قتل الرهبان المصريين وانتحارهم!

ظاهرة قتل الرهبان المصريين وانتحارهم في الصحراء الغربية تثير التساؤلات حول هذا الملف الذي لم يكشف عنه الستار حتى الآن، فكل يوم نطالع في الأخبار حوادث القتل والانتحار وكأن هذه المكان المخصص للزهد والبعد عن ملذات الدنيا تحول إلى وكر يسفك فيه الدم في مسلسل رأينا بدايته ولا نعلم أين يتوقف.

الدافع الذي يجعلنا نهتم بهذه المنطقة التي تقع في وادي النطرون ومتابعة ما يجري بها أن خططا صهيونية وأمريكية تحدثت عن تأسيس دولة قبطية صهيونية في غرب مصر تمتد إلى الحدود مع ليبيا، وتظهر هذه الدولة المزعومة بوضوح في خرائط تقسيم مصر المنشورة في الولايات المتحدة.

وبسبب الشكوك حول سلوك بعض الرهبان المتعلق بالسطو على الأراضي بمساحات شاسعة، وتحدي سلطة الدولة، فإن التعامل مع ما يجري من حوادث يستحق الانتباه، والبحث عن المعلومات المرتبطة بما يعلن من خطط.

نحن مع حق الشعب المصري في معرفة الحقيقة وأن تمارس الدولة المصرية دورها في كسر هذه الكبسولة المغلقة ووضع اليد على ما يدور خلف الجدران العالية المبنية على أساس طائفي، حرصا على المصلحة العليا للوطن قبل أن تنفجر في وجوهنا جميعا مسيحيين ومسلمين.

لغز قتل رئيس الدير

جاءت واقعة قتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار القلعة الحصينة بوادي النطرون لتؤكد أن الكنيسة أصبحت دولة داخل الدولة، لدرجة أن الحكومة وأجهزتها لا تستطيع دخول الكنائس والأديرة لتنفيذ القانون.

منذ الإعلان عن قتل رئيس الدير بطريقة مروعة، بالضرب على رأسه بحديدة وتهشيم عظام جمجمته، غابت الدولة وظهرت الكنيسة كجهة وحيدة تحتكر الإعلان عن أخبار التحقيقات، ولم يسمح للإعلام بالدخول وتغطية الحدث، ولم تنشر أي معلومة توضح الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الجريمة.

كانت الأخبار المنشورة في كل الصحف بصيغة واحدة، لا تخرج عن البيان الذي توزعه الكنيسة، حتى تحقيقات النيابة التي اعتدنا على إتاحتها للصحفيين تم فرض السرية عليها ولم ينشر منها غير الأداة المستخدمة وكيف وقعت الجريمة!

لم ينشر شيء عن الصراع داخل الدير ومن مع من؟ ومن ضد من؟ ولا نعرف أفكار هؤلاء الرهبان الذين اتفقوا جنائيا وبشكل جماعي على قتل كبيرهم وتعطيل كاميرات المراقبة لإخفاء الجريمة!

 رغم التعتيم ظهر الانقسام الكبير من خلال الإجراءات التي اتخذتها الكنيسة ضد رهبان الدير، حيث أصدرت لجنة الرهبنة قرارات أشبه بانقلاب ضد الرهبان؛ منها وقف الرهبنة في كل الأديرة لمدة عام، وعزل بعضهم، ونقل آخرين إلى أديرة بالصعيد، بل وصل الأمر إلى اتهام بعض الرهبان بالفساد المالي وجمع التبرعات، وشراء الأراضي واستغلال سلطتهم الدينية في مخالفات رأت الكنيسة أنها تسيء إلى الرهبنة.

ويبدو أن محاولة إغلاق الملف لم تنجح، فقد تعددت حوادث الوفاة بين الرهبان ومحاولات الانتحار -حسب ادعاءات الكنيسة- لعدد من المعارضين للأنبا المقتول آخرهم الراهب زينون المقاري الذي أعلنت الكنيسة انتحاره قبل يوم واحد من الإدلاء بشهادته أمام المحكمة في مقتل الأنبا إبيفانيوس!
هذا الراهب الذي قيل إنه انتحر خدم في فرنسا عدة سنوات قبل المجيء إلى مصر، ومن الرهبان المطرودين الذين تم نقلهم من وادي النطرون إلى دير أسيوط، عقب قتل رئيس دير أبو مقار.

الدور السياسي للكنيسة

لقد شهدت السنوات الأخيرة تورط الكنيسة المصرية في الشأن السياسي بما أخرجها من دورها الديني في رعاية شئون الأقلية المسيحية، وحول البطريركية إلى حزب متورط في الفساد السياسي لتحقيق أهداف طائفية تتعارض مع ثوابت الوحدة الوطنية وتعمق الانقسام في المجتمع المصري.

لقد تبخرت كل الحملات عن المواطنة التي ترددت في أواخر حكم مبارك وظهر لنا أن هناك كتلة مغلقة تتحرك بمعزل عن محيطها من المسلمين، وتحصل على مزايا حكومية لا يحصل عليها باقي الشعب، وأصبحت الكنيسة ورعاياها دولة مستقلة داخل الدولة المصرية.

من الواضح أن الكنيسة لها أجندة طائفية مستقلة تسعى لتحقيقها مستغلة حالة الضعف التي يمر بها النظام السياسي، وهذا السلوك الطائفي يجعل البابوية في حالة عداء مع عموم الشعب الناقم على الأوضاع الحالية.

مكاسب مؤقتة

قد تكون الكنيسة قد حققت الكثير من المكاسب الطائفية مقابل مساندة ودعم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، لكن خسائرها على المدى الطويل تفوق مكاسبها الطائفية الوقتية، فالانتهازية التي أصبحت سمة تحركات الكنيسة سترتد عليها فيما بعد، لأن بقاء الحال من المحال.

لكن الملاحظة الجديرة بالتأمل هي حدوث الانقسام داخل الكتلة المسيحية نفسها بسبب هذا الموقف المنقلب؛ فالكنيسة منذ سنوات حكم مبارك حرضت الأقباط في الداخل والخارج على التمرد، وحشدتهم للضغط على النظام بمزاعم الاضطهاد للابتزاز، وتصاعد هذا الشحن الطائفي بعد الثورة ووصل إلى درجات جنونية أيام حكم الإخوان، ولكن فجأة انقلبت قيادة الكنيسة على مواقفها السابقة، ودعت رعاياها لمساندة النظام!

هذا الانقلاب في موقف البابوية تسبب في صدمة داخل الدوائر المتطرفة والمتعصبة الذين أصبح المطلوب منهم ابتلاع كل ما سبق واتخاذ مواقف معاكسه، وهنا بدأنا نشاهد عدم التجاوب بالشكل الكافي، والاستقبال الفاتر لممثلي تواضروس الذين يسافرون إلى أمريكا لحشد المشجعين مع كل اجتماع للأمم المتحدة، وكثرة المشاجرات في كنائس الخارج وتصويرها بالبث المباشر على الإنترنت!

وسط كل ما يجري سيظل التمرد في دير وادي النطرون هو الأخطر لأنه النقطة الغامضة، مصدر التطرف والنزعة الانفصالية، التي يمكن لقوى وجهات خارجية توظيفها ضد مصر وضد الأقلية المسيحية أيضا، ومن هنا فإننا ندعو إلى الشفافية وفتح دير وادي النطرون لأجهزة الدولة وللإعلام باعتبار المنطقة أرضا مصرية ومن يعيشون فيها مواطنون مصريون.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه