عبير موسي .. والغنوشي .. والمخاطر على تونس

عبير هي من تثبت عدم إيمانها بالديمقراطية والحرية والحقوق التي تتباكى عليها، وممارساتها، التي تمثل تنمراً فجاً، تدل على أن حزب حركة النهضة وبقية الأحزاب التونسية أكثر احتراماً

 

عندما تتهم عبير موسي حزب حركة النهضة بأنه لا يحترم الديمقراطية، ولا يؤمن بالحرية، فإنها تكشف عن منطق يجافي الواقع، والممارسات العملية، وارتفاع منحنى عدوانيتها الشخصية – ربما – أو الموجهة من أطراف ما، لتيار سياسي له خلفية إسلامية يقدم ممارسة إيجابية متواصلة بالانخراط في الحياة السياسية التونسية وفق أسس وطنية ومدنية وديمقراطية.

إسقاط الغنوشي

النائبة التي ترأس الحزب الدستوري الحر هى من تثبت عدم إيمانها بالديمقراطية والحرية والحقوق التي تتباكى عليها، وممارساتها، التي تمثل تنمراً فجاً، تدل على أن حزب حركة النهضة وبقية الأحزاب التونسية أكثر احتراماً لقيم الديمقراطية من عبير والمتحلقين حولها، فهذه الكيانات تتفق وتختلف وتشتبك وهدفها الحفاظ على تجربة التحول بأمان، بينما حزب عبير يقدم ممارسة سياسية مثيرة للشكوك حيث يتحرك منذ دخل البرلمان للهدم في الكيان الذي يتم بنائه منذ عقد من الزمان.

موسي تقود كتلة مكونة من 16 نائباً يناوئون النهضة، ورئيسها راشد الغنوشي، ويسعون لإسقاطه من رئاسة البرلمان، وضجيجهم لا يضيف للديمقراطية، بل هو إساءة لها ولفضاء الحرية، وسلوكياتهم تعكس صورة غير مريحة عن محاولة أقلية فرض ديكتاتوريتها ومنطقها الإقصائي على حزب الأغلبية، والسعي لتغيير المشهد السياسي بوسائل غير سياسية.

هذا الحزب الذي يمثل نسبة محدودة من جملة عدد نواب البرلمان يتصرف وكأنه وصي على تونس دولة وشعباً ونظاماً ومؤسسات، وعندما تتعثر مساعي رئيسته لسحب الثقة من رئيس البرلمان، فإنها تلجأ ومن معها إلى مزيد من الصراخ والضجيج وإلقاء الاتهامات جزافاً على النهضة ونوابها ورصيدها السياسي كحزب رئيسي مع أحزاب أخرى ضامنة لاستقرار تونس منذ نجاح ثورتها عام 2011.

امتداد لحزب بن علي

عبير موسي وحزبها امتداد للحزب الحاكم الذي سقط مع زوال نظام بن علي، وهو لم يكن حزباً ديمقراطياً، كان يحتكر الحياة السياسية، وورثة هذا الحزب هم استمرار لممارسات الاستبداد والاحتكار، وليسوا دعاة للديمقراطية والحوار الراقي مع الخصم السياسي رغم أنهم فازوا عبر الديمقراطية، وبسببها يتواجدون في المشهد السياسي، لكنهم بدلا من أن يساهموا في تعزيز نهج الحكم الدستوري فإنهم يعملون على تشويهه.

اعتصام نواب هذا الحزب في البرلمان كان أحد مظاهر التعطيل العمدي لعمل المؤسسة التشريعية، والاعتصام في حد ذاته اتهام لـ”موسى” وكتلتها باحتقار الديمقراطية، إذ لماذا الاعتصام ومنع المجلس التشريعي من القيام بواجباته بينما البرلمان متاح أمامهم لطرح كل ما يريدونه من مطالب واقتراحات؟

وعندما يتجهون للبرلمان فلا يكون ذلك للتفاني في خدمة الشعب، إنما في عمل ظاهره ديمقراطي، وجوهره مثير للريبة، حيث قدموا طلباً لسحب الثقة من الغنوشي، وإذا كانوا فشلوا في تمريره بالأغلبية النيابية المطلوبة، فإن ماكينة إنتاج أفكار الأذى لن تتوقف.

 طريق العناد السياسي والشخصي أكبر معطل ومعوق للمؤسسات وعملها، وهو أخطر وسيلة لنشر الإحباط لدى الناس وإفقادهم الثقة في طبقة السياسة والحكم.

اعتصام البرلمان يمكن أن يكون مبرراً عندما تكون أبواب العمل السياسي والتشريعي والتنفيذي مغلقة في وجه مطالب وشكاوى المشاركين في العمل العام، لكن حالة تونس فريدة عربياً، فالبلد يشهد منذ نجاح ثورته تعزيز الحالة الديمقراطية، وتكريس الحريات، وفتح المجال العام كاملاً، والشعوب العربية تغبط التوانسة على رحابة السياسة والحريات، ذلك أن تجربتهم في التحول لم تتعرض لانتكاسة كما حصل في كل بلدان الربيع العربي مع موجته الأولى.

فشلت محاولات الحزب

لم نجد حزباً محدود التواجد البرلماني في أي بلد ديمقراطي في العالم يحاول فرض أجندته على حزب الأغلبية وعلى البرلمان بكل مكوناته الحزبية وعلى الرئاسة والحياة العامة والشعب التونسي بالقوة وبالممارسات الضارة بالدولة والنظام السياسي، بل يجعل من نفسه أغلبية حاكمة تقرر ما تشاء للآخرين.

فشلت محاولات الحزب في الحشد الجماهيري، وصنع حالة شعبية مضادة للنهضة فلا المظاهرات الحاشدة تحققت، ولا الجمهور تدفق على ساحة باردو، ولا جبهة الإنقاذ التي سعوا لتشكيلها اكتملت، ولا كانت مقنعة، ومثل هذه الخطوات الخطرة تم تجريبها في مصر قبل سبع سنوات، وأطاحت النظام المنتخب آنذاك، لكنها لم تحفظ الديمقراطية ومسارها، لهذا يرتفع الحنين لنظام مبارك بكل هوامشه المحدودة في الحرية والتحرك والتنفس رغم استبداده وفساد وسوءات نظامه، فهل الهدف الخفي للنائبة ورفاقها إدخال تونس في نفق مظلم تمهيداً لاستعادة الديكتاتورية القديمة في شكل جديد؟

تصريحات قيس سعيد

تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد المتتالية تحمل وجهين فهى تُفسر في وجه بأنها تستهدف النهضة والغنوشي ومساره وتصريحاته وتحركاته التي قد تتجاوز صلاحياته أحياناً، خاصة في ملفات إقليمية ومنها ليبيا والعلاقة مع تركيا، وتُفسر في الوجه الآخر بأنها موجهة ناحية عبير موسى ومن يحذو حذوها بأنهم قد يلعبون في الداخل بإيعاز من أطراف خارجية أو لمصلحة هذه الأطراف للتأثير في اكتمال عقد الديمقراطية الأول في البلد، ومحاولة إعادة عقارب الساعة للوراء، وهذا يعني أنه يدرك حجم المخاطر الداخلية والخارجية التي تحيط ببلاده، لكن عليه أن يكون أكثر تحديداً، فالغموض هنا غير بناء، ومع هذا نتصور أنه لن يكون أقل من الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي في الحفاظ على التجربة، وصد كل المخططات والمؤامرات الخارجية رغم المغريات، وضبط عمل المؤسسات وفك الاشتباك مع المؤسسة التشريعية واستعادة الانسجام والوئام بينه وبين الغنوشي وهذا ييسر تشكيل حكومة ويسهل عملها لمصلحة الشعب الذي يعاني.

والنهضة يجب أن تستوعب رسالة الداخل حيث إن تصويت 97 نائباً لسحب الثقة من رئاسة زعيمها راشد الغنوشي للبرلمان ضربة قوية للحزب وله واهتزاز لهيبتهم وقد يصعب لهم تحريك المشهد كحزب أغلبية، إذ يمكن أن تتسع التكتلات المضادة وتتماسك وتعزل الغنوشي وحزبه وتحولهم إلى كتلة برلمانية غير مؤثرة في قرارات البرلمان والحكومة والحياة السياسية.

الطرف الخارجي

النواب والساسة والنقابات وكل القوى الشعبية المؤثرة مطالبون بمواجهة من يستغلون وجودهم في البرلمان والحياة السياسية لهدم التجربة، وصد كل من يضعون أنفسهم في خدمة طرف خارجي كاره للديمقراطية ويخطط لتخريب تونس بأي ثمن حتى لا تبقى في الخريطة العربية نقطة ضوء واحدة، وبذلك يكون قد أسقط الموجة الأولى من ربيع العرب، ليتفرغ لتخريب الموجة الثانية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه