“عبد المأمور”

. بشّار الأسد “العبد المأمور” من روسيا وإيران وأمريكا ينام مرتاح الضمير لأنّه لا يشعر بمسؤولية أخلاقية عمّا يرتكبه بحقّ السّوريين من مجازر.
والحكّام الذين يبيعون أجزاءً من أوطانهم

 

“أنا عبد المأمور”. عبارة نسمعها تتردد على ألسنة النّاس في أماكن كثيرة.. ليست هذه العبارة لإظهار الخضوع فقط وتنفيذ أوامر لا يمكن ردّها بل في طياتها الرّضى بالعبودية وكأنّ الأصل في الإنسان أن يكون عبداً، كما تحمل في طياتها تبريراً للجريمة التي سيقترفها هذا “العبد المأمور” فهو يُنفِّذ أوامر غيره، هو يعتبر نفسه مجرد أداة مثله مثل الجماد “الأسلحة التي تستخدم للقتل” تلك الأسلحة التي لا يمكن لأحد أن يلومها أو يعاقبها! في نظرة عامة نجد أنّ هؤلاء منتشرون في المؤسسات والدّوائر الحكومية ومراكز الشّرطة في الأرياف. الموظف البيروقراطي الذي يُنفِّذ تعليمات رئيسه بحذافيرها هو “عبدٌ مأمور” وهو لا يتحمل المسؤولية القانونية عن نتيجة تنفيذه لتلك التّعليمات إن حدث ضرر منها للصالح العام أو للفرد.

في الدراما

كرّست السّينما هذه المقولة كما كرستها المسلسلات وهي تُظهر شخصيات البسطاء الذين يعملون في المراكز الرّيفية مثل شخصية شيخ الخفر الذي يقوم بتنفيذ أوامر “الحكومة” التي يمثلها المأمور أو العمدة ويبرر عمله بعبارة “أنا عبد المأمور” وكأنّ هذه الجملة السّحرية هي التي تنقذه من تحمل المسؤولية الأخلاقية نتيجة قيامه بعمل تخريبي يصل حدّ إزهاق الأرواح أحياناً.

محاكمة أيخمان

في محاكمة الضّابط النّازي أدولف أيخمان الذي اختطفته إسرائيل وحاكمته في القدس وكان مختفياً في الأرجنتين يسأل المحقق “رئيس القضاة” الضابط عن الجرائم التي ارتكبها بحق اليهود فيجيب: “الشرطة أرسلت إلى القوة 4 (الجستابو) وهم أوكلوا المهمة لي وتعاملت معها كمهمة طارئة كما أمرت وكان يجب أن أطيع الأوامر”.

يسأله رئيس المحكمة: “ولكنك عدَّلت في عدد الذين سيستقلون القطار”

أيخمان: “لقد تم إعطائي أمر، هذا الأمر لا بدّ أن يُنفّذ، وتمّ تنفيذه بطريقة إدارية وكنت مسؤولا عن جزء صغير فقط، الأجزاء الأخرى مثل النقل والمواصلات نُفِذّت من أطراف أخرى”.

كانت الفيلسوفة اليهودية حنّة أرندت قد حضرت محاكمة أيخمان لتقوم بتغطيتها والكتابة عنها لصحيفة نيويورك بطلب من الصّحيفة.

فوجئت حنة أرندت أثناء حضورها محاكمة أيخمان أنّه لم يكن مخيفاً كما تخيلت بل شخص عادي مصاب بالزّكام، عبرت عن ذلك “إنّه مجرد نكرة” وخلصت من المحاكمة إلى كتاب عن “تفاهة الشر” اعتبرت فيه أنّ الشّر سطحي ومتطرف وتطرفه يجعله غير متجذر والخير هو المتجذر في الإنسان. وخلصت حنة أيضاً إلى أنّ التّافه خطير، وخطورته تكمن في تفاهته.

ثنائية الوعي:

فسّر أيخمان موقفه من القتل بأنّه “عبدٌ مأمور” فلو أمره هتلر بقتل أبيه لقتله إن أثبت له أنّ أباه خائن. سأله المحقق: “واليهود هل أمرك بإبادتهم؟”. قال: “لم أقم بإبادة أحد” وفسّر فعله بـ”ثنائية الوعي” وهو التّخلي عن الوعي الفردي إلى الوعي الجماعي، وبذلك يقوم بالعمل الموكل إليه بوعيه الجماعي، ثمّ يتحرك إلى الوعي الفردي الخاص به.

في العمق الفلسفي لمفهوم العبد المأمور كتبت الفيلسوفة حنّة أرندت _والتي ترفض لقب فيلسوفة لأنّها تعتبر الفلسفة تتعاطى مع الإنسان بصيغة المفرد_ ووصفت نفسها بالمنظِّرة السياسية “تفاهة الشر” وكان موقفها حين حضرت محاكمة أيخمان أنّه غير مسؤول عما قام به من أفعال فهو رجل “بيروقراطي” قام بعمله فقط وليس لديه شيء شخصي ضدّ اليهود.. لقد قام بتنفيذ ما أمره به نظام مجرم! وبرّرت ذلك بوجود فرق كبير بين الأفعال الإجرامية لشخص ما وطبيعته الاعتيادية.

بمعنى أنّ حنّة فصلت بين ما يقوم به “العبد المأمور” وبين حياته الشّخصية وعلى هذا النحو يمكن أن نفهم كيف يستطيع طيار أن يقصف أناسا آمنين ويدمّر بيوتهم فوق رؤوسهم ويحوّلهم إلى أشلاء ومن ثمّ يذهب إلى بيته سعيداً ويقابل أطفاله وزوجته وكأنّه لم يفعل شيئاً.

تعتقد حنّة أنّ أعظم الشّرور في العالم يرتكبها أناس نكرات ليست لديهم أيّ دوافع شخصية وليسوا شياطين في المطلق إنّهم أناس يرفضون أن يعوا ذاتهم ووجودهم.

لقد تنازل أيخمان وأمثاله عن أهم شيء يميّز الإنسان وهو التّفكير وبناء على هذا فهو مسؤول مسؤولية كاملة إن لم يكن عن الفعل الذي قام به وبرّره بالعبودية فهو مسؤول عن تخليه عن صفة إنسانية هامة “التفكير” الذي سيقوده لمحاكمة أفعاله ومعرفة حجم الجريمة التي ارتكبها ومقدار بشاعتها وفظاعتها ولن يستطيع بعدها أن ينفي مسؤوليته عن الجريمة لانتفاء الفصل السّابق بين الفعل والشّخصية الاعتيادية.

انعدام التّفكير يؤدي بالضرورة إلى القيام بأفعال وحشية يعيها جيداً من يتخلون عن التّفكير فقط لأنّهم يعتقدون أنّ في ذلك تكفير عمّا ارتكبوه باسم العبودية.

أعلى مرتبة من تجليات “العبد المأمور” عبودية الطّغاة والحكّام العرب ففي سبيل السّلطة والمحافظة على الكرسي والمكتسبات التي يمنحها لهم يرتهنون إلى القوى العظمى التي تأمرهم بتنفيذ مخططاتها على حساب شعوبهم. بشّار الأسد “العبد المأمور” من روسيا وإيران وأمريكا ينام مرتاح الضمير لأنّه لا يشعر بمسؤولية أخلاقية عمّا يرتكبه بحقّ السّوريين من مجازر.

والحكّام الذين يبيعون أجزاءً من أوطانهم في سبيل بقائهم في السّلطة هم عبيدٌ مأمورون ابتليت بهم الشّعوب المحكومة بقوة السلاح.. وهم نكرات تافهون امتهنوا العبودية وألغوا ملكة التّفكير التي ميّز بها الخالق سبحانه الإنسان عن الحيوان.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه