قصة إبطال إسبانيا صفقة القنابل للسعودية؟

وزيرة الدفاع السابقة كوسبيدال، والتي تُمثل الصوت العالي للحزب الشعبي (هددت باستعمال السلاح خلال الازمة الكتالونية) لا فقط لم تستجب لأوامر البرلمان الأوربي

 

 

نقل موقع “سير” الإعلامي الإسباني مساء أمس، الاثنين، التأكيد الرسمي الذي قدمته وزارة الدفاع للحكومة الإسبانية بخصوص إيقاف صفقة بيع 400 من قنابل الليزر (عالية الدقة) التي كانت الوزارة قد أبرمتها في 2015، مع الطّرف السعودي والذي دفع مقابلها 9 ملايين و200 ألف يورو، في عهد الوزير السابق “مورينيس” ثم “ماريا دي كوسبيدال” المنتميين للحزب اليميني الحاكم آنذاك. وأجبرت وزارة الدفاع بهذا القرار الحكومة على إرجاع المبلغ كاملا، عِلما بأن إجمالي مبيعات إسبانيا من الأسلحة للعميل السعودي بلغت 900 مليون يورو، فقط منذ انطلاق عاصفة الحزم.

للتذكير فإن إسبانيا، ورغم حملات الاستنكار الداخلية والخارجية، قد حققت أرقاما قياسية في بيع الأسلحة للطرف السعودي في عهد الحكومة اليمينية برئاسة راخوي. وكان من المنتظر أن يستمر نسق البيع لولا تفعيل مطلب سحب الثقة الذي قدمته المعارضة وفاز على إثره حزب العمال الاشتراكي برئاسة الحكومة لسانشيز وعدد لا بأس به من الوزارات، من بينها وزارة الدفاع لـ مارغاريتا روبلس منذ شهر يونيو/ حزيران.

قذارة الصفقات

يأتي إيقاف صفقة بيع 400 قنبلة عالية الدقة للطرف السعودي في إطار سياسة حزب سانشيز الذي ندّد سابقا بـ “قذارة” هذه الصفقات التي تُقبل عليها السعودية بهدف تعزيز ذخيرتها المُوجّهة لتدمير اليمن وتشريد اليمنيين تحت مُسمّى محاربة الحوثيين من جهة، وعِلم الحكومة اليمينية تماما بوجهة استعمالها من جهة أخرى. وقد افادت وزيرة الدفاع “مارغاريتا روبليس” أن إجراءات إبطال هذا العقد قد انطلقت منذ شهر يوليو وهاهي الحكومة اليوم تتعهّد بإرجاع المبلغ المذكور والذي أتمّت السعودية دفعه بداية هذه السنة تزامنا مع زيارة ولي العهد “محمد بن سلمان” لإسبانيا. وبالتالي استرجاع ملكية هذه الاسلحة القابعة في قاعدة عسكرية في منطقة أراغون شمال شرقي إسبانيا على أهبة التصدير.

سلاح تحت المراقبة

وقد سبق هذا القرار الجريء بساعات، اجتماع عقدته وزيرة الدولة للتجارة مع أربع منظمات حقوقية دولية وهي: امنيستي، فوندي باو، غرين بيس، أوكسفام. والذي يجري تحت حملة “سلاح تحت المراقبة” كانت قد أطلقتها هذه المنظمات ودعمتها شخصيات عامة وأحزاب سياسية تهدف الى ” التوقف الحالي عن بيع الأسلحة” للطرف السعودي بعد الجرائم الشنيعة التي اقترفها في حق الشعب اليمني تحت لافتة محاربة الحوثيين. وتعتبر هذه الحملة إسبانيا طرفا في هذه الجرائم باعتبار أن جزءا من السلاح الذي يقتل اليمنيين يحمل ختم “صُنع في إسبانيا”. عِلما بأن حكومة سانشيز ندّدت بفظاعة الحملة الجوية التي شنتها السعودية يوم 09 أغسطس/ آب وتعهّدت على أثرها على لسان وزير خارجيتها بمراجعة شروط كل عقود الصفقات المبرمة مع دول التحالف العربي والتي مازالت قيد الشحن.

مشاعر تاريخية

وفي الحقيقة يعود هذا التّحامل الذي يُكنّه الرأي العام والمنظمات الحقوقية في إسبانيا للمملكة السعودية الى أسباب تاريخية وثقافية عديدة لعلّ أبرزها طبيعة الصورة التي ترسمها المملكة لنفسها، فيقع وصفها دائما بمملكة الديكتاتورية والاستبداد والمسؤولة الأولى عن نشأة وتصدير الفكر الإرهابي. مع التأكيد على سُمعة السعودية المُخجلة في تعاملها مع ملف المرأة والحريات. ورغم هذا كله، إلا أن قيادة المملكة تنعم بعلاقات ودّية لافتة مع العائلة المالكة الإسبانية والحزب الشعبي (حزب أثنار و راخوي) الصديق منذ سنوات طويلة. ولعلّ أرقام بيع الأسلحة القياسية التي جنتها الحكومة اليمينية للطرف السعودي منذ انطلاق الربيع العربي ثم عاصفة الحزم، يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك البراغماتية المفضوحة التي انتهجها هذا الحزب مع بلد مثل السعودية.

فحسب احصائيات نشرتها كتابة الدولة للتجارة في شهر مايو/ آيار الماضي، تُمثل السعودية العميل رقم واحد (خارج مجموعة النيتو) في شراء الأسلحة من إسبانيا. ففي سنة 2017 فاقت كُلفة مشترياتها 270 مليون يورو، وبهذا تكون قد أزاحت مصر من هذه المرتبة وسجّلت 133% أكثر من أرقام 2016. وتعتبر هذه الفترة بمثابة العصر الذهبي الذي عاشته السعودية مع إسبانيا، إذ تقلّدت فيها “ماريا دي كوسبيدال” (من رموز الحزب اليميني) وزارة الدفاع من 2016 حتى تنحية حكومتها بسبب قرار سحب الثقة شهر يونيو/ حزيران الماضي. ومكّنت خلالها الحليف السعودي من مضاعفة اقتناءاته رغم أن البرلمان الأوربي حثّ في فبراير/ شباط 2016 أعضاء الاتحاد على وقف كل الصفقات الموجهة للسعودية بسبب الكارثة الإنسانية التي خلّفها في اليمن وخطر إمكانية أن تقع هذه الأسلحة بين أيدي المجموعات الإرهابية في تلك المنطقة.

لهذا العميل

وزيرة الدفاع السابقة كوسبيدال، والتي تُمثل اليد الحديدية للحزب الشعبي، همّشت أوامر البرلمان الأوربي وأقدمت على رفع الصادرات للسعودية. وهي خطوة لم يجرؤ أي وزير آخر على فعلها، بمن فيهم سلفها اليميني.. ففي 2017 وحدها، صادقت الحكومة الإسبانية على عقود 27 صفقة سلاح لهذا العميل، يتمّ شحنها على مراحل السنوات المقبلة. عِلما بأنّ هذا العدد يعادل تقريبا مجموع الصفقات المُصادق عليها في 2015 (18 صفقة) و2016 (10 صفقة).

تهدئة المزاج الغاضب

  من الواضح أن حزب العمال الاشتراكي بخطوته الأخيرة يسعى الى تهدئة المزاج العام الغاضب جدا على سياسات الحكومة اليمينية السابقة، والذي يبلغ مداه مع كل انتهاك تقترفه السعودية في حق الشعب اليمني. ومهما تكن أطماعه الانتخابية المستقبلية إذا تمّ ربطها بهذه القرارات، إلّا أن تسليح السعودية قد بات لعنة تحاول الحكومات الأوربية تحاشيها قدر الإمكان، باعتبار الخزّان الانتخابي في بلدان الاتحاد يتربّص بالحكومات التي تمارس هذه التجارة “القذرة” لمعاقبتها في أقرب المناسبات الانتخابية.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه