في العراق.. رسائل وراء الأبواب المغلقة

جملة رسائل يحملها المشهد العراقي بعد تكليف محمد توفيق علّاوي تشكيل الحكومة العراقية خلال شهر ابتداء من الأول من فبراير موعد التكليف. ومع بداية التكليف يواجه علّاوي ضغوطا من بعض الكتل السياسية التي ترفض التخلي عن استحقاقاتها الانتخابية السابقة. الأمر الذي يشكل عائقا حقيقيا أمام أداء رئيس الوزراء الذي من المفترض أنه جاء في أعقاب تظاهرات واحتجاجات انطلقت في بغداد وبقية محافظات وسط وجنوب العراق منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019 والتي طالبت بمحاربة الفساد ورحيل الطبقة السياسية الحاكمة، وإجراء انتخابات مبكرة.

رسائل الأطراف

رسائل متناقضة طبعت المشهد العراقي. آخرها تهديد تيار مقتدى الصدر بإسقاط رئيس الوزراء المكلف، في حال ضمت تشكيلته الحكومية المرتقبة شخصيات حزبية. علما بأن موقف زعيم التيار الصدري تسبب بطعن الحركة الاحتجاجية بعد أن شن أنصاره في وقت سابق حملة لتفريق المتظاهرين المحتجين في بغداد ومحافظات أخرى عبر اقتحام الساحات وإطلاق النار على المحتجين ما أدى الى مقتل وإصابة العشرات.

الولايات المتحدة الأمريكية تبعث برسائلها أيضا من خلال تحذير السفارة الأمريكية رعاياها في بغداد بعدم الاقتراب من مبناها بسبب ما وصفتها بتقارير عن مظاهرات مرتقبة في بغداد والنجف وما سيصاحبها من قطع الطرق وتعطيل الحركة والمصالح.

واشنطن التي تراقب الأرض عن كثب والتي لم تعد بحاجة إلى إعلاء صوتها في ظل الفضاء السياسي المتغير الذي أتاحه مقتل اللواء الإيراني قاسم سليماني. تدرك أن متغيرا على الأرض لابد واقعا من خلال الحراك الشعبي العراقي. أمريكا كعادتها تحاول استغلال الحدث لصالحها. فهي تبعث برسائل تعتبرها خطوطا حمراء مع التلميح بمجموعة من العقوبات المتاحة للاستخدام الجاهز ضد المسؤولين العراقيين الذين تصفهم بالفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان وقاتلي المتظاهرين السلميين من خلال أوامرهم للقوات الأمنية وبعض الميليشيات المسلحة.

 متغيرات وتهديدات لاستعادة الدور الأمريكي الذي طغى عليه دور الميليشيات المدعومة إيرانيا بالتأثير على الحياة السياسية العراقية في الفترة القريبة التي سبقت. ليعود العنوان مرة أخرى (حماية الأفراد والمصالح الأمريكية في العراق وأي هجمات ضدهما من قبل إيران ومليشياتها ستكون نتيجتها انتقام أمريكي موجع داخل العراق وخارجه). في الوقت نفسه يحاول الأمريكان انتهاز الموقف بالظهور بمظهر الدفاع عن المتظاهرين وربما خلق حالة تواصل متوقعة مع الجهات الفاعلة سياسيا واجتماعيا من المتوقع بروزهم على الساحة العراقية بعد الحراك الثوري والانتفاضة الشبابية العراقية.

على الجانب الآخر تدرك بعض قيادات الأحزاب والمليشيات المدعومة من إيران أن واشنطن تراقب عن كثب حركة السياسيين والأفراد غير البعيدين عن تصنيفهم في قائمة العقوبات. وأن رسائل أمريكية وراء الأبواب تذكر بضربات أمريكية على وقع الطريقة نفسها التي استخدمت ضد سليماني أو ما يشبهها.

في غضون ذلك، ما تزال إيران تبعث برسائل نهجها بشكل متكرر، داعمة قصة المقاومة تحت فكرة أهدافها الإيديولوجية مع محاولات توسيع رقعة انتشارها في العراق وحتى في سوريا ولو بإعادة تشكيها بصيغة أخرى لضمان استدامتها بعد أن أدركت قدرة الاستهداف الأمريكي في حالة تجاوز الخطوط الحمراء.

الإرهاب والاقتصاد والديون.. رسائل أخرى

ومن بين مجموع الرسائل والتلميحات تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تذكير الجانب العراقي بأن انسحابها سيشكل منعطفا خطيرا في الحرب على الإرهاب مع التذكير بتقارير أمريكية تشير إلى أن عدد هذه الهجمات وقوتها سوف يزداد في حال غياب القوة الأمريكية والقوات الحليفة في العراق وسوريا. وأن “تنظيم الدولة الإسلامية” يعيد اليوم تنظيم صفوفه بتقنيات وأساليب متطورة أفضل من السابق. ما يعني أن فقدان الجهد العسكري والاستخباراتي والجوي الأمريكي والحليف سيعيد العراق بحكومته ومؤسسته العسكرية الى مأزق الخطر والعودة الى النقطة الحرجة.

هذا الأمر يجعل المنظومة الحزبية القائمة على إدارة العراق على مفترق طرق بين الظهور وحدة واحدة تجاه بقاء الأمريكيين من عدمه. أو حصول حالة الانشقاق وعدم التلاقي تحت سقف واحد مستقبلا. وهذا ما ظهرت بوادره من خلال توصية البرلمان بانسحاب القوات الأمريكية من العراق من طرف الأحزاب المدعومة إيرانيا والتي تشعر أنها مستهدفة بكل الأحوال. الأمر الذي أدركت خطورته المرجعية الشيعية في النجف والتي أوصت بمناقشته لاحقا وترحيله الى ما بعد الانتخابات المقبلة.

رسائل تطمين بالمقابل يمكن قراءتها في طبيعة الخطاب الموجه الى أمريكا والتحالف الدولي من قبل الجهات السياسية والعسكرية العراقية الفاعلة بعيدا عن لغة المزايدات التي يتسم بها الخطاب المليشياوي. متمثلة بسرعة النفي وتكذيب الخبر الذي جاء على لسان المتحدث باسم قيادة عمليات التحالف المشتركة في العراق، عقب نشر مصادر إخبارية تصريحات نسبت إلى عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، تفيد بأن فرنسا وألمانيا وأستراليا، قدمت طلبا إلى قيادة العمليات المشتركة، من أجل وضع جدول زمني لسحب قواتها من العراق.

رسائل ضغط

التحالف الدولي يوصل رسائله أيضا بأدوات ضغط ووسائل مساومة قوية يمكنه استعمالها بحسب محللين ومراقبين دوليين لحث حكومة بغداد على مواجهة الهيمنة الإيرانية. فقد تخطت ما يصفها التحالف بالهبات الممنوحة للعراق في مجال التعاون الأمني، المليار ونصف المليار عن كل عام، مع وجود أكثر من خمسة آلاف من جنوده الذين يصفهم التحالف بالمعرضين للخطر. هذا بعيدا عن الحديث عن الوجود العسكري والمخابراتي الأمريكي في العراق.

وأخيرا تأتي رسائل الصحافة الأمريكية بمقاصدها، مذكرة على لسان “الواشنطن تايمز” بأن انضمام العراق لمبادرة الحزام والطريق “الصينية” يعد تحديا للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. وأن الصين تنظر إلى المنطقة على أنها تربة خصبة للاستثمارات في شبكات المياه والطرق والجسور والشبكات الكهربائية وغيرها من الأجزاء الأساسية للبنية التحتية التي تدهورت بشدة بسبب عقود من الحرب. موضحة أنه وعلى الرغم من الوجود العسكري الأمريكي الكبير في العراق إلا أن الصين تعتبر العراق ثاني أكبر شريك تجاري لها وثاني أكبر مورد لسوق النفط الصينية الضخمة.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه