فشل أجندة البنك والصندوق الدوليين بمصر

إلا أن “زامر الحي لا يطرب”، كما يقولون، وكان لابد من شهادة “خواجة”، فأعلن البنك الدولي الانتقادات نفسها التي قال بها الاقتصاديون المصريون من قبل

 

 

الوعد بتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بمصر لم يتقطع منذ انقلاب 3 من يوليو/تموز 2013، وغير مرة طلب السيسي وغيره من المسؤولين أن يمهلهم الناس عامين أو 6 أشهر، أو أقل أو أكثر، وفي النهاية لم يجد الشعب المصري إلا مزيدا من الضنك يحيط به في مناحي الحياة كافة.

إلا أن الخطاب الاقتصادي لنظام السيسي أعاد لغة حكومة أحمد نظيف نفسها، من خلال الحديث عن وجود تحسن في قيمة الناتج المحلي الإجمالي ومعدل نموه، أو انخفاض نسبة العجز الكلي للناتج، أو زيادة احتياطات النقد الأجنبي، أو استقرار سعر الصرف.

مزمار الحي

وانتقد الاقتصاديون هذه اللغة، والحديث عن تحسن في بعض المؤشرات المالية والنقدية، الذي يتحقق بتكلفة عالية اقتصاديًا واجتماعيًا، وفي الوقت نفسه ليس لهذا التحسن أثر إيجابي في حياة الناس، ففي الوقت الذي يتحدثون فيه عن ارتفاع قيمة الناتج المحلي وزيادة معدلات النمو يشكو الناس من الفقر، وتزداد الديون العامة بمعدلات غير مسبوقة، ويعود ماراثون الواردات، ليصل إلى 63 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2018، وهو معدل غير مسبوق في تاريخ مصر، وسوف يواصل الصعود مع نهاية يونيو 2019.

إلا أن “زامر الحي لا يطرب”، كما يقولون، وكان لابد من شهادة “خواجة”، فأعلن البنك الدولي بيانه الصحفي مؤخرًا، بمناسبة تمديد الشراكة مع حكومة مصر لمدة عامين. وتضمن البيان الانتقادات نفسها التي قال بها الاقتصاديون المصريون من قبل، فضلًا عن التأكيد على زيادة نسبة الفقر لتصل إلى 60% من الشعب المصري، وأن عدم المساواة أخذ في الازدياد، وأن الطبقة المتوسطة تعاني بشكل كبير.

وثمة أمور أخرى ذُكرت ببيان البنك الدولي، تدلل على أمرين، هما الثمار المرة التي جناها الاقتصاد المصري، نتيجة تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي مع المؤسسات الدولية (البنك والصندوق الدوليين)، وكذلك فشل استراتيجية الاصلاح نفسها التي تعتمدها هذه المؤسسات في مصر وفي غيرها من البلدان، وفيما يلي نشير إلى دلالات هذه النتيجة.

  • ذكر البيان “يركز إطار الشراكة مع مصر 2015-2019 على زيادة توفير فرص العمل بقيادة القطاع الخاص، والاحتواء الاجتماعي وتحسين الحوكمة” ويعلم خبراء البنك والصندوق الدوليين، بأن ممارسات الجيش في الاقتصاد المدني، لم تدع مجالًا للقطاع الخاص لكي تتسع رقعة نشاطاته وتكون له مساحة في إتاحة فرص عمل جديدة، ففي ظل حكومات الانقلاب العسكري، تم التوسع في فرض العديد من الضرائب الجديدة، كما أدت السياسات التي فرضها صندوق النقد الدولي إلى رفع الدعم عن الوقود وخدمات أخرى، وكذلك زيادة أسعار كافة الخدمات المقدمة من الحكومة، ما أدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج، وبالتالي ضعفت منافسة القطاع الخاص في المحيطين المحلي والخارجي.

والأمر الأكثر غرابة في بيان البنك الدولي أنه يأمل في تحسن الحوكمة في مصر، ويعلم خبراؤه، أن الأجهزة الرقابية كافة أصبحت تحت يد السلطة التنفيذية، حتى ما كان منها مستقلا بقانون أصبح تحت يدها بنص في الدستور، كما حدث مع القضاء، في التعديلات الدستورية التي تم تمريرها مؤخرًا، وأن انتخابات مجلس النواب تتم بالتزوير وبترتيبات أمنية.

  • يقول البيان أيضا: “جدير بالذكر أن حوالي 77% من أهداف إطار الشراكة تم تحقيقها أو في طريقها للتحقيق بحلول نهاية الفترة الزمنية لإطار الشراكة القطرية” وإذا كانت أهداف شراكة مصر مع البنك الدولي قد تم تحقيقها بالفعل، وأثمرت هذا الواقع الذي أقره البنك في بيانه من زيادة معدلات الفقر، وعدم المساواة، فماذا سيكون واقع الاقتصاد المصري، بعد تمام جميع الأهداف بنسبة 100%؟

 إن عمليات التفريط في الأصول الرأسمالية في مصر تتم على قدم وساق عبر برنامج الخصخصة المفروض من قبل البنك والصندول الدوليين، من دون أن يتم تعويضها، بل الأدهى أن تؤول هذه الأصول لصالح الأجانب، وخير دليل على ذلك ما أعلن مؤخرًا من بيع البنك المتحد المملوك للدولة بنسبة تقترب من 100%، لصالح صندوق استثمار أمريكي.

  • أما إغراق مصر في الديون، واعتماد التمويل بالديون، بدلًا من التمويل الذاتي أو المشاركة، فقد ذكرها بيان البنك على أنها من الإنجازات، حيث ذكر الآتي “وسمحت إصلاحات الحكومة الرئيسية للمالية العامة بتحسين توقعاتها المتعلقة بالقدرة على تحمل أعباء الديون وإعادة توجيه الموارد القليلة للموازنة إلى برامج اجتماعية جديدة تستهدف المواطنين الفقراء والاكثر احتياجا”.
غير قادرة

المشكلة هنا أن أكبر مستهدفات البنك أصبحت أن تكون مصر قادرة على تحمل أعباء الديون، وليس سداد الديون! ولعل ما نشر مؤخرًا عن مشروع موازنة العام المالي بمصر لعام 2019/2020، يبين إلى حد تتفاقم معضلة الديون بمصر، حيث ستزيد أعباء الديون من أقساد وفوائد إلى 944 مليار جنيه، وبما يمثل نسبة 83% من إجمالي الإيرادات المقدرة للعام المالي 2019/2020، والتي قدرت بنحو تريليون و134 مليار جنيه.

 أي أن الحيز المالي المتاح أما صانع السياسة المالية لا يتجاوز 17% من إجمالي الإيرادات المقدرة، وهو مبلغ 190 مليار جنيه فقط. وهو ما يعني أن الحكومة ستقوم بتغطية هذا الفارق من خلال الديون المحلية والخارجية، أي أن مصر ستدور في حلقة مفرغة من الديون خلال السنوات القادمة.

النتيجة الحالية لتطبيق مصر أجندة البنك والصندوق الدوليين مع برنامج نوفمبر 2016، ظهرت نتائجها بوضوح، وبلسان البنك الدولي، أن التركيز على تحسن بعض المؤشرات المالية والنقدية، بتكلفة عالية، لا يعني اصلاح اقتصادي حقيقي، فلم يتغير الواقع الإنتاجي في مصر، ولا يزال الاقتصاد المصري، ريعيًا بامتياز، ولا تتناسب هذه الاستراتيجية مع متطلبات الواقع الاقتصادي والاجتماعي لمصر، ولا مع دورها كقوة إقليمية.

فهل ستفيق مصر بعد فشل استراتيجية البنك والصندوق الدوليين، لتتجه نحو إعادة بناء هياكلها المالية، والمحافظة على ما تبقى من رؤوس الأموال العامة، أم ستستمر في استراتيجية الفشل والدخول مع نهاية 2019 في برنامج جديد مع المؤسسات الدولية؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه