عندما تصاب السلطة بالسعار ؟!

” بصفتي ابنة المستشار هشام جنينة أود أن أوضح أن هذا البيان تمت صياغته بعد استشارة العديد من الأطباء داخل مصر وخارجها وأكدوا أن الحالة التي يعاني منها والدي تسمى “Post Traumatic Stress Disorder (PTSD)” أو اضطراب ما بعد الصدمة وذلك من جراء الاعتداء الوحشي الذي تعرض له، وهذا لا ينتقص بأي حال من الأحوال من قيمة وقامة والدي ولكنه ظرف صحي طارئ قد يتعرض له أي إنسان مر بتجربة أليمة كالتي تعرض لها والدي، وأطلب من الجميع احترام هذا الظرف الذي نمر به دون مزايدة على مواقف والدي أو اتهامه باتهامات باطلة “

الكلمات السابقة كتبتها على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي ” فيس بوك ” نهى هشام جنينة ابنة المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات الذى أطاح به السيسي وفق قانون تم إقراره خصيصا لأجهزة الرقابة التي لا يسمح الدستور بعزلها من قبل رئيس الجمهورية ، وقالت نفس الكلام زوجة المستشار جنينة السيدة وفاء قديح تعليقا على البيان الذى أصدره الدكتور حسام لطفي ممثلاً لهيئة الدفاع عن المستشار جنينة، و قال فيه إن جنينة كان يعاني من صدمة نفسية نالت من توازنه العصبي، وأن ما كتبه له الأطباء من مسكنات ومهدئات ذات آثار سلبية يقينية على الوعي والإدراك الكاملين، وهو ما يجعل مما سجل له وما يدلي به من أقوال في تحقيقات النيابة العسكرية لا يعبر عن إرادته الواعية، ويستوجب وقف التحقيقات الحالية والمواجهات الجارية وعرضه دون إبطاء على فريق طبي.

سعار السلطة

ولأن السلطة أصابها السعار ولأن السعار كما هو معروف طبيا مرض معدٍ يصيب حامل المرض والمسعور أيضا، فإن السلطة ليست وحدها التي تتخبط، ولكن حتى من تحاربهم أو يعارضونها أصيبوا بنفس الحمى ولكن بصورة عكسية فأصبحوا يتخبطون في تصريحات وأفعال تجعلهم تحت رحمة حالة السعار هذه.

ولأن جنينة وأسرته ليسوا مناضلين أو أصحاب قضية ولكنهم بالبلدى وجدوا أنفسهم متورطين بسبب تصريحات عنترية غير محسوبة ، فإن الأسرة وهيئة الدفاع عن جنينة يبحثون عن مخرج ولو من وجهة نظر البعض مهينا لخروجه من هذه الورطة التي من الواضح أنه لم يعمل لها حسابا ، وهو ليس بالرجل الثوري أو السياسي أو المناضل لأنه في النهاية كان يعمل ضابطا ثم قاضيا قبل أن يتولى رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات وحتى بعد تنحيته عن منصبه كان يبذل ما في وسعه للتقرب للسيسي ، ولكن سبق السيف العزل بعد تصريحاته عن الفساد الذى بلغ 600 مليار جنيه – حسب قوله – والذى طال جهات سيادية لم يفصح عنها حينها ، ولكن تمت الإطاحة به وتوجيه اتهامات له بترويج تهم كاذبة وتمت محاكمته وصدر حكم بحبسه سنة وتغريمه 20 ألف جنيه بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ .

ثم حدثت محاولة خطفه وضربه مؤخرا في منطقة التجمع الأول شرق القاهرة، بعد أن اختاره الفريق سامى عنان رئيس أركان الجيش المصري السابق نائبا له عندما أعلن نيته للترشح قبل أن يتم استدعاؤه للتحقيق لدى النيابة العسكرية ومازال رهن التوقيف بسبب البيان الذى أذاعه يعرب فيه عن نيته للترشح، وكان ضمن البيان اختياره للمستشار جنينة نائبا له إضافة للدكتور حازم حسنى

لا تجعلوا من جنينة بطلا

لا أعرف سببا يجعل من المستشار جنية يفتح فمه كل فترة ويدلي بتصريح يتسبب له في مشكلة أكبر من الأخرى ويخرج من حفرة ليقع فى “دحديرة ” ، فبعد الحكم الذى صدر ضده في 28 / 7/ 2016 من محكمة جنح القاهرة الجديدة في مصر بحبسه سنة وتغريمه 20 ألف جنيه بتهمة نشر أخبار كاذبة عن الفساد وكفالة 10 آلاف جنيه لوقف التنفيذ، جاءت تصريحاته الأخيرة  بشأن امتلاك الفريق عنان لمستندات خطيرة تدين قيادات في الدولة تم تسريبها للخارج وسوف يقوم بنشرها في حالة حدوث مكروه لعنان، وهو تصريح لا يقوله شخص عاقل مطلع على حالة السعار التي أصيبت بها السلطة مؤخرا، ولكن لأنه كما قلنا هو في النهاية موظف وليس سياسيا وليس صاحب فكر أو معتقد  أصبح كالدبة التي قتلت صاحبها، فهو بسبب هذه التصريحات يواجه تهمتين، الأولى تشويه سمعة سامى عنان، بموجب البلاغ المقدم منه ضد “جنينة”، وحصل فيه على إخلاء سبيل وغرامة مالية، والثانية نشر أخبار كاذبة بحق الدولة المصرية ومؤسساتها، وهى التهمة الصادر فيها قرار بحبسه 15 يوما على ذمة التحقيق، وما زال قيد الحبس بموجبها ، ولا نعلم هل جنينة عنده علم أم ليس عند جنينة الخبر اليقين ؟!

معركة تكسير العظام

لقد أعلن الفريق شفيق عن نيته الترشح في فيديو نشره، ليأتي بعده بساعات لينشر فيديو أن دولة الأمارات تحتجزه وتمنعه من السفر، لنفاجأ به بعدها بأيام عائدا للقاهرة في طائرة إماراتية خاصة وكأنه تم ترحيله مع احتجاز بناته في الإمارات ليتم تحديد إقامته، وبعدها يعلن عدم ترشحه للرياسة، ولكن يظل محدد الحركة والإقامة حتى إشعار آخر لتنتهي قصة شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك مبكرا وقبل أن تبدأ.

وفى نفس السياق أو الصراع المكتوم ظهر الفريق سامي عنان ليعلن عزمه الترشح لمنصب الرئاسة في فيديو تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، ليبدأ بعدها الهجوم على الفريق عنان رئيس أركان الجيش المصري السابق وتوجيه اتهامات له بالفساد وغيره من خلال الأبواق الإعلامية الخاضعة للسلطة المصرية، ولم نسمع منهم اسطوانة أنه رجل من الجيش المصري العظيم وصاحب خلفية عسكرية وخلافه، لتدور حمى السعار لتكيل الاتهامات للرجل لمجرد نيته للترشح وتعمل على اغتياله معنويا.

ثم يتم إلقاء القبض على الفريق عنان لمحاكمته عسكريا بتهم مخالفة النظم واللوائح العسكرية ويتم توقيفه ومنع النشر في قضيته ليسدل الستار مؤقتا على محاولة الفريق عنان للترشح لتنتهي أيضا قصة رئيس أركان الجيش المصري السابق مؤقتا أيضا.

بعد القبض على عنان يعلن المحامي الحقوقي خالد على الذى كان يعتزم الترشح منذ فترة عن انسحابه بسبب محاولة التضييق والقبض على المرشحين ، وذلك قبل إغلاق باب الترشح للانتخابات بيومين ، لنرى لأول مرة في التاريخ سلطة تبحث عن مرشح ينازل الرئيس في الانتخابات ووقع الأمر على السيد البدوي رئيس حزب الوفد الذى وجد معارضة قوية من حزبه لينسحب قبل أن يبدأ ، ويتفتق ذهن من أصيبوا بحمى السعار عن ترشيح صاحب حملة المشير السيسي بذات نفسه موسى مصطفى موسي رئيس حزب الغد  ، والذى يجلب التوكيلات لترشيح السيسي ، ولكن في دولة اللامعقول يتم اختياره لتمثيل دور المرشح الذى يقف ضد السيسي في سابقة هى الأولى من نوعها قبل إغلاق باب الترشح بساعات ، ليتم توفيق أوضاعه واستكمال أوراقه وتوكيلاته كل ذلك في 6 ساعات !!!

سجن أبو الفتوح

لم تكتف السلطة بالقبض على المرشحين أو من أعلنوا نية ترشحهم مثل الضابط أحمد قنصوه أو الفريق عنان أو إبعاد آخرين مثل الفريق أحمد شفيق أو اصطناع قضية للمرشح الحقوقي خالد على ، ولكن حتى تكتمل الصورة يتم القبض على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية والمرشح الرئاسي الأسبق بتهمة إجراء حوار مع قناة الجزيرة ، رغم أن ما يقوله أبو الفتوح يصرح به دائما ولم يخطئ في حق الدولة ولا رئيسها  ، وكانت التهمة الجاهزة له نشر وإذاعة أخبار كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية للبلاد، وتولى قيادة بجماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصيةِ للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وشرعية الخروج على الحاكم، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر .

البعض يشبه هذه الفترة بشهر سبتمبر في أواخر عهد الرئيس محمد أنور السادات واعتقاله لجميع معارضيه من كافة الأطراف والتي  انتهت باغتياله بعدها بشهر تقريبا ، ولكن الحقيقة ليس هذا ” شتاء الغضب ” وليست المعارضة على قلب رجل واحد ، فلا نجد اتفاقا حتى في مؤازرة المعتقلين من قبل المعارضين فهذا يشمت في شفيق وهذا يشمت في عنان وهذا يشمت في جنينة وهذا يشمت في أبو الفتوح ، وهذا يشمت في الرئيس مرسي ، وهذا يشمت في الإخوان ، وآخرون يشمتون في نشطاء 6 أبريل، وكل لديه حجته ، وكل لديه ما يبكى عليه فقد تفرق الجمع منذ أن بدأت الثورة المضادة تعمل على تفتيت الكتلة الصلبة لتنشطر إلى شظايا متفرقة جعلت السلطة تنهشهم فردا فردا وقد أصيبت بالسعار.

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه