عبد القادر عبد اللي يكتب: في العلاقات التركية الإسرائيلية

عبد القادر عبد اللي*

 
كان يوم الحادي والثلاثين من مايو/أيار 2010 منعطفاً حاداً في العلاقات التركية الإسرائيلية، ففي هذا اليوم هاجمت القوات الإسرائيلية أسطول الحرية الذي يحمل مساعدات إنسانية إلى أهل غزة في المياه الدولية، واشتهرت منه سفينة مرمرة الزرقاء، وقتل تسعة ركاب من المتضامنين كانوا جميعاً من الأتراك. فكثير من الاتفاقيات التي كانت مبرمة بين الجانبين التركي والإسرائيلي عُلقت أو أُلغيت، ولم يجر منذ ذلك اليوم أي لقاء بين مسؤولين كبار في الدولتين حتى على مستوى وزراء، وتم تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى درجة قائم بالأعمال.

لم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد توقفت يومئذ المباحثات السورية الإسرائيلية التي كانت تجري برعاية تركية، وقيل إنها غير مباشرة، ليعلن عبد الله غل بعد قرابة سنتين أنها كانت في بعض محطاتها مباشرة، وتمت على مستوى الرئاسة أيضاً.

ونتيجة الخسائر الفادحة التي تعرضت لها إسرائيل نتيجة هذه القطيعة، ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على تركيا من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية، وتطبيعها؛ ولكن تركيا اشترطت على إسرائيل من أجل إعادة العلاقات معها ثلاثة شروط، هي: 1- اعتذار إسرائيلي رسمي عن العملية، 2- دفع تعويضات لأسر الضحايا ومقابل الضرر، 3- رفع الحصار غير الإنساني عن غزة. وهناك تفاصيل كثيرة في قضية رفع الحصار، منها إعادة إعمار غزة، والذي عرضت تركيا أن تقوم به بنفسها.

في الثاني والعشرين من مارس،/آذار تحقق الشرط الأول، واعتذر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من رئيس الحكومة التركية يومئذ رجب طيب أردوغان، وتوقع كثير من المراقبين البدء بتطبيع العلاقات بين البلدين، ولكن الحكومة التركية لم تجد هذا كافياً، وأصرت على الشرطين الآخرين، لذلك بقيت العلاقات على ما هي عليه.
بعد عملية إسقاط تركيا القاذفة الروسية سو 24، ودخول العلاقات بين البلدين حالة حرجة، استغلت إسرائيل هذا التوتر، وعرضت على تركيا تقدم الغاز الطبيعي بسعر تفضيلي كبديل عن الغاز الروسي. ولكن العروض القطرية، والكردية من إقليم كردستان العراق، والأذربيجانية لم تجعل العرض الإسرائيلي جاذباً أو حتى ملفتاً، فحركت إسرائيل قضية التعويضات، وعادت اللجان التقنية التي تبحث الأمر للاجتماع في سويسرا، وبحسب المصادر القريبة من خارجيتي البلدين، فقد تم التوصل إلى اتفاق مبدئي يقضي بدفع إسرائيل مبلغ عشرين مليون دولار أمريكي، وإسقاط الدعاوى التركية على إسرائيل المتعلقة في القضية في المحاكم الدولية.. وبحسب الصحافة فإن هناك كثيراً من البنود غير المعلنة، مثل الاتفاق على تحديد نشاط حماس على الأراضي التركية، إضافة إلى .”احتمال” استيراد تركيا كمية من الغاز الطبيعي الإسرائيلي.
قبل يومين فقط من الإعلان عن الاتفاق المبدئي بين إسرائيل وتركيا، وفي طريق عودته من تركمانستان إلى بلده، أعاد رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان شروطه الثلاثة رداً على سؤال أحد الصحفيين حول تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل، فأكد الرئيس التركي بأنه لن يكون هناك أي عائق لتطبيع العلاقات في حال نفذّت إسرائيل الشرطين التركيين الباقيين.
على الرغم من أن التصريحات الرسمية التركية ما زالت تقول إن شرطنا الثالث لم يتحقق، ولكن من المتوقع أن يعود التمثيل الدبلوماسي على مستوى السفراء بحسب مصادر وزارة الخارجية في كل من البلدين.
بالطبع فإن عودة رفع التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير هو بداية تطبيع العلاقات، ولكن هل ستطبع فعلاً، وتتنازل تركيا عن شرطها الثالث؟
الأخبار التي تُسرب من الاجتماعات التي عقدت من قبل كلها تؤكد أن إسرائيل كانت تضع شرط دفع التعويضات مقابل عدم فك الحصار، وقد أبدت إسرائيل منذ أن قدمت اعتذارها لتركيا استعدادها لتلبية الشرط الثاني المتعلق بالدفع مقابل تنازل تركيا عن شرطها الثالث، وهو رفع الحصار.
بعد الإعلان عن الاتفاق، أقر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن المباحثات تتم بين فترة وأخرى بين هيئات البلدين، ولكنه أكد على كلام رئيس الجمهورية أيضاً، قائلاً  إن الهدف الأساسي من القضية كلها هو رفع الحصار غير الإنساني عن غزة.

بقي الشرط التركي الثالث بين أخذ ورد، وفي الحقيقة أن هذا الشرط هو أصعب الشروط وأكثرها غموضاً وإيلاماً لإسرائيل. فهناك غير قضية تحديد طبيعة المواد التي ستدخل إلى غزة والمواد التي لن تدخل، ومن أي الأبواب ستدخل، وليس لغزة سوى بابين هما الباب المصري والباب الإسرائيلي، فمن الذي سيفتح الباب؟ هل تبعد إسرائيل الكرة عن ملعبها، وتلقيها إلى السلطات المصرية والسيسي؟ 

لعل منظر “رئيس” روسيا الاتحادية “العظمى” فلاديمير بوتين وهو يسلم على “رئيس الحكومة الإسرائيلي” نتنياهو بأدب وخشوع، ويدخل إليه في الغرفة في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول لهذا العام، ويبقى نتنياهو جالساً خارقاً الأعراف الدبلوماسية كلها يؤكد المؤكد، فإسرائيل تمتلك مفاتيح القضايا كلها، وهي التي تبقى خارج التوازنات؛ ولكنها تمسك بكل مفاتيحها وخاصة في القضية السورية التي باتت تضغط بشدة على تركيا بعد التدخل الروسي، فالطائرات الإسرائيلية تغير على المواقع التي تريدها في سورية، ولا تعتبر أنها خرقت السيادة الروسية، لأن الرئيس الروسي اعتبر أن خرق الطائرات التركية للأجواء السورية هو خرق للسيادة الروسية، وهذا الذي جعله ينصب صواريخ إس أربعمائة، وأعلن عن تسريع برنامج إس خمسمائة لينصبه ويجربها في سورية مع مطلع 2016.
أمسك بوتين بالورقة السورية، وبدأ يلوح بها في وجه العالم، ويريد أن يستعيد أمجاد روسيا القيصرية عبر هذه الورقة، ولكن إسرائيل حارقة الأوراق كلها، فهل ما يجري بين تركيا وإسرائيل محاولة سحب البساط من تحت قدمي روسيا، أم مجرد مناورة؟

______________________________

*كاتب سوري متخصص في الشؤون التركية 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه