عبد القادر عبد اللي يكتب: الولايات المتحدة تُكبّل تركيا

عبد القادر عبد اللي*

 
يزداد التوتر في الشمال السوري تدريجياً بعيداً عن القصف الروسي. فقد صرح رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان من مدينة عينتاب في جنوب تركيا أن إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني كنتوناً كردياً في مدينة تل أبيض السورية يهدد الأمن القومي التركي. وبالتزامن مع هذا التصريح أعلنت هيئة الأركان العامة التركية أنها ضربت قاربين لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سورية حاولا العبور إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، وهذه هي المرّة الأولى التي يحدث فيها تماس حار بين الطرفين، وبعدئذ أعلن رئيس الحكومة المؤقتة أحمد داوود أوغلو أن عملية قصف أخرى جرت لوحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي دون أن يُعلن عن مكان هذه المواقع وزمن القصف، وتُدرج الحكومة التركية هذه العمليات ضمن حربها الدائرة ضد حزب العمال الكردستاني.
قبل ذلك بفترة كشفت صحيفة صباح القريبة من الحكومة التركية أن الولايات المتحدة كانت قد حذرت قيادة الأركان التركية من قصف قاعدتي “متينا” و”غارة” لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق بسبب وجود جنود أمريكان في تلك القاعدتين، وبحسب المصادر القريبة من الحكومية التركية فإنه تم التوصل إلى اتفاق يقضي بإبلاغ البنتاغون قبيل قصف هذين المواقعين بفترة قصيرة.
قبل ذلك قصفت الطائرات التركية موقعاً لداعش دون علم الولايات المتحدة أيضاً، فحذرت الأخيرة، والذريعة هي نفسها: “وجود عناصر أمريكية قريبة من موقع داعش المستهدف” وبالطبع كانت القوات الأمريكية في مواقع تابعة لوحدات حماية الشعب، ووعدت تركيا ألا تعيدها. 
يبدو موقف الولايات المتحدة لأول وهلة عجيباً، فتركيا عضو مع الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي، ومازالا حسب ما هو معلن حليفين استراتيجيين، وفي الوقت نفسه تُدرج الولايات المتحدة الأمريكية حزب العمال الكردستاني على قوائمها الخاصة بالمنظمات الإرهابية، وتدلي بتصريح رسمي بأنها تتفهم قصف تركيا لمواقع هذا الحزب، وفي الوقت نفسه لا تخفي علاقاتها العسكرية بهذا الحزب، وتقديم الدعم والاستشارات العسكرية له، وحتى إنها تحظّر قصف مواقع محددة له.
والولايات المتحدة الأمريكية لا تدرج وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي على قوائم الإرهاب، وتؤكد على الفصل بينه وبين حزب العمال الكردستاني، وعلى الرغم من هذا فإنها لا تنبس إزاء قصف الطائرات التركية أهدافاً تعود إلى هذا الحزب… يبدو الأمر مستغرباً!
ولكننا عندما نراقب المواقف الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً من حكومة العدالة والتنمية، وخاصة قبيل انتخابات السابع من تموز/ يوليو، نجد أنها كانت تعمل على تحجيم هذا الحزب، وفرض ائتلاف حكومي من أحزاب الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعوب الديمقراطي، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل إثر تشدد حزب الحركة القومية برفض التحالف بأي شكل مع حزب الشعوب الديمقراطي، وحتى رفض دعم هذا الحزب من الخارج دون مشاركته في الحكومة.
لا تستسلم القوى الكبرى عادة، فما أرادت تحقيقه في السياسة، والطرق الديمقراطية تحاول تحقيقه من خلال تأجيج الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. ولعل هذا تحديداً ما يفسّر موقف الولايات المتحدة المزدوج من الصراع التركي الكردي، فهي تجري اتصالات مع حزب العمال الكردستاني، ولا تخفي دعمها لهذا الحزب، وفي الوقت نفسه “تتفهم” قيام الجيش التركي وقواه الأمنية بعمليات عسكرية ضد مواقع هذا الحزب.
لم تُخف الولايات المتحدة تعويقها لأي تحرك عسكري تركي في شمال سورية، ومازالت الحكومة التركية تطالب الولايات المتحدة بمراعاة مصالحها القومية في الشمال السوري، حتى المسؤولين الأتراك لم يعودوا طلب دعم الولايات المتحدة الأمريكية فعلياً في التدخل شمال سورية، وطالبوها بالاكتفاء بالدعم السياسي فقط، ولكن الولايات المتحدة لا تمنح تركيا حتى هذا الدعم السياسي.
إن الكلفة المادية لهذه الحرب بين حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية باهظة، وإذا لم تكن الكلفة البشرية فيها كبيرة جداً على السلطات التركية، فإن الكلفة المادية والسياسية ستكون باهظة بالتأكيد، وهكذا يبدو أن تأجيج الصراع من جديد بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني يحقق الهدف الذي سعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو إضعاف الحكومة التركية، وتكبيلها في الشمال السوري وبمعنى آخر من الواضح أن الهدف الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً هو إضعاف الحلفاء، فهم لا يريدون حلفاء، بل تابعين..
لم يعد أمام تركيا خيارات كثيرة، وإذا كانت الولايات المتحدة قد تركت القوى الإقليمية في المنطقة تتصارع فيما بينها، فتركيا هي واحدة من هذه القوى الإقليمية. ورأي رئيس الجمهورية التركية بأن التغيير الديموغرافي في الشمال السوري يهدد الأمن القومي التركي ليس رأياً شخصياً، بل يشاركه فيه التيار القومي أيضاً، ولعل هذا الفرز الجديد سيعيد تشكيل التحالفات السياسية في تركيا أثناء الانتخابات التركية وبعدها، ولدى الحكومة التركية مذكرة جاهزة من البرلمان بتعقيب مقاتلي حزب العمال الكردستاني وداعش في شمال العراق وسورية.
يمكن قراءة العمليتين اللتين نفذهما الجيش التركي ضد وحدات حماية الشعب مجرد رسالة للولايات المتحدة، وحتى الآن لم يصل الرد الأمريكي بشكل علني.
نعم، مازالت الولايات المتحدة تكبل تركيا إزاء أي إجراء في الشمال السوري، ولكن هل يبقى الأمر على هذا النحو؟

 __________________________

*كاتب سوري متخصص في الشأن التركي

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه