في صُحبة عصام العريان

صاحبت د عصام العريان “فرج الله كربه وكرب جميع المظلومين” مرات عديدة في لقاءات ممتدة، وبخاصة بعد عام 2003، وإن كنت قد سعدت بمعرفته عن قرب قبل ذلك بكثير، وخلال صحبتي للرجل تعلمت منه أمورا عملية، قد حصلتها بلا شك بحكم النشأة والتربية، وكذلك التحاقي بالتعليم الأزهري، ولكن صحبة د عصام العريان ترجمت هذه المعاني لسلوك، لابد أن يترك أثره فيمن حوله. ومما تعلمته من الرجل ما يلي:

الإخلاص في النصيحة:

 كثيرًا ما كنا نتحدث في أموري الخاصة بحكم خبرته الحياتية والاجتماعية، وكذلك حرصه على أن يتفقد أحوالي، وفي بداية حياتي العملية بعد انهاء الخدمة العسكرية، التحقت بأحد المستشفيات الخاصة بمنطقة الدقي للعمل كمحاسب.

 وكنت قد أعلمت د عصام بذلك، ولكنه بعد حوالي شهر قابلني في دار الدعوة بمنطقة التوفيقية، فأخبرته بتركي للعمل في المستشفي لكوني تخرجت في قسم الاقتصاد ولا أجد نفسي في مهنة المحاسبة، فأثنى على قراري وقال “ليس من المناسب ان يُضيع الإنسان عمره في عمل لا يحبه” ودعا لي بسعة الرزق، وقد كان ما سعيت له بأن حصلت على عمل بأحد مراكز البحوث والحمد لله أمضيت ما فات من عمري في هذه المهنة.

ولمحة ثانية كانت مصحوبة بتقديم مساعدته الكاملة وليس فقط مجرد النصيحة، فبعد خروجي من اعتقال عام 2007، والذي لم يستمر سوى أسبوعين، وجدت المؤسسة التي أعمل بها تطلب مني تقديم استقالتي بعد عودتي للعمل بيومين، على الرغم من عملي معهم لمدة 9 سنوات، وعلمهم التام بأني من الإخوان المسلمين.

 وكان عندنا لقاء بالقسم السياسي في نفس اليوم، فحضرت اللقاء، وأثناء النقاش أخبرتهم بما حدث، فوجدت أخي د عصام تفيض الدموع من عينه، وكذلك الإنسان الرقيق د/ محمد عبد الغني رحمه الله، ودعا لي الجميع بأن يخلف الله عز وجل علي.

 ولكن عند عودتي من اللقاء، صحبني د عصام في سيارته كالعادة، وقال لي “أخ عبدالحافظ: الحمد لله أنا ميسور ماديًا، ولم يعد مناسبًا أن تعمل موظفًا بعد الآن، عليك بتأسيس مركز بحثي ولو بحجم صغير، ليكون مشروعك الخاص، وسوف أقدم لك ما تطلبه من دعم من مالي الخاص” فشكرت الرجل ووعدته بالتفكير في الأمر.

ولكن الهاجس الأمني منعني من استكمال الفكرة بسبب استدعائي من قبل أمن الدولة كل أسبوعين لفترة طويلة بعد خروجي من المعتقل. وفهمت بعد ذلك بأن استدعائي المتكرر كان بغرض تجنيدي لحساب أمن الدولة، وبخاصة بعد رفضي عرض قيادة كبيرة بأمن الدولة بأن يعينني بمؤسسة الأهرام، بعدها تباعدت الاستدعاءات، والحمد لله على أن نجاني من الوقوع في هذا المستنقع.

بر الوالدين:

كنا أثناء عودتنا من جسر السويس، مقر نواب الإخوان خلال 2005 – 2010، نمر على مقابر السيدة عائشة رضى الله عنها وأرضاها، فيذكر لي أن والديه دفنا في هذه المنطقة، وشرع في الدعاء لهما ولجميع أموات المسلمين، ولم يكن ذلك مجرد أمر عابر، ولكنه عادة للرجل كلما مررنا بهذه المنطقة

الحرص على أداء الصلوات في ميعادها:

 اعتاد بعض الإخوة على تأخير الصلوات عن ميعادها في اللقاءات والاجتماعات، وبخاصة تلك التي تضم مشاركين من مناطق مختلفة، أو تلك التي تطول مدتها، وكان البعض يكتفي بالفرائض ويهمل السنن. ولكن الدكتور عصام ليس كذلك، فلابد أن يؤدي السنن القبلية والبعدية، وأيضًا أذكار ما بعد الصلاة.

أما عن لقاءاتنا في بيته، فكنا حين نقيم الصلاة ينادي على أهل بيته وبناته ليصلوا خلفنا ليدركوا أجر ثواب صلاة الجماعة.. وفي أثناء ذهابنا لبعض اللقاءات في مناطق قريبة أو بعيدة ويدركنا الأذان لأي صلاة، نذهب لنؤدي الصلاة في المسجد أولًا ثم نستكمل مسيرتنا.

رحابة الأخوة:

بعض الإسلاميين للأسف تضيق عندهم دائرة الأخوة فيطلقون لقب “أخ” على منتسبي التنظيم أو الجماعة، ولكن د عصام لا يعرف هذا الأفق الضيق. فبعد احتلال العراق عام 2003 طلب مني أن أذهب لمؤسسة الأهرام لمقابلة أخت تعمل باحثة هناك، وكانت قد أنجزت كتابًا عن اليمين المتطرف في أمريكا، وأن نبحث معها إمكانية التعاون معنا في أعمال بحثية، فكان في مخيلتي بأن اختنا الباحثة على الأقل محجبة، إن لم تكن من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.

 ولكن عندما قابلتها، وجدت غير ذلك تمامًا، فبدون حديث أو كلام أو موعظة ترسخ ما كنت أومن به بأن دائرة الأخوة أوسع وأرحب من الانتماء للتنظيم أو الجماعة، والحقيقة أن هذه الروح الإيجابية التي ترى أن دائرة الأخوة تتسع لتشمل جميع المسلمين، كانت تسري بقوة بين أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، على الأقل في جيلي ومن عرفت من حولي.

لا تزاحم أحداً في مجال الدعوة:

في القسم السياسي كنا قد أعددنا مجموعة من المحاور لتمثل خطة عملنا، ولكن أُسندت بعض هذه المحاور لغيرنا، فتزمر البعض، ولكن د عصام كان له رأي آخر، بأننا أمامنا مجالات واسعة للدعوة، ولا داعي لأن يزاحم بعضنا بعضًا، ولنهيئ أنفسنا لتقديم ما يطلبه اخواننا من دعم في المحاور التي أسندوها لغيرنا.

وكان الرجل “فرج الله كربه” حريصًا على أن يقدم أبناء الدعوة للمجال العام، وأن يكون أكبر عدد من المختصين على دراية بالمجتمع ومشكلاته، فهو من أول من قدمني لوسائل الإعلام كباحث اقتصادي، ليس هذا فحسب بل كباحث من الاخوان المسلمين، حيث شاركت في عام 2005 في برنامج حديث الساعة على اذاعة (BBC) مع الأمين العام المساعد لاتحاد المصارف العربية، وأحد الصحفيين الاقتصاديين المصريين.. وكان موضوع الحلقة عن مستقبل الاقتصاد المصري بعد نتائج البرلمان عام 2005، ثم توالت المشاركات بدعمه لأظهر على العديد من وسائل الإعلام كباحث متخصص في الشأن الاقتصادي، أو ممثلًا لجماعة الإخوان المسلمين في المنتديات واللقاءات العامة.

قد يطول الأمر لأذكر ما استفدت به من صحبة أخي الكبير د عصام العريان، والذي أحسبه من الصالحين، ولا أزكيه على الله.. وقد يكون هناك متسع في مناسبات أخرى، فقد وجدت أنه من الضروري أن أنقل لأبنائي وإخواني بعضًا من السلوك الحسن الذي يجب ألا يغيب عنا ونحن نسير في الطريق إلى الله عز وجل.. وفي الختام أرجو الله تبارك وتعالى بأن يعجل بالفرج القريب للدكتور عصام العريان وجميع المظلومين في مصر وكافة بقاع الأرض.. اللهم آمين

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه