قبل تفكيك العريش

عندما يكون من محاور صفقة القرن إخلاء المنطقة الممتدة من رفح حتى العريش من البشر بزعم نقل الفلسطينيين في غزة إليها؛ لا يمكن تمرير أي إجراءات ظاهرها التطوير وباطنها هدم مساحات مأهولة بالسكان، فهذا هو التهجير بعينه، والإخلاء بالإكراه، لتخلية المكان للألاعيب الصهيونية والتنفيذ الحرفي للمخطط الإسرائيلي.

لقد تجددت المخاوف بعد صدور قرار جمهوري باعتبار “ميناء العريش بمحافظة شمال سيناء وجميع منشآته ومرافقه، وكذلك أي أراضٍ أو منشآت أخرى يحتاجها من أعمال المنفعة العامة”، كما ينص القرار الذي نشرته الجريدة الرسمية على أن “تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش”.

الانزعاج يأتي من التطابق بين ما ينشر من تفاصيل عن صفقة القرن وما يتم في سيناء من مشروعات وإجراءات تؤدي إلى توسيع المساحات الخالية على حساب السكان، وبشكل خاص ما يتعلق بالمطار والميناء، فهذان المشروعان هما محور التفكير الإسرائيلي وهما الشق المطلوب من الجانب المصري.

المثير في القرار الجمهوري نقطتان، الأولى: توسيع الميناء بضم ما حوله من أراضٍ ومنشآت، أي طرد السكان، والثانية: إسناد عملية تمويل وتطوير الميناء للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهذا يفتح الباب للاقتراض من البنوك المحلية ومؤسسات التمويل الغربية، ويمهد الطريق لدخول الشركات العالمية الصهيونية بزعم الاستثمار.

التوسعات لا منطقية

من الناحية الاقتصادية لا توجد ضرورة لتوسيع الميناء في الوقت الحالي حيث يمر الاقتصاد المصري والعالمي بالركود وانتشار الكساد وتراجع حركة التجارة، وأي تفكير واقعي يؤكد عدم جدوى التوسعات في هذا الميناء الثانوي في منطقة غير حيوية، ويضاف لذلك أنها منطقة غير مستقرة في الوقت الحالي بسبب “الحرب على الإرهاب”.

إن إنفاق المزيد من الأموال في مثل هذه المشروعات التي لا فائدة منها، يعد تبديدا للأرصدة، وتحميلا إضافيا للميزانية العامة للدولة، فغرق مصر في الديون والحالة الاقتصادية السيئة لا تسمح بضخ المليارات في مثل هذه المشروعات التي تنعكس سلبا على المواطن، الذي لم يعد قادرا على الحياة بسبب تخلي الحكومة عن دورها، وتسليم إدارة الاقتصاد لموظفي صندوق النقد والبنك الدوليين.

إذا كانت هيئة قناة السويس خاسرة، ومديونة، وطلبت مؤخرا الاقتراض من البنوك؛ فكيف ستقوم الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية بتمويل التوسعة في ميناء العريش؟

وهل من مصلحة الأمن القومي لمصر إسناد عمليات تطوير الميناء في هذه المنطقة للمستثمرين الأجانب الذين تعرض عليهم الحكومة المصرية في كل المؤتمرات والمنتديات المشاركة في المشروعات المطروحة في سيناء والقناة؟

ثم ما هو نوع المستثمرين الأجانب الذين سيمولون المشروعات في سيناء؟ وما هي جنسيات هؤلاء الذين يضخون الأموال في منطقة مواجهة مع الكيان الصهيوني، ولا يخافون من الطبيعة المتوترة الطاردة للبشر وللعمالة ولرءوس الأموال؟

لكن بدون أن نجهد أنفسنا في البحث؛ فإن التمويل الدولي الذي يشرف عليه صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر هو الذي يختار هذه المشروعات، ويوجه الاستثمارات التي تخدم الصهيونية لها، وقد تم مناقشة الشق الاقتصادي من صفقة القرن في ورشة البحرين الاقتصادية.

إزاحة السكان غربا

الهدف الصهيوني من توسعه ميناء العريش سيؤدي إلى ذات النتائج التي ترتبت على زيادة حرم مطار العريش بمسافة 5 كم2 وهي تجريف أجزاء من المدينة وتوسيع الأرض الفضاء، ولقد كان من المنطقي أن يتم نقل المطار إلى خارج العريش، وإقامة مجتمعات عمرانية جديدة تستقطب المزيد من المصريين في هذه المنطقة الحيوية.

إذا كان الميناء الحالي لا يستوعب الزيادة في حركة السفن- وهذا غير حقيقي- كان من الأولى تشييد ميناء جديد على يمين العريش أو على شمالها، فالساحل خال، وستكون التكلفة أقل، وستكون الفوائد الاقتصادية والعمرانية والإستراتيجية أكبر.

نناقش هنا الموضوع بعقلانية بافتراض حسن النية، وأن ما يجري مجرد اجتهادات من أشخاص يتصرفون بدون مؤثرات خارجية، لكن الحقيقة أننا أمام إستراتيجية صهيونية معلنة، وكان من الطبيعي أن يكون لنا إستراتيجية لمواجهة المكر المعادي وليس الاستسلام له.

الكيان الصهيوني يعمل على حصد سكان سيناء والتخلص منهم، وحرق هذه المنطقة التي يعيش فيها ثلثا سكان شبه الجزيرة، لأن العنصر السكاني هو العقبة التي وقفت منذ أيام الفراعنة ضد الغزاة الذين جاء معظمهم عبر هذه المنطقة الضيقة، وباختفاء البشر ينفتح الطريق حتى القناة.

خسارة بوابة مصر

 إن أي إجراءات تؤدي إلى تهجير السكان في العريش، وغيرها من مدن سيناء تحت أي مبررات تصب لصالح الاستراتيجية الإسرائيلية، التي تعمل على توسيع الفراغ حول الكيان الصهيوني، ولهذا فإن استمرار الضغط على المواطنين المصريين في سيناء للهجرة أو للنزوح والهروب يهدم بوابة مصر الشرقية؛ فالصحراء الفارغة لم تكن أبدا عازلا مانعا لأي عدوان، بل هي مغرية لتمدد الخصم.

 إن أهم محور في محاور الاستراتيجية المطلوبة للدفاع عن مصر وتحصين أمنها، يجب أن يكون بزرع سيناء بالمزيد من البشر، ومساعدة السكان الحاليين بسبل الحياة لتشجيعهم على الاستقرار والتكاثر والانتشار، وتقديم الإغراءات للمصريين في الوادي للتوجه إلى هناك وملأ الفراغ، وخلق مجتمعات متماسكة تقف أمام أي أطماع إسرائيلية، وقطع الطريق على مؤامرات الابتزاز التي يتعرض لها الحكم المصري من الأمريكيين والأوربيين للتمكين الإسرائيلي.

النتيجة التي وصلنا إليها أن توسيع حرم المطار تسبب في إخلاء مساحات كبيرة جنوب العريش، وسيتسبب توسيع الميناء في إخلاء مساحات أخرى شرق العريش، وإذا أضفنا هدم رفح وما يجري في الشيخ زويد فإننا أمام عملية إزاحة للسكان غربا، لتكون حدود مصر الشرقية عند وادي العريش، وهو نهر العريش القديم، الذي يزعم اليهود أنه حدود مملكة سليمان مع مصر كما ورد في التوراة حسب ادعائهم.

عندما نحذر من المكر المعادي فإننا نلفت انتباه المخلصين من أهلنا وقومنا إلى أن التحركات والخطوات التي قد تبدو صغيرة ومشتتة وغير مقصودة هناك من يرتبها، لتصب في اتجاه واحد، وتحول ما نظن أنه مستحيل إلى ممكن وواقع على الأرض، سيصعب مواجهته والتصدي له؛ وسنصطدم بكارثة لا يمكن تحملها.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه