامسة بعد  أربع قمم خلت قبلها. وكانت القمة الأولى قد بدأت عام ٢٠١٤ بدعوة من مهاتير محمد، حينها لم يكن رئيسًا للوزراء، وقد تمكن من إطلاقها بحضور مفكرين مسلمين حول العالم، بهدف إنتاج منظومة فكرية سياسية إسلامية جديدة، ومن ثمّ تهيئتها وتطويرها. ثم جاءت القمة الثانية وكلا أول قمتين تم عقدهما في كوالالمبور، ثم الثالثة في الخرطوم، تلتها الرابعة في إسطنبول والتي اشترك فيها مهاتير محمد عبر الفيديو من ماليزيا بسبب انشغاله في الحملة الانتخابية لرئاسة الوزراء.

تعقد كل قمة تحت عنوان رئيسي، يجتمع تحت سقفه أكثر الأسماء تأثيرًا من المفكرين والمثقفين في العالم الإسلامي، بهدف مناقشة المشاكل والأزمات والمساهمة على الصعيد الفكري في إنشاء المستقبل القادم. حملت القمة الأولى اسم “الدولة المدنية”، والثانية “دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والتنمية”، والثالثة “الحكم الرشيد”، والرابعة “الانتقال الديمقراطي”، أما الخامسة وهي الجديدة والتي ستعقد في كوالالمبور، فإنها تنطلق تحت عنوان “دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية”.

لقد أشار مهاتير محمد إلى أن ٤٥٠ من القادة والمفكرين والمثقفين في العالم الإسلامي، سيشاركون في القمة، كما أكد أن القمة المصغرة لا تعتبر بديلًا عن منظمات دولية، مثل منظمة المؤتمر الإسلامي، وأردف قائلًا “هذه القمة، هي مبادرة صغيرة، فمنظمة المؤتمر الإسلامي منظمة كبيرة للغاية، وبإمكاننا ضم بقية الدول الأعضاء فيها، إلى قممنا مستقبلًا”.

القمة إذن نشاط نفى عن نفسه أن يكون بديلًا منذ بداية طريقه، لكنها لسد ما تعجز عنه منظمة المؤتمر الإسلامي .

للأسف، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي لا تعتبر مصدر علاج أو حل لقضايا وأزمات المسلمين اليوم. أما المملكة العربية السعودية فإنها اليوم بعيدة للغاية عن أن تدّعي رعايتها للمدن المقدسة. إن السعودية لو استخدمت علاقاتها الدولية التي تمتلكها بفضل قوتها المالية، لاستطاعت بكل سهولة أن توفر حياة أكثر أمنًا وكرامة واستقرارًا للمسلمين حول العالم.

إنها حالة مأساوية، إلا أنها حقيقة. لا يمكننا أن نقول إن السعودية والإمارات ومصر وغيرها من الدول القوية؛ تبدو فاعلة وصاحبة دور في إيجاد حل يصب بصالح المسلمين في ميانمار، وكشمير وفلسطين وتركستان وسوريا. و هي المصدر الرئيسي لما يتعرض له المسلمون أما في اليمن وليبيا ومصر.

إننا لا نجدهم حاضرين عند الخطر المنتشر في العالم والمحدّق بالإسلام والمسلمين، والمتمثل في بث الكراهية والعداء للإسلام، لا نجدهم كلما كان هذا الخطر مشكلة نبحث لها عن حل.

كيف يفكرون؟

بل إن الأمر أبعد من ذلك، فهو لا يتوقف عند عدم رؤيتهم لذلك على أنه مشكلة، بل بتنا نرى خطواتهم تغذي ذلك العداء ضد الإسلام من الأصل. لا سيما حينما نراهم يقومون بالزج بالعلماء الموقرين والمعتدلين في السجون من دون أية تهمة. إنهم يستهدفون وجهات النظر الإسلامية ومن ثمّ يتم إنتاج ونشر الخطابات المعادية للإسلام من قبل إدارات تلك البلاد نفسها.

كيف يفكر هؤلاء؟ هل الأمر بهذه السهولة: أن يبتعدوا عن قضايا المسلمين، بل أن ينتجوا أعتى الأزمات التي تضر الشعوب المسلمة، ومن ثمّ يتصدرون المشهد بمظهر قادة العالم الإسلامي؟

قمة كوالالمبور ليست لديها نية أن تطرح نفسها بديلا، إلا أن من عليهم أن يثبتوا قدرتهم على حل الأزمات؛ عندما لا يقومون بذلك، فإن أناسًا أكثر خيرة منهم يملأون الفراغ بأن يعكفوا على معالجة تلك الأزمات.

لو كان هذا الأمر يدعو للقلق حقًّا، فإن الحل ليس في الخروج ضده، بل تلبية هذا النداء الحسن والاشتراك فيه. وبعد قمة كوالالمبور وفي ضوء إظهار المسؤولية، فإن القمة القادمة يمكن أن تعقد في مكة مثلًا، ولم لا؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه