غاب البغدادي وبقيت جذوره!

أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة

لا شك أن مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش هو إنجاز أمني لكل من شارك فيه سواء المخابرات الأمنية أو تابعيها من أجهزة الاستخبارات الإقليمية، لكنه لا يعتبر ضربة قاصمة للتنظيم الإرهابي الذي لا يعتمد كثيرا على شخصية محورية فقط، ولديه القدرة كغيره من التنظيمات المسلحة على تفريخ قيادات بديلة بشكل سريع، تكون أكثر شراسة من سابقيها كما حدث مع تنظيم القاعدة الذي حل الدكتور فيه أيمن الظواهري محل أسامة بن لادن في قيادته عقب قتله والتخلص من جثته في مياه الأطلسي وهو ما تكرر مع البغدادي أيضا.
لا يمكن بطبيعة الحال تبرير الإرهاب بأي طريقة، ولكن من المهم معرفة الجذور والأسباب والتربة التي ينبت ويترعرع فيها، وطالما ظل التعامل مع فروع وثمار الشجرة فقط فإن الشجرة ستظل تطرح المزيد من الثمار وتنبت المزيد من الفروع والأغصان، وفي منطقتنا العربية والإسلامية على وجه التحديد تظل التربة صالحة لنمو وترعرع المزيد من التنظيمات المسلحة مع تصاعد القمع والانسداد السياسي، وتغلغل الفساد والمحسوبية والفشل الإداري وكلها مظاهر مصاحبة بطبيعتها لغياب الشفافية والديمقراطية والحرية.

 

صناعة الإرهاب من القوى الكبرى 

يغالط العالم المتقدم نفسه حين يدعي حربا على الإرهاب، وحين يخصص مليارات الدولارات لهذه الحرب، بينما هو بنفسه من يصنع الإرهاب سواء بشكل مباشر عبر صناعة تنظيمات مسلحة وظيفية يستخدمها بطريقته عند اللزوم، أو عبر تهيئة التربة لظهور المزيد من الجماعات والشخصيات المسلحة عبر دعمه للاحتلال الصهيوني لفلسطين أو دعمه للأنظمة العسكرية والعائلية القمعية المعادية لأبسط صور الديمقراطية في المنطقة.
ظلت القوى الكبرى هي الضامن الأكبر لبقاء الكيان الصهيوني واستمرار احتلاله لفلسطين، وأنفقت عشرات بل مئات المليارات من الدولارات لدعم هذا الكيان بشكل مباشر أو غير مباشر، وسدت كل أفق التسوية العادلة لهذه القضية التي كان يمكن لهذه القوى أن تنهيها بجرة قلم لو رغبت في ذلك، وكنتيجة لهذا الاحتلال ودعمه من تلك القوى عمّ الشعور بالظلم والإحباط عموم المنطقة العربية والإسلامية، وظهرت المقاومة المسلحة لهذا الاحتلال من أهل فلسطين وهي مقاومة مشروعة بالتأكيد، ولا يمكن توصيفها “إرهابا”، فحق الدفاع عن النفس كفلته كل الشرائع السماوية والمواثيق والقوانين الوضعية والدولية، لكن فائض الغضب ضد الاحتلال وممارساته ودعم قوى الاستكبار العالمي له، فتح الباب لظهور جماعات مسلحة عابرة للحدود تستهدف مصالح أولئك الداعمين لهذا الظلم ..
وزاد الشعور بالقهر بشاعة مع تصاعد دعم القوى الكبرى للأنظمة المستبدة سواء كانت عسكرية أو ملكية أو مشيخية في المنطقة، فقد أظهر هذا الدعم للاحتلال ومن بعده للأنظمة المستبدة أن تلك القوى الكبرى لا تزال تتعامل مع المنطقة بعقلية المستعمر القديم الذي لا يرى شعوب هذه المنطقة سوى أشباه حيوانات لا تستحق حرية ولا ديمقراطية، ولا تنمية، وأن ما عليها سوى أن تقبل بما يلقى إليها من بقايا طعام أو شراب تسد به جوعها وتطفئ به ظمأها، وليس لها أن تناقش أمور الحكم، ولا أن يكون لها رأي في إدارة شؤونها، وتحديد أولويات الإنفاق من مواردها الطبيعية، ومحاسبة الفاشلين والفاسدين والناهبين لثرواتها سواء من أبناء جلدتها أو غيرهم من المستعمرين الأجانب الذين يتخذون شكلا عصريا.
لقد ازداد وعي شعوب المنطقة كما نرى في تحركات الشوارع العربية الآن في العراق ولبنان والجزائر والسودان وقبلها في الموجة الأولى للربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، ومع ازدياد الوعي تزايد الشعور بالظلم والقهر، وتزايد الشعور بدور القوى الكبرى في ذلك، فكان الغضب منصبا عليها، واتخذ هذا الغضب أشكالا متنوعة من ردود الفعل منها المشروع ومنها غير المشروع، لكن في النهاية هذا هو حصيلة ما زرعت تلك القوى التي لا تزال تدعم الأنظمة المستبدة وترفض دعم تحركات الشعوب لنيل حريتها وكرامتها.
 

“إرهاب” غير محدد المعالم

تعقد الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، وغيرها من المؤسسات والمنظمات، العديد من الورش والمؤتمرات، واللقاءات سنويا بهدف صياغة المزيد من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الإرهاب الذي لم تستقر على تحديد تعريف واضح وموضوعي له، وتقفز المنظومة الدولية على التعريف المطلوب إلى تقديم جملة من الجرائم التي تمثل قاسما مشتركا من الهموم للدول الكبرى لتعتبرها إرهابا ينبغي على العالم التضافر ضده، وهو ما فعلته الحكومات المحلية خاصة في بلداننا العربية والإسلامية أيضا إذ حددت جملة من التحركات ضد الأنظمة الحاكمةلتعتبرها إرهابا ينبغي مقاومته، وتدعو العالم للتضامن معها في ذلك.

تذهب غالبية اجتهادات المفكرين الغربيين إلى أن ما يميز العمل الإرهابي هو طابعه الأيديولوجي، فوفقا لتعريف إيريك دايفيد فإن الإرهاب هو عنف إيديولوجي يرتبط بأهداف سياسية ، ويعتبره صالدانا “كل جناية أو جنحة سياسية يترتب عنها الخوف العام”،  وعرفه ليسرير وهو أحد كبار المسؤولين الأمريكيين المكلفين بدراسة موضوع الإرهاب، بأنه ” النشاط الإجرامي المتسم بالعنف الذي يهدف إلى التخويف من أجل تحقيق أهداف سياسية”، وقد تجاهلت كل هذه التعريفات حق الشعوب في مقاومة الاحتلال، وحقها في فرض إرادتها، ومع ذلك فلو قبلنا هذه التعريفات على علاتها، فإنها تنطبق على العمليات الإرهابية التي تحدث في الغرب بدوافع سياسية وعرقية ودينية على يد مسلحين بيض، ويروح ضحيتها عشرات أو مئات الضحايا سواء من أبناء جلدتهم مباشرة أو من غيرهم من الوافدين على تلك المجتمعات وخاصة المسلمين، كما وقع في العديد من العواصم الغربية مؤخرا وأحدثها باريس، ومع ذلك يبتلع المسؤولون الغربيون والإعلام الغربي ألسنتهم، ويبحثون عن توصيفات ناعمة لهذه العمليات الإرهابية لأنها تصدر من بيض مسيحيين وليس من ملونين مسلمين.
سيظل الإرهاب قائما مع رفضنا الكامل له، وتضامننا جميعا ضده، طالما بقيت أسبابه، ولن يغيب بغياب أبو بكر البغدادي أو أبو مصعب الزرقاوي، أو أبو أنس الليبي وغيرهم من قادة، ومن قبلهم جميعا أسامة بن لادن، من يريد محاربة الإرهاب لا ينظر بعيدا بحثا عن أشباح وأوهام ولينظر أسفل قدميه ليرى مسببات هذا الإرهاب ويقتلعها فيختفي الإرهاب تلقائيا.
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه