في ذكرى انتصار أكتوبر ماذا تبقى من الجيوش العربية

لتكون حقيقة الأمر ما ذكره الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” للملك السعودي ” أنك لن تستطيع حماية طائرتك الخاصة

 

 

لم يكن منع السعودية بترولها عن أمريكا وكل الدول التي تساند الصهاينة تكليفا يفرضه الواقع الجغرافي، وإنما هو تكليف يفرضه واقع الدين واللغة والجوار ووحدة المصير ووحدة الهوية، ولم يمنع احتمال ضرب أمريكا للملكة أن يجيب الملك فيصل قائلا على سؤال بهذا المعني من أحد الصحفيين «إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسوريا من تقديم أرواح جنودها في معارك الأمة المصيرية وإننا قد تعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد الرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول بأيدينا ولا تصل إلى أيد أعدائنا».

ولم يكن الجيش الأول الميداني بسوريا يمثل الشام وحدها، وإنما كان يمثل الشام والأردن ولبنان واليمن والعراق التي شاركت بالجنود والسلاح، أما في أفريقيا فيذكر محمد حسين هيكل أن ليبيا وحدها والتي استقبلت الكلية البحرية على أراضيها، قد تبرعت بمليار دولار مساعدات عسكرية لمصر، وهذا الرئيس الجزائري بومدين يمد مصر بسرب من الطائرات طائرات حربية من طراز ميغ 17 وميغ 21

وها هى تطل علينا ذكري نصر السادس من أكتوبر 1973 على أرض جديدة غير تلك التي انطلقت منها، وشعوب مختلفة عن تلك التي كانت تنشد ” بلاد العرب أوطاني من المحيط إلي الخليج ” ولا أنظمة تستحي من التاريخ كما كانت الأنظمة العربية في ذلك الوقت.

 تطل علينا الذكري والأرض العربية ملتهبة تحول صراعها واستبدل بعدما كان صراعا عربيا إسرائيليا، لصراع عربي عربي. حروب تدور رحاها بين الأنظمة في جانب وشعوبها في الجانب المقابل، بينما المستفيد الوحيد من ذلك الصراع، والذي يشعل جذوة نيرانه هو العدو الذي صار قبلة الحكام، وبوابة بقائهم جاثمين على رقاب الشعوب المنتهكة والتي تدفع الثمن دماء وأرواحا ومستقبل

تطبيع الجيوش وتركيع الشعوب

وقد يتساءل البعض كيف استطاعت الصهيونية العالمية أن تتلاعب بالمنطقة لتقلب الأمور رأسا على عقب في أقل من نصف قرن، ليصير العدو صديقا حميما والأخ عدواً لدوداً؟

والحقيقة لم يكن الخلاص من الوحدة العربية والوصول بها لهذا الحال المزري بالأمر الصعب ، رغم الخروج من حالة صراع مسلح مع الكيان الصهيوني ، خاصة أن معظم الأنظمة الحاكمة هي مجرد بقايا للاستعمار وضعت خصيصا واختيرت بعناية لضمان بقاء مصالحه ومصالح إسرائيل في المنطقة ، وها هي الأحداث تكشف بعد “انقلاب الثالث والعشرين من يوليو 52” لتظهر حقائق ما كانت في الحسبان ، فــ “الثورة المزعومة “كانت انقلابا ، وزعيم الأمة العربية لم يكن في حقيقته إلا بوقا فارغا وملكا للهزائم المتكررة مزق علي أثرها مصر لتفقد غزة والسودان وسيناء كاملة، ولتفسد منظومة التعليم والصحة، ولتفسد قضية الهوية بعدما كانت إسلامية ومقدسات لا يمكن التنازل عنها ، لقضية عربية فارغة المضمون ، ويتسلم الراية من خلفه السادات الذي قام بالخطوة الأولي نحو تمزيق أسطورة العروبة والوحدة المزعومة علي طريق التطبيع العربي الإسرائيلي باتفاقية كامب ديفيد التي ما زالت معظم بنودها سرية حتي اليوم. واستطاع السادات من خلال تلك الاتفاقية أن يطبع القيادة العسكرية المصرية مع العدو الصهيوني، ليصير الصديق والجار وابن العم، بل ويقوم بالوقت هو ومن أتي بعده بتغيير عقيدة الجيش المصري لنجد الحواجز والحدود والمعابر توضع على قطاع غزة، بينما تفتح سيناء على مصاريعها للصهاينة، وتتحول القضية الفلسطينية بدلا من صراع عربي صهيوني، لصراع فلسطيني إسرائيلي، لتذوب كلمة فلسطين بعد ذلك، وتمحي من على خريطة بلاد العرب وتستبدل بكلمة إسرائيل لتصير واقعا مرا تحياه الشعوب مفروضا بالسلاح العربي.

 تم تحييد الجيش المصري تماما، بل واستمالته وشغله بالتجارة والكسب لتتعري سيناء حسب الاتفاقية المشؤومة من كل حماية واليوم يتم التنازل عن أهم جزيرتين بها مجانا بما عليها من دماء وتاريخ وبما لها من أهمية استراتيجية.

وأما الجيش الثاني والذي كان يمثل هاجسا إسرائيليا في المنطقة وهو الجيش العراقي والذي تم الزج به في حلبة صراع عربي إيراني في عملية استنزاف للطرفين يدفع فاتورتها الخليج كله، واستفادت من ذلك أمريكا التي كانت تمد الطرفين بالسلاح لتضمن استمرار الحرب للخلاص من كلا الجيشين ، فتفرغ المنطقة لحليفتها الوحيدة وراعية مصالحها في المنطقة وهي إسرائيل، وحين انتهت الحرب وما زال الجيش العراقي بعافيته ، تم الإيحاء لصدام حسين بغزو الكويت ، وما كان يفعلها لولا الضوء الأخضر الذي منحته له الولايات المتحدة ، فتكون حرب الخليج برعاية أمريكية ، وفاتورة عربية تقضي فيها علي العراق تماما بجيشها، وتتركه نهباً لحرب أهلية قبلية طائفية تدفع ثمن تطبيع جيوشها مع عدوها،

تدخل المنطقة نتيجة الضغوط الشديدة وعجز المواطن العربي على الاستمرار في ظل تلك الضغوط المعيشية، والتخريب المتعمد لكل مظاهر الحياة لتصير بلاد العرب ليس في الترتيب الثالث بالمصطلح العالمي، وإنما تتخذ مكانتها خلف الحضارة وتتخطي الزمن إلي حيث العدم.

 تنتفض الشعوب في هبة شبه موحدة في ثورات الربيع العربي، لتظهر حقيقة ما تبقي من الجيوش بعقيدتها الجديدة، لتجنح لجانب الحكام وتصير المنطقة العربية بحورا من دماء، بين قاتل ومقتول كلاهما عربي مسلم، وها هي سوريا تتقاتل لينتهي الجيش السوري الذي واجه يوما ما العدو الصهيوني، ينتهي به المقام في وحل قتل شعبه بالبراميل الحارقة وتهجيره بالملايين خارج أرضه حماية لشخص واحد لا يخدم سوي قضايا عدو بلاده الأول

ثم ها هو اليمن السعيد، والذي لم يعد سعيدا ، بل جائعا مريضا غارقا في بحر من الدماء بفعل السلاح الغربي والمقاتل العربي السعودي الإماراتي وأموال النفط العربي، تأتي الذكري والشعوب رهينة تحت سلاح حكامها بعد تطبيع جيوشها مع أعدائها ، لتكون حقيقة الأمر ما ذكره  الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” للملك السعودي ” أنك لن تستطيع حماية طائرتك الخاصة ، نحن من نقوم بحمايتك ويجب عليك أن تدفع المقابل ” ، فلا جيوش قادرة علي حماية الأراضي العربية ، ولا هي قادرة علي حماية الحكام ، إنما وضعت لتواجه الشعوب وحدها ، والشعوب وحدها هي من يجب عليه أن يقرر كيف يصحح مسارها

ومع هذه النتائج السوداوية لا يستطيع نظام مهما بلغت أدواته أن يدعي أن الأمر سينتهي عند هذا الحد، أو أن المنطقة ستستقر على ما هي عليه، فكل تلك المظاهر تنافي حركة التاريخ.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه