فيروس “الكورونا ” وتاريخ الأمراض الخفية!

أما لغز الوباء الذي تسبب في فناء القوات الأمريكية التي احتلت كوبا إبان الحرب الأمريكية الأسبانية بين سنة 1691وسنة 1800 فقد حير الأطباء

 

الفيروس الجديد يذكرنا بسلسلة الفيروسات والأمراض الخطيرة التي داهمت العالم من قبل، وكيف تصدى لها الأطباء حتى نجحوا في اكتشاف الأمصال الواقية.

مخاوف عالمية من انتشار فيروس “كورونا”، وتحذيرات في كل مكان من خطر الإصابة، ويبقى الاعتناء بالنظافة الشخصية، أحد أنواع المقاومة الفعالة لهذا الفيروس، فالفيروس حساس جدا للمعقمات ومواد التنظيف العادية ويمكن الوقاية منه بغسيل اليد باستخدام الماء والصابون أو المطهرات التي تحتوي على الكحول.

الكاتبان الأمريكيان مايكل هاويل، وبيتر فورد لهما كتاب جيد عن لغز الأمراض الخفية التي حيرت العالم، اسمه (The Ghost Disease)، وفيه تحدثا عن عدد من الأمراض التي بذل الأطباء فيها مجهودات كبيرة حتى اكتشفوا العلاج الناجح، وتم تكريم بعضهم بحصوله على جائزة نوبل، والبعض الآخر بتخليده في كتب الطب.

في بلغاريا

مثلا ـ ما حدث في بلغاريا سنة 1950 كان لغزا كبيرا، وذلك عندما تلقت وزارة الصحة البلغارية تقريرا عاجلا يفيد بأن سكان إحدى القرى التابعة لمدينة ” فرانزا” يعانون من التهابات حادة في الكبد، مصحوبة بشحوب في الجلد، وأعراض صداع، وتغير لون باطن القدم وراحة اليد إلى اللون الأبيض، بعدها يتوفون على الفور، كان التحدي أمام الأطباء كبيرا، فلماذا ظهرت هذه الأعراض في تلك القرية بالذات؟ ولماذا بين الفلاحين؟ وما هو هذا الفيروس؟

فحص العلماء كل شئ في القرية المياه الجوفية خوفا من التلوث، واعتقدوا لوهلة أنها ربما تكون غازات سامة تسربت من باطن الأرض، لكنهم بعد أبحاث طويلة استطاعوا عزل فيروس من نوع ” البنسليم” الذي يفرز مواد سامة في أحد مخازن حفظ الغلال في تلك القرية، وكان هذا هو السبب المباشر في اتلاف الكبد عند الفلاحين، وأصبح هذا الاكتشاف إنجازا طبيا كبيرا أنقذ سكان البلقان من موت محقق.

فناء القوات الأمريكية:

أما لغز الوباء الذي تسبب في فناء  القوات الأمريكية التي احتلت كوبا إبان الحرب الأمريكية الإسبانية بين سنة 1691وسنة 1800 فقد حير الأطباء،  لآنه سرعان ما استشرى في أكثر من 35 مدينة وولاية أمريكية،  وفي سنة 1878 وصلت الحالات المتوفاة في حوض المسيسيبي وحده إلى 20 ألف حالة، وبعد سلسلة من الأبحاث العميقة خاطر فيها الأطباء بصحتهم وهم يجوبون المستنقعات،  نجح الطبيبان الكوبيان جيمس كارول وكارولز فانيلي من هافانا في كوبا في اكتشاف مرض الحمي الصفراء الذي أودى بهذا الحجم الهائل من الناس ومن ثم نجحوا في إنتاج مصل واقٍ له،  وأعتبر أنه واحد  من أعظم الاكتشافات الطبية في عالم الطب .

في 3 سبتمبر  سنة 1897 مات 5 من الرواد المكتشفين الأوائل للقطب الشمالي، وكان أمر موتهم بالغ الحيرة ، فقد راجع  الأطباء مذكراتهم اليومية ، وما دونوه، فلم يجدوا شيئا غريبا،  ولم يشتكِ أحد منهم من اعتلال في صحته،  لكن لفت نظر أحد الأطباء أن إحدى التدوينات التي كتبها أحدهم قال فيها ” أنهم اكتشفوا أن دببة القطب الشمالي، طعام لذيذ، خاصة المخ والكبد والقلب”، استبعد الأطباء موتهم بسبب الصقيع، أوغاز مصباح الكيروسين، أو التسمم من الطعام الذين حملوه معهم،  ولكن بعد التحليلات والفحوصات التي أجراها الأطباء على دببة القطب وعلى الجثث،  اكتشف الدكتور أرنست أدام أن 30% من دببة القطب، تحمل دودة طفيلية، تنتقل إلى معدة وأمعاء الإنسان وتصبح بعد التكاثر في أقل من 6 أسابيع 1500 يرقة صغيرة، تبقر المعدة،  وتسبح مع الدم، وتدمر خلايا المخ، وعضلة القلب،  وهذا ما تسبب في موت الرحالة المستكشفين.

المرض الغامض:

يذكر الأسترالي مارك آرثر في مذكراته عن المرض الغامض الذي شاهد ضحاياه في جزيرة “بابوا غينيا الجديدة” التي تبعد عن الساحل الأسترالي 100 ميل وتحديدا في قرية “أوباكا” أن المصابين يهزون رأسهم بعنف ذات اليمين وذات اليسار، غير قادرين على الأكل، ويعانون صعوبة بالغة في النوم، وتستمر الحالة عدة أسابيع يموتون بعدها.  المصيبة أن السكان كانوا يعتقدون أن  ذلك من أسباب السحر،  أحد أهم الأطباء الذين انتقلوا إلى الجزيرة لفحص المرضى،  هو الطبيب زايجر الذي أقام في القرية  إقامة كاملة سنة 1956، وبعد جهد كبير استبعد الأمراض النفسية وأعمال السحر،  ثم جاء فريق طبي آخر اعتقد أن السبب هو تسمم  ناتج من  عناصر الزنك والزئبق والنحاس  الموجودة في المكان،  لكن طبيبا آخر هو الدكتور جا شدسك  اكتشف أن السبب يرجع لنقص الفيتامينات التي أدى نقصها في الجسم إلي تدمير الجهاز العصبي، واستطاع استخلاص عقار من خلاصة الكبد أعطاه كحقن للمصابين، وتكريما له لإنقاذ سكان الجزيرة حصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1976.

آلام السفيرة الأمريكية

في روما بعد أن تولت السفيرة الأمريكية الجديدة عملها،  بدأت تعاني من آلام في البطن، وفقدان للشهية، ونقص حاد في الوزن،  وفي 30 يونيو 1953 بدأت حالتها تتدهور بشدة حتى إنها فقدت أسنانها،  وعانت صعوبات في حركة الفم، وأصيبت بالإنيميا وآلام في القدمين،  حتى قررت الحكومة الأمريكية إعادتها إلى أمريكا لتخضع لسلسلة من الفحوصات  الطبية، خاصة وأن الأمريكيين كانت لديهم شكوك في أن الإيطاليين وضعوا السم لها بسبب الشعور المعادي لأمريكا آنذاك  بسبب موقف أمريكا السياسي من مدينة تراسيت المتنازع عليها من قبل الحكومتين الإيطالية واليوغسلافية، والتي أدعت كل منهما أحقيتها بعد تحريرها على يد  قوات تيتو من احتلال الرايخ الثالث الألماني عام 1943.

تم التحقيق مع أكثر من 300 من العاملين في السفارة الأمريكية في روما، لكن ازدادت دهشة الأطباء لأن التحاليل أكدت أن عددا من العاملين في السفارة يعانون من أعراض تسمم أيضا وازداد اللغز غموضا، لكن طبيبا اسمه هنري لويس فك اللغز وبدد الغموض بعد فحصه لمقر السفيرة، فقد اكتشف أن مصدر التسمم هو سقف المبني العتيق للسفارة، الذي كانت تتساقط منه مادة الزرنيخ السامة مختلطة بذرات الغبار، فالمبني يرجع إلى سنة 1690 واشترته الحكومة الأمريكية سنة 1948.

اكتشاف “اليرقان” كان له أيضا قصة في الكتاب، ففي مستشفي مدينة” ايبنج “القريبة من لندن بحوالي 17 ميلا، أصيب شاب عمره 23 عاما بآلام حادة في ذراعه اليمنى مصحوبة بارتفاع في درجة الحرارة، ثم ما لبثت أن انتقلت إلى معدته، إصفر الجلد بعدها بشدة، ثم عانت زوجته بعد إصابته بوقت قليل من نفس الأعراض، وبعد أيام قليلة كانت كل القرية تعاني من نفس الأعراض، حتى جاء الدكتور إيزادور إس الذي اكتشف أن هذا بسبب مرض اليرقان الذي كان مصدره القمح الفاسد في القرية.

أسباب عمى الأطفال:

ونصل إلى نهاية الكتاب سنة 1941 عندما يهاجم ” العمي” الأطفال الرضع الذين يولدون قبل موعد ولادتهم الطبيعي في كثير من بلدان العالم، وثبت أن أكثر من 2500 طفل حول العالم كانوا يصابون بالعمي سنويا دون سبب معروف، وبعد الأبحاث والدراسات ينجح العلماء مجددا في اكتشاف أن السبب المباشر في ذلك هو نقص الأكسجين الذي يتنفسه الأطفال، وفي سنة 1960 حل العلماء المشكلة نهائيا بتوصلهم إلى اختراع أجهزة ضبط الأوكسجين اللازم للأطفال حتى يستطيعوا عبور دائرة الخطر.

إذن لكل داء دواء وهذا يتوقف على جهود وتوفيق الأطباء بالتأكيد!

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه