فتنة التوثيق لحكم الرئيس مرسي

 

يقولون في الأمثال “الجيش العاطل تكثر مشاكله”، وهو مثل ينطبق بدرجة كبيرة على قطاعات من رافضي الإنقلاب العسكري وخاصة في بلاد المهجر، والذين يحرصون على اختلاق مشاكل بين الحين والآخر لتعويض حالة البطالة السياسية التي يعيشونها، آخر هذه المشاكل ما ارتبط بسلسلة الشهادات المنشورة على هذا الموقع (الجزيرة مباشر)  لبعض رجال عهد الرئيس الشهيد محمد مرسي، والذين تحدثوا بما لديهم من معلومات أو تحليلات أو تقييمات لذلك العام اليتيم في السلطة، حيث لم تعجب بعض هذه الشهادات فريقا، بينما لاقت استحسان فريق آخر، وطفت على السطح سريعا معركة حامية الوطيس ضد ناقل الشهادات وهو الزميل الصحفي سليم عزوز، وبعض أصحاب تلك الشهادات خاصة الدكتور سيف الدين عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية والمستشار السابق برئاسة الجمهورية إبان عهد الرئيس مرسي.

وهنا ينبغي التنويه إلى عدة حقائق من خلال معايشتي الشخصية.

أولا:

 أن هذه الشهادات ومن بينها شهادتي شخصيا تم تسجيلها في شهر إبريل أو مايو الماضي أي في حياة الرئيس مرسي وليس بعد استشهاده (ربما كان سبب غضب البعض أنه ربط بطريق خاطئ بين ظهور هذه الشهادات ووفاة الرئيس واعتبرها غير مناسبة على الأقل في توقيتها)

ثانيا:

 أن هذه الحلقات لم تكن تستهدف أشخاصا بعينهم من رجال الرئيس، بل سعى الزميل سليم عزوز للتواصل مع كل من ظن أن لديه شهادة، وأنا أشهد على ذلك، وقد حاولت شخصيا مساعدته، وترشيح بعض الأسماء له، فقبل البعض واعتذر البعض، ومن المفارقات أنني حاولت تقديم أسباب للإعتذارات رغم عدم قناعتي الشخصية بها في شهادتي المنشورة (هنا) وقد كانت قبل حدوث الزوبعة بحوالي ثمانية أشهر تقريبا.

ثالثا:

 أن الصحفي لا يلام على عمله المهني، عبر تسجيل شهادات تاريخية تذهب يمينا أو يسارا، والعهدة على أصحاب الشهادات أنفسهم، صحيح أن سليم عزوز ليس صحفيا عاديا بل هو صاحب رأي وصاحب موقف سياسي، وقد هاجر مع من هاجروا دفاعا عن موقفه وثمنا له، وصحيح أنه لم يكن مؤيدا لكل سياسات الرئيس مرسي إلا أنه انحاز للحق فور وقوع الإنقلاب، وأعلن رفضه له مع ثلة من الوطنيين الديمقراطيين الآخرين، المختلفين سياسيا مع الرئيس الشهيد وحزبه وجماعته، ومن الممكن بطبيعة الحال أن يضفي بصمته وموقفه في الحوارات التي أجراها، ولكن مرة أخرى فإن العهدة الأساسية على أصحاب الشهادات أنفسهم.

رابعا:

 أن من قبلوا الإدلاء بشهادتهم مسؤولون عن كل كلمة قالوها أمام الله أولا، وأمام الناس والتاريخ، فلا ينبغي أن يكون للعواطف أو المواقف الطارئة، بسبب خلافات سياسية أو تنظيمية أو إدارية تأثير على تلك الشهادات التي ستترك للأجيال.

خامسا:

 أن توثيق فترة حكم الرئيس مرسي وهي مدة قصيرة (سنة واحدة، لم يستمر بعض الوزراء أو المحافظين فيها في مناصبهم لعدة شهور او حتى أسابيع) هي مهمة وطنية، وتقع بالأساس على رجال الرئيس أنفسهم، فهم الأحق بذلك من غيرهم، فهذه تجربتهم، وإن لم يكتبوا هم تاريخهم وتجربتهم فسيكتبها غيرهم  حسبما يراها من وجهة نظره، ومن الواضح أننا لا زلنا مقصرون في هذه المهمة، ولا استثني نفسي، فقد عزمت على كتابة الجانب الذي يخصني في هذه التجربة وهو الخاص بالإعلام لكن مشاغل حياتية أخرى شغلتني عن ذلك، وأعتقد أن هذا تكرر مع آخرين وهو ليس بعذر في كل الأحوال، ولا تزال الفرصة قائمة لاستدراك الأمر.

سادسا:

 أن التجاوزات التي تعرض لها الدكتور سيف عبد الفتاح بسبب شهادته مرفوضة، فنحن هنا أمام قامة علمية واجبة الإحترام، يمكنك أن تتفق معه أوتختلف، لكن يبقى الإحترام واجبا في كل الأحوال، لعلمه وسنه، وتضحياته، هل نسينا أن الدكتور سيف خرج من مصر عبر الطريق الوعرة التي مر بها الكثيرون وكاد أن يفقد فيها حياته، وكان بإمكانه أن يبقى وأن يداهن ويحافظ على وظيفته الجامعية، ويقضي بقية حياته بين أهله وأبنائه في وطنه؟ أفهم مآخذ البعض على موقف الدكتور سيف حين استقال من موقعه في القصر الرئاسي، ولكن ذلك لا ينبغي أن ينسينا موقفه اللاحق برفض الإنقلاب، وفضحه المستمر له، ودفعه الثمن غاليا في سبيل ذلك  فالأعمال بخواتيمها، كما أن شهادة الدكتور سيف التي تعرض بسببها للنقد والتجريح لم تتضمن كبائر كما ظهر من موقف الناقدين، بل على العكس تضمنت حقائق مهمة أنصفت الرئيس، لم يكن الكثيرون يعرفونها، بتأكيده أن الرئيس نفذ اتفاق فيرمونت بشكل عام، وأنه عرض مناصب عليا على عدد كبير من قادة القوى الليبرالية واليسارية لكنهم رفضوا، وهو ما أثار دهشة محاوره نفسه الذي بدت المعلومات جديدة عليه.

سابعا:

 أن التراشق الذي يجري بسبب هذه الشهادات هو تعبير عن ضيق بالصدور، وغياب لثقافة الحوار وقبول الأراء المتعددة، فالشهادات دائما تحمل مواقف أصحابها، ولا تعبر بالضرورة عن كل الحقيقة، بل عن جزء منها حسب موقع صاحب الشهادة، وبتجميع الشهادات المتعددة، وخاصة حين يخرج السجناء ممن عاشوا أجزاء أخرى من المشهد تكتمل الصورة، لكن التعلل بضرورة الانتظار حتى يخرج السجناء، وحتى تعود الأوضاع الطبيعية هو تعطيل لمهمة وطنية وتاريخية، فقد يطول الانتظار وقد يموت بعض أصحاب المعلومات، وقد حدث هذا بالفعل مع الكثيرين وعلى رأسهم الرئيس مرسي نفسه رحمه الله قبل أن يدلي بشهادته.

ثامنا:

 أن هذه المعارك الوهمية تستنزف الصف الثوري وتقدم خدمة جليلة لنظام السيسي الذي يعاني مشاكل داخلية وخارجية لكنه يجد سنده ومدده في هذه الهدايا التي تأتيه من معارضيه.

تاسعا:

 أن غياب المشروع الوطني الجامع الذي يمثل خارطة طريق لمقاومي الحكم العسكري والراغبين في استرداد المسار الديمقراطي هو الذي يسمح حاليا ومستقبلا بظهور هذه الطفيليات والفطريات السياسية، وأن الواجب الوطني العاجل من كل صاحب مسئولية هو المسارعة بهذا المشروع حتى ينشغل الصف الثوري بالمعارك الحقيقية.

عاشرا:

 أن كل من لديه شهادة عن فترة حكم الرئيس مرسي ولم يسجلها –حتى ولو لم ينشرها مؤقتا لاعتبارات خاصة لديه – فهو مقصر في حق نفسه وفي حق شعبه وفي حق رئيسه وفي حق دينه (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما يعملون).

أخيرا لعلنا جميعا نستفيد من هذه الأزمة العابرة، فيسارع من لديهم شهادات بتسجيلها بأي طريقة يرونها، وتسارع المراكز البحثية الداعمة لمعركة الحرية والديمقراطية بتجميع تلك الشهادات، أو يسارع رجال الرئيس أو جماعته بتأسيس مركز متخصص لتوثيق فترة حكم الرئيس، وإبراز ما شهدته من أحداث وإنجازات وتحديات فهذا أقل ما يمكن أن نقدمه إلى روحه الطاهرة، لقد قصرنا في حقه حيا، ولا ينبغي أن يستمر التقصير في حقه ميتا.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه