عندما يريد النظام دستورا بنوايا سيئة!!

منذ عام تقريبا وبالتحديد فى 19 من يناير 2018، قال السيسي خلال كلمته بمؤتمر حكاية وطن،” إن الدستور السابق- يقصد دستور ثورة يناير الذي وضع عام 2012-  كان يكرس ويعطي سلطات شبه مطلقة للحاكم، مُشيرا إلى أنه حدث عليه توافق وانتخابات، وأعطى شرعية وهو وحده من يتحدث، وكان الغرض منه هو استمرارهم في الحكم، – وهو يقصد الإخوان بالطبع -، ولكن والكلام للسيسي ” الدستور الحالى متقدم ومتطور يحقق آمال المصريين على مستوى السنوات القادمة ” وهو هنا يقصد دستورهم الذي وضع عام 2014.
هذا هو كلام السيسي منذ عام، فماذا حدث وجعل الدستورغير صالح ويحتاج للتعديل فى بنود كثيرة تكرس للدكتاتورية ولبقاء الحاكم فى منصبه بسلطات واسعة، لدرجة تظن معها أنه ليس تعديلاً ولكنه انقلابا على الدستور.

دستور بنوايا حسنة

 هل كان الدستور كما قال السيسي من قبل إنه دستور كتب بنوايا حسنة وطيبة ؟!، ولذا يحتاج لدستور يكتب بنوايا خبيثة وسيئة ، لأن من يطالع التعديلات المقترحة والتى عرضت على مجلس النواب يجد أن المطروح ليس تعديلا للدستور فقط ، وإنما دستور جديد لأن الدستور الحالي يتحدث عن نظام شبه ديمقراطي، والمقترح نظام دكتاتوري وبه عدة تعديلات كارثية ، برغم أنه توجد مادة فى الدستور تمنع تعديل أي من مواده لاسيما الخاصة بمدد الرئاسة أو لصالح صلاحيات الرئيس وهى المادة 266 والتى تنص فى نهايتها على ” وفى جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أوبمبادئ الحرية، أوالمساواة، ما لم يكن التعديل متعلقًا بالمزيد من الضمانات ” ، فأين المزيد من الضمانات فى التعديلات المطروحة وهى التى تتعلق بمدة فترة الرئاسة ومدة الدورات التى يترشح لها الرئيس .
قد يجد البعض أن ما يحدث فى مسألة تعديل الدستور معركة فاسدة من أجل دستور فاسد وهذا حقيقي بالطبع، ولكن دعونا نمد الحبل على استقامته ونتعامل مع المسألة بحسن نية كأننا نعترف بهذا الوضع وهذا الدستور الذي تم تعديله مرتين خلال 6 سنوات وتم إيقاف العمل بدستور ثورة يناير بعد الاستيلاء على الحكم، إلا أنهم ضربوا بدستورهم عرض الحائط أكثر من مرة وها هم يكتشفوا المفاجأة وهي أن دستورهم وضع بحسن نية، ولذلك انبعث من يبرر ضرورة تعديل الدستور فهم يريدون دستورا سيء النية إذن.

لا نعبد الدستور

فقد خرج الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأخبار والمقرب من السلطة  من خلال عدة مقالات فى صحيفة أخبار اليوم  ليفرش الطريق أمام تعديلات يراها ضرورية للحفاظ على الوطن على أن يكون للسيسي وللجيش دورا فى الحياة السياسية حتى وإن انتهت مدته ، فهو يريده مثل المرشد الأعلى لما يسمى بثورة 30 يونيو، وذلك على غرار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية ، ولأن ياسر رزق لا يتكلم من فراغ وإنما بتعليمات من النظام فقد تباري المنتفعون والمشتاقون فى دوران ماكينة الترويج لتلك التعديلات من خلال الأصوات الصحفية التابعة أو المستفيدة أو التى ترى أن الدستور ليس قرآنا .
وقد انبرى الكاتب الصحفى مرسي عطا الله، رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام الأسبق، وكتب عدة مقالات فى الأهرام تحت عنوان ” نحن لا نعبد الدستور” ليؤكد فى مقالاته أن المشرع عندما وضع الدستور كان يعلم أنه تلبية لحاجات مجتمعية وهى دائما فى تطور مستمر ومن ثم ينبغى أن تكون هناك قدرة على تعديل الدستور ليتلاءم مع الحاجات المستجدة.
ولم يتحدث مرسي عطا الله عن الذي جد وتغير ، ولكنه قال استمرارا لمباراة التبرير : ” لقد أنجزت مصر بفضل ثورة 30 يونيو قفزة هائلة لإنهاء المرحلة الانتقالية الصعبة بعواصفها الهائجة والتى شهدت مولد دستورى – 2012 و 2014 – وأصبحنا نقف الآن على أرض ثابتة فى دولة مستقرة تستحق دستورا يولد ولادة طبيعية وبما يضمن له الدوام باعتباره ركيزة راسخة ليست قابلة للتعديل مستقبلا إلا عند الضرورة القصوى لأسباب جدية تتعلق بمصلحة الوطن التى تعلو فوق أى اعتبار ” ، وهكذا يعزف الجوقة نفس اللحن أن دستوري 2012 و2014 ولدا فى ظروف مختلفة والأمور تغيرت فلماذا لا نغير الدستور ؟!

فن التبرير

ومن الذين تم استدعاؤهم عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، ورئيس لجنة إعداد دستور 2014 في مصر، الذي لم يمانع في تعديل الدستور فى حواره مع عمرو أديب ولكنه اقترح أن يناقش باحترام واحتراف، وقال خائفا مذعورا “أنا لست صاحب الدستور وبعد الانتهاء منه انتقلت إلى مكان المواطن”، وبعدها وبطريقته الدبلوماسية المعهودة صرح بضرورة أن يكون هناك حوار وطني يشمل المعارضين بشأن مقترحات تعديل الدستور.
وعلى نفس اللحن والتغريد جاء سامح عاشور نقيب المحامين وعضو لجنة الخمسين  فى دستور 2014، ليؤكد أن الدستور الحالى ليس الأفضل ويمكن تعديله بإرادة شعبية ، مؤكدا وكأنه يقول مفاجأة أن الدساتير يصنعها البشر من أجل تحقيق مصالحهم، لكنهم عندما يستشعرون أن هناك ما هو أفضل فيمكن أن يجرى التعديل طالما أنه لا مساس بالمواد فوق الدستورية وأن هناك إرادة شعبية لذلك قائلا بأريحية يحسد عليها :” إحنا مخترعناش الدستور”، وعندها لا تمتلك إلا أن تصفق له وتقول له ” أنت معلم ” لأنه تفوق على مباراة الآخرين فى نفاقهم وتضليلهم للشعب من خلال التودد للنظام .
ولم يكن الدكتور مصطفى الفقى رئيس مكتبة الإسكندرية ومنظر كل العصور بعيدا عن الحفلة المنصوبة لمولد تعديلات ” سيدي الدستور ” فقد قال لا فض فوه إن الدستور ليس صنما لنعبده وتعديله ليس بالأمر الخطير من وجهة نظره ، فالرجل كان من نظام مبارك ثم أصبح ضيفا على الفضائيات بعد ثورة يناير ليكيل لمبارك وعهده الاتهامات ، ثم دغدغ مشاعر الإخوان عندما كانوا فى السلطة وتصور أنهم من الممكن أن يساعدوه ليصبح الأمين العام لجامعة الدول العربية أو حتى وزيرا للخارجية، وعندما لم يحدث انقلب عليهم ، ليمشى فى ركب السيسي حتى من عليه برئاسة مكتبة الإسكندرية ليعود مطبلا للنظام فهو متسق مع تاريخه ومع شخصيته .

الهروب للأمام

وبعيدا عن هؤلاء فإن السيسي ونظامه ليس أمامهم إلا طريق واحد وهو الهروب للأمام والاستمرار فى الحكم شاء من شاء وأبى من أبى ، فهو نظام بات خائفا مذعورا حتى من أقرب الناس إليه فهو يخشى القادم ، ولن يتنازل عن الحكم بمحض إرادته لأنه يعرف أنه لو فعل هذا فهو يسلم رأسه كمن أقبل على الانتحار ، لذلك كل ما يفعله من تعديل أو تكريس لسلطته لكي يستمر في الحكم شيء لابد منه حتى لا يسترد الشعب ثورته ، لأن العدوات التى صنعها مع كافة الاتجاهات ، وما فعله من تفريط فى الأرض وفرض ديون ومعاهدات تضر بالأمن القومي والوطن ، لن تجعله يترك الأمر بسهولة ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم ..
إنها تعديلات تليق بحكم شمولي.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه