في انتظار المعجزة !

 

 

المثل الشعبي المصري يقول: “الجائع يَحْلُم بسوق العيش”، وقياساً عليه يمكن القول إن العاجز يَحْلُم بمعجزة، أو شيء خارق للعادة، يحقق له هدفه، وينقذه من الحرج أمام نفسه بسبب عجزه الفاضح.

العجز عن الفعل

في خضم الجدل منذ فترة مضت بشأن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية – وهي الاتفاقية التي بموجبها سلم النظام في مصر جزيرتي “تيران” و “صنافير” للسعودية – فإن التيار السياسي والشعبي الواسع الرافض للاتفاقية، والعاجز عن الفعل الحقيقي بإيقاف الخطوات المنظمة التي كانت تتم وفق الخريطة لاستكمال الشكل القانوني في أمر بدا أنه محسوم تماماً، هذا التيار كان مثل العاجز، وتبدى حلمه في أن البرلمان يمكن أن يتخذ موقفاً تاريخياً برفض الاتفاقية، خاصة وأنه صدر حكم قضائي نهائي من المحكمة الإدارية العليا بمنع تسليم الجزيرتين، وكان الحلم يقول أيضاً إن البرلمان بموقفه الذي يمكن أن يُسجل له في لوحة الشرف الوطني سيرفع الحرج عن الرئاسة أمام السعودية بأن السلطة التشريعية، واستقلال المؤسسات، وحراك الديمقراطية، فرضوا كلمتهم، ولا مجال أمامها غير الاستجابة، واحترام إرادة ممثلي الشعب.

لكن لم يتم أيٌ من هذا بالطبع، ولم يكن ليتم، لأنه كما يقول المثل “الخِطاب يُقرأ من عنوانه”، وعنوان البرلمان معروف ومحفوظ ومهامه شديدة الوضوح منذ تمت هندسته بشكل دقيق منعاً لحدوث مفاجآت غير متوقعة تصدر عنه تربك الخريطة المطلوب تنفيذها خلال 5 سنوات، هي عمر الدورة البرلمانية الحالية.

المعجزة البديلة

والحلم البديل بمعجزة بديلة تمثل في أن الاتفاقية التي أقرها البرلمان ستجد رفضاً من الرئاسة بعدم التصديق عليها لتسجل الموقف التاريخي المنتظر الذي فوته البرلمان على نفسه لتبقى الجزيرتان ضمن السيادة المصرية، وتجميد وضعهما، وترحيل الملف للمستقبل، مثلما فعل مبارك طوال ثلاثة عقود من حكمه حيث لم يبت نهائياً في الطلب السعودي بتعيين الحدود البحرية، أي بتسليم الجزيرتين، رغم أن علاقته كانت وثيقة جداً مع المملكة.

لكن سقط الحلم، ولم تتحقق المعجزة للمرة الثانية، وصدقت الرئاسة على الاتفاقية، وحصلت المملكة على الجزيرتين، وصار ممر تيران دولياً، وهنا تظهر قيمة التكهنات بأن في الأمر شيئاً ما أكبر، وهو إسرائيل، أبرز المستفيدين من تدويل الممر بعد انتقال تبعية الجزيرتين للسعودية، والناظر إلى طبيعة العلاقات بين الرياض وواشنطن، سيكتشف دون جهد أن هناك تحالفاً بين عواصم عربية بعينها وبين ترامب له أهداف متفق عليها، ولهذا لا شيء يتم على الأرض عبثاً أو بمحض الصدفة الآن، وهذا التقارب غير المسبوق من أطراف عربية مع إسرائيل، والذي قد يصل إلى حد اعتبارها كما لو كانت دولة عربية شقيقة، وليست دولة معادية، كاشف لطبيعة المرحلة، والتغييرات الكبرى الجارية في المنطقة، والتنسيق الواسع مع إدارة ترامب وأبرز مستشاريه، وعلى رأسهم صهره اليهودي جاريد كوشنر، مهندس العلاقات مع إسرائيل، ومخطط تصفية القضية الفلسطينية، هذا التنسيق بدأ منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية ودخول ترامب للبيت الأبيض رسمياً، والخميس الماضي مثلاً تباهى الأمريكان والإسرائيليون بأنه لأول مرة يجتمع العرب مع إسرائيل في غرفة واحدة وعلى طاولة واحدة في مؤتمر وارسو منذ اجتماع مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وأحد أهم محاور هذا المؤتمر كان التنديد بإيران، وشن هجوم كاسح عليها، واعتبارها داعمة للإرهاب في العالم، ومزعزعة للاستقرار، وتمثل تهديداً للسلام والأمن في الشرق الأوسط، وأنها وراء كل آفات المنطقة، والحقيقة أن هذه الاتهامات، وما هو أكثر منها، أجدر بها إسرائيل قبل إيران.

الدستور .. والمعجزة مرة أخرى

خيال المعجزة يعود ليفرض نفسه مرة أخرى في تعديل الدستور المصري، دستور 2014، إذ أنه أمام العجز عن إيقاف عجلة التعديل التي تتحرك بسرعة ووفق نفس الخريطة، يبرز الحلم الإعجازي في أن البرلمان قد يرفض مقترحات التعديل التي قدمها أكثر من خمس أعضائه “120 نائباً”، وبالتالي تظهر المؤسسة التشريعية ممثل الشعب حريصة على بقاء الدستور الذي تم استفتاء الشعب عليه قبل 5 أعوام فقط، ومتمسكة ببقاء الجوهر الديمقراطي للدستور حتى لو لم يكن مفعّلاً.

والحلم المعجز البديل أن الرئاسة ستخرج ببيان تاريخي – مثلما فعل الرئيس الموريتاني مؤخراً – يشكر النواب المتحمسين للتعديل، ويؤكد التزام الرئيس بالدستور كما هو، وعدم رغبته في تعديل نص المادة المتعلقة بفترة الرئاسة ومددها، وهي 4 سنوات، ولمدتين فقط، وأنه لا ينتوي الترشح بعد نهاية فترته الثانية في 2022.

لكن حلم أن البرلمان سيرفض رغبة بعض نوابه بالتعديل لن يتحقق، فهو يمضي وبشكل منظم في العملية حتى نهايتها، وقبل ساعات أقر بأغلبية وُصفت بأنها كاسحة “485 نائباً” مبدأ التعديلات، وهذا يعني أنه خلال أيام سيكون البرلمان قد أقر نهائياً التعديلات التي تحقق الأهداف المطلوبة ليجري بعد ذلك عرضه للاستفتاء الشعبي.

وحلم البيان الرئاسي لن يتحقق أيضاً، لأنه لو كان سيُترجم إلى واقع كما فعل الرئيس الموريتاني، لكان صدر قبل شروع البرلمان في الخطوة الأولى التي جرت قبل يومين، وهي إقرار مبدأ التعديل .. “بعد العيد لا يُصنع الكعك”.

إشارة مبكرة بالتعديل

أول طرقة بشأن الدستور بأنه كُتب بحسن نية، وهذه العبارة قيلت بعد إقراره بوقت قصير، كانت إشارة بأن هذا الدستور الذي لم يجف حبره بعد لن يبقى على حاله، وأن يد التعديل ستطاله حتماً في اتساق مخلص مع الموروث المصري الفرعوني التاريخي بتأبيد الحاكم في السلطة، فلا حق للمصريين – المفروض عليهم وصاية دائمة بعدم أهليتهم للديمقراطية – معايشة تداول الحكام، رغم أن هذا التداول الدستوري السلمي إذا تم يوماً وفي ظل الحالة السياسية الراهنة فلن يعني تفعيلاً جاداً لديمقراطية الاختيار الشعبي بين متنافسين من مختلف التيارات السياسية والأيدلوجية، إنما ستكون العملية دستورية في الشكل والخطوات فقط، وفي الجوهر ستكون خاضعة للسيطرة المُحكمة في طبيعة التنافسية وحدودها وسقفها لتفرز رئيساً بعينه قادماً من مؤسسة بعينها وسيكون اسمه معروفاً مسبقاً.

ساعة الحقيقة

نحن نعيش في زمن لا معجزات فيه، المعجزات للأنبياء والرسل فقط، وانتظار المعجزة هو حلم العاجز، والأرض لا تكون للعجزة، إنما لمن هم قادرون على صنع المعجزة بأنفسهم، وليس من قوة غيبية خارقة.

الكرة الآن في ملعب الجمهور، ليواجه كل فرد ساعة الحقيقة ويقرر مصيره ومستقبله بنفسه، ولا مجال هنا لمسألة أن هناك تلاعباً بعقول هذا الجمهور الراشد، أو الزعم بغياب الوعي عنه، مثل هذه التبريرات يجب التوقف عنها، فاليوم وفي ظل مصادر المعرفة والتوعية التي بلا حصر، وفي ظل وضعية كل فرد وحالته العامة والخاصة وهي كافية لجعله حكيماً وفيلسوفاً، يصعب الاقتناع بأن الجمهور مثل القطيع يجري سحبه وهو مغمض العينين مغيب العقل.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه