قراءة في الهجمات الأخيرة على حواجز الجيش المصري في سيناء

عناصر من الجيش المصري في سيناء

انشغال القيادات العليا بالقوات المسلحة بالشأن العام والمشاريع الاقتصادية على حساب التفرغ لإدارة العمل العسكري، ودراسة عوامل الضعف فيه لتعديلها بما يتلافي تكرار الأخطاء

آثار الهجوم الذي استهدف حاجز السبيل بمدينة العريش يوم الأربعاء الماضي تساؤلات حول أسباب استمرار ونجاح تلك النوعية من الهجمات دون أن يتمكن الجيش المصري من التصدي لها.

وبالأخص مع تمكن المهاجمين من القضاء عادة على كافة عناصر الحواجز رغم فارق التسليح لصالح قوات الجيش والشرطة، والتي تتمتع بتسليح ثقيل من قبيل امتلاك دبابات وعربات مصفحة في حين أن أرقى تسليح للمهاجمين لا يتجاوز الصواريخ المضادة للدبابات والرشاشات المتوسطة.

وكذلك يأتي الهجوم الأخير ضمن سلسلة متكررة من الهجمات الشبيهة التي بدأت منذ سنوات بالهجوم على كمين كرم القواديس في شهر أكتوبر 2014.

وقبل الشروع في بحث أسباب تكرار تلك الهجمات، لابد من الانتباه إلى أن تلك النوعية من العمليات لها تداعيات خطيرة. فهزيمة القوات المسلحة لأي دولة في معركة صغيرة قد لا تكون لها عواقب استراتيجية في الحروب التقليدية، بينما أي هزيمة تكتيكية صغيرة في الحروب غير النظامية قد تكون لها عواقب استراتيجية خطيرة حيث تؤدي إلى تدني الروح المعنوية بشكل سريع لدى بقية القوات كما تهز ثقة المواطنين بقدرات القوات المسلحة.
أما أسباب نجاح تلك النوعية من الهجمات فيمكن تقسيمها إلى نوعين:

الأول: يرتبط بأداء الجيش المصري

المركزية المفرطة وطول سلسلة القيادة: فالجيش المصري مُعد بالأساس لخوض حروب تقليدية ضد جيوش نظامية، ورغم استحداثه مؤخرا لقوات تدخل سريع تختص بالحروب غير المتماثلة إلا أن هيكله القيادي مازال يعتمد على التسلسل المركزي التقليدي، فلا يمكن لقائد حاجز يتعرض للهجوم أن يتواصل مباشرة مع سلاح الجو لطلب الدعم لقواته مثلما هو الحال مثلا في الجيش الأمريكي، لكنه يطلب الدعم الجوي من قائده الأعلى والذي يطلبه ممن هو فوقه حتى يصل الطلب إلى مقر قيادة قوات مكافحة الإرهاب بشرق القناة والذي يتواصل مع سلاح الجو.
المدهش أن هذا التسلسل تم اختصاره لما سبق ذكره بعد اندلاع المواجهات في سيناء حيث كان يتطلب الدعم الجوي موافقة رئيس الأركان شخصيا.
ورغم ذلك يظل التسلسل القيادي طويلا، وخلال الفترة التي يستغرقها وصول الدعم الجوي عادة ما يكون المهاجمون قد انسحبوا من مكان تنفيذ الهجوم.

تدني المستوى التدريبي للجنود: فمعظمهم من مجندي الخدمة الإلزامية، وليست لديهم خبرات عسكرية متمرسة كما لا يحظون عادة بفترة كافية من التدرب على استعمال الأسلحة، وهو ما يجعلهم يبددون ذخيرتهم في الاشتباكات دون التمكن من إصابة المهاجمين بشكل فعال، فضلا عن تأثرهم بالعمليات المباغتة لانعدام سابقة خوضهم لتدريبات حية تتعلق بالتصدي لهجمات شبيهة.

انشغال القيادات العليا بالقوات المسلحة بالشأن العام والمشاريع الاقتصادية على حساب التفرغ لإدارة العمل العسكري، ودراسة عوامل الضعف فيه لتعديلها بما يتلافي تكرار الأخطاء. فضلا عن عدم تشجيع روح المبادرة، والاهتمام بالأمور الشكلية على حساب الفاعلية الحقيقية. وغياب العناية بتدابير السلامة والمحافظة على أرواح الجنود وصغار الضباط.

اعتماد المقاربة الاستبدادية في التعامل مع الأوضاع في سيناء، والتي تقوم على معاقبة السكان دون الاقتصار على المسلحين، باعتبار أن إيذاء المدنيين يمكن أن يؤدي إلى عزلهم عن المسلحين، وتخويفهم لوقف مشاركتهم في العصيان أو دعمه وهو ما يتجاهل أفضل ممارسات مكافحة التمرد، من قبيل استخدام الحد الأدنى من القوة، والاحترام اللائق لحقوق الإنسان، والفوز بدعم السكان.

وتتجلى تلك المقاربة في شن حملات عسكرية موسعة يتخللها هدم وحرق البيوت، وتجريف المزارع وقطع الأشجار وهدم آبار المياه حتى وصل حجم الأراضي المجروفة في شمال سيناء حسب تقرير هيومن رايتس وتش الصادر في شهر مايو الماضي 80% من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى التوسع في الاعتقال، وتهجير المواطنين من مدينة رفح لإقامة منطقة حدودية عازلة، وأخيرا التصفيات الجسدية خارج نطاق القانون مما زاد من غضب الأهالي تجاه الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية.

الثاني: يرتبط بأداء مسلحي ولاية سيناء

رغم قلة أعداد عناصر ولاية سيناء، والتي قدرها تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2015 ببضعة مئات من المقاتلين في شبه جزيرة سيناء ، إلا أن معيار أعداد المسلحين ليس هو الفيصل في تلك النوعية من الصراعات، حيث (يمكن لحفنة صغيرة من المتمردين ممن تتوفر لديهم دوافع عالية، وبعض الأسلحة البسيطة، وأمن عملياتي جيد، وقابلية محدودة للحركة، أن تقوض الأمن في مناطق شاسعة)، ويعزى استمرار ولاية سيناء في تنفيذ هجماتها على حواجز الجيش المصري إلى:

المزج بين تكتيكات العمليات الأمنية بالمدن، وتكتيكات حرب العصابات. ورصد ولاية سيناء بدقة عبر جهازها الأمني لتحركات وتمركزات الجيش المصري وأساليب إمداده، ونقاط ضعفه. واعتمادها على عامل المباغتة في شن الهجمات في ظل وجود نظام محكم للقيادة والسيطرة، وتدريبها لعناصرها بشكل متمرس على استخدام الأسلحة الآلية والرشاشة وبنادق القنص، والصواريخ المضادة للدبابات.

تأسيس معسكرات تدريبية لإعداد وحدات خاصة تنفذ الاغتيالات والاقتحامات. وهو ما تجلت تداعياته في تنفيذ ثلاثة من عناصر تلك الوحدات هجوما في يناير 2016 على حاجز العتلاوي بالعريش فقتلوا ثمانية من عناصره بينهم ثلاثة من ضباط الشرطة. وتنفيذ تسعة آخرين الهجوم على كمين الصفا بمدينة العريش في مارس 2016 مما أسفر عن مقتل 16 عنصرا بينهم ثلاثة ضباط شرطة، واختطاف نقيب شرطة وجندي أعدمهما التنظيم لاحقا. واقتحام عنصرين لمعسكر تابع للجيش في منطقة القسيمة بوسط سيناء في إبريل 2018، مما أسفر عن مقتل 22 فردا بينهم 7 ضباط.

التمرس بحروب العصابات في الصحراء، والاحاطة بطبوغرافية سيناء، وفهم الخريطة المحلية للسكان، واستثمار المظالم التي يتعرض لها الأهالي من قبل نظام السيسي.

النقاط السابق ذكرها توضح أبرز الأسباب التكتيكية والاستراتيجية لتكرار تنفيذ تلك النوعية من الهجمات بنجاح، وتفسر أسباب استمرار ولاية سيناء في تنفيذ هجماتها رغم تراجع وتيرة عملياتها في المجمل، وخفوت بريق التنظيم الأم في العراق وسوريا بعد فقدانه لمعاقله. ويمكن القول بأن ممارسات الجيش في سيناء هي التي تؤجج الأوضاع وتمنح ولاية سيناء قبلة الحياة للاستمرار.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه