عصام تليمة يكتب: الأسرة الإخوانية.. توجيه أم تشويه؟!

عصام تليمة*
حتى لا يكون عنوان المقال غامضا، أو يأخذه البعض على عموميته، فالمقصود هنا بالأسرة الإخوانية، هي أصغر وحدة من وحدات الجماعة، فكيان الجماعة يتكون تنظيميا، من أفراد، هؤلاء الأفراد ينضمون في مجموعات تسمى بـ (الأسرة)، مجموع الأسر يكون في كيان تنظيمي يسمى (الشعبة)، إلى آخر تكوينات الإخوان، هذه الأسرة الإخوانية يجتمع أفرادها، ويكون مسؤولا عنها شخص يسمى (النقيب)، وهي كلمة ليست مأخوذة من نقيب الشرطة، بل من النقباء نسبة لنقباء الصحابة في بيعة العقبة، وما ورد في قوله تعالى عن الأسباط: (اثني عشر نقيبا)، يتبع هذا النقيب في التنظيم الإخواني لجنة (التربية)، تتعاون الأسرة ولجنة التربية على تأكيد معاني، وقيم، وتواصل يحافظ به على الفرد والكيان، والتواصل مع الجماعة سواء على مستوى أدبياتها، أو قيمها وأخلاقها، أو الاشتراك المالي، فهي القناة الرئيسية التي يتعامل فيها كل فرد في الإخوان داخل التنظيم. وهذه المعلومات ليست سرا، بل منشورة في كل أدبيات الإخوان، ومواقعها، والرسائل العلمية التي تناولت الإخوان، أو جانبا معينا منها.
وقد تحدث حسن البنا رحمه الله عن أركان هذا الكيان المهم داخل الجماعة، حتى يتم المحافظة عليه، وأن يؤدي دوره كما هو مرسوم له، مخافة أن ينحرف به فرد، أو توجه بعيدا عن رسالته الأصلية، وأنها أركان ثلاثة: التفاهم، والتعارف، والتكافل.
وللأسف جاءت أزمة الإخوان الأخيرة، لتكشف أن الخلاف نزل من مستوى القيادات ليستخدم فيه كذلك الصف الإخواني، وبدلا من أن تترك هذه المؤسسة التربوية داخل الجماعة حصنا بعيدا عن النزاعات، وتكون طرفا للحل، لا طرفا في سكب مزيد من الزيت على النار، إلا أنه للأسف أقحمت في هذا الأمر إقحاما، يخرجها عن رسالتها، ويكون بمثابة المسمار الأخير في نعش الجماعة، إذا لم يتدارك العقلاء الأمر، بتنحية الأسر الإخوانية عن خلافات قياداتها، ولتظل مؤسسة تجمع الأفراد على أقل درجات الأخوة، وهو ما عبر عنه حسن البنا بقوله: أعلى درجات الأخوة: الإيثار، وأدناها: سلامة الصدر، أي سلامة صدر الأخ من أخيه من كل ما يعكره نحوه.
فهل نزول هذه الخلافات على هذه المؤسسة الإخوانية، سيعمق معاني الأخوة، أو على الأقل أدنى درجاتها؟ هل ستسلم الصدور عندما تصر فئة من أصحاب الخلاف استخدام هذه المؤسسة لصالح فئة تؤيدها؟
وهل من سلامة الصدر، أن تتحول هذه المؤسسة التي تحافظ على أخلاقيات الأفراد، أن تكون منبرا لطرف، أو طرفا في النزاع بالأساس، هذا ليس مقبولا، إذا كنا نلوم على حكم العسكر اتخاذه التعليم وسيلة لتمرير أفكاره، واتخاذه مؤسسات الدولة قناة يلقي فيه ما يريد لنصرة رأيه، فكيف نقبل داخل جماعة إسلامية، شعارها: الله غايتنا، بأن نمارس أسوأ أنواع الاستغلال لمؤسسات الجماعة، وأنا ضد هذه الممارسات التي يمارسها كل طرف، سواء من استغل الأسر الإخوانية، أو المنابر الإعلامية لينفرد برأيه، مقصيا الرأي الآخر، مؤسسات الجماعة يجب أن تظل بعيدة عن هذا النزاع، فعليها أن تجمتع على المنهج، والفكر، لا على الأفراد أيا كانت قيمتهم وتاريخهم، ومواقعهم.
هل ما يتم هو من باب: التفاهم والتكافل والتعارف، هل من التفاهم أن يتناحر طرفان، وتقحم مؤسسات الجماعة في هذا التناحر، هل من التكافل أن تتكافل مع فرد ضد فرد بتشويه سمعته وتاريخه؟ هل تعلَّم أحد في الإخوان، أن الأسر الإخوانية، كانت مرتعا في يوم من الأيام لتشويه أفراد من الجماعة، أو من خارجها؟ تتحول إلى أماكن للغيبة والقذف في سمعة الأفراد، لخلاف معلوم للجميع أنه على صلاحيات وليس على فكر أو أخلاقيات، في أي أدبية من أدبيات الإخوان قرأنا هذا الكلام، في أي مرحلة تاريخية من تاريخ الجماعة قرأنا هذا؟ ألم يقرأ الجميع في رسائل البنا من خصائص دعوة الإخوان: البعد عن الطعن في الأشخاص أو الهيئات، كل هذه الممارسات دخيلة على الجماعة، ويجب محاسبة كل من قام بها، وعلى كل الأفراد رفض هذه الممارسات، لأنها اختطاف للجماعة وقيمها وتاريخها، ويجب منع هذا الاختطاف، والانزلاق بأخلاقيات الصف لهذا المنحدر الخطير.
_________________________________

*باحث إسلامي مصري 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه