عام على الوفاة: الرئيس مرسي أكثر حضوراً

 

على عكس المثل المصري “كل يوم رخيص يا ميت” للدلالة على نسيان الموتى مع تقادم الزمن، فإن الرئيس مرسي يزداد حضورا، ويزداد احتراما، وفي الذكرى الأولى لاستشهاده أشعر وكأنني والكثيرين مثلي نعيد اكتشاف هذا الرئيس.

يا له من حلم جميل مر طيفا عابرا، الآن نستشعر بصورة أكبر قيمة أن يكون لديك رئيس مدني، لقد هرمنا من أجل تلك اللحظة التاريخية، وحين جاءت تنكر لها التعساء، لقد كنا نتوق لحكم مدني بعد ستين عاما من الحكم العسكري، وأكرمنا الله بثورة يناير التي منحتنا هذا الرئيس المدني، لكن الكثيرين تنكبوا الطريق، وتمردوا على النعمة التي أنعم الله بها علينا، فكانت الفتنة التي لم تصب الذين ظلموا خاصة بل شملت الذين سكتوا والذين قصروا أيضا.

حين سقط مرسي في مثل هذا اليوم من العام الماضي لافظا أنفاسه الأخيرة في ساحة الوغى (قاعة المحكمة)، كان سقوطه بداية لارتفاعه في نظر الكثيرين لأنه وعد وصدق.

وعد بأن ثمن الدفاع عن الثورة والشرعية هو حياته وقد وفى بوعده.

 وعد بأنه لن يقبل الضيم ولن ينزل على رأي الفسدة وقد وفى بوعده.

 وعد بحماية وطنه وعدم التنازل عن أرضه ومياهه، ومات دون أن يتنازل عن شيء من ذلك.

 وعد بأنه سيحترم حرية التعبير والإعلام، فلم يحبس صحفيا، ولم يغلق صحيفة أو قناة.

ترى ماذا كان من الممكن أن تكون عليه مصر لو كان مرسي بيننا الآن؟

هل كان التفريط في تيران وصنافير ليحدث؟ هل كان التفريط في مياه النيل ليحدث؟ هل كانت مصر ستصبح أضحوكة العالم؟ هل كان الدين الخارجي سيصل إلى هذا المستوى المريع (125 مليار دولار)؟ هل كانت كرامة المصريين ستهدر في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز والسجون والمعتقلات؟ هل كان المصريون سيصبحون ملطشة لكل من هب ودب؟ هل كان الأقزام من آل سعود وآل نهيان سيصبحون هم أصحاب الكلمة العليا في المنطقة؟ هل كان العدو الصهيوني سيتجرأ بين الحين والآخر على الفلسطينيين ويواصل حصارهم؟ وهل كان قطار التطبيع العربي سينطلق بهذه السرعة معه؟ هل كان الإعلام سيصبح مكمما كما هو الآن؟ هل كان مرضى كورونا سيواجهون هذه المعاملة اللا أدمية التي يواجهونها الآن في المستشفيات الحكومية؟ هل كان النشطاء والمشغولون بالشأن العام سيمنعون من حق التظاهر والتعبير عن أرائهم؟
خذ نفساً عميقاً أيها المتمرد على النعمة! وأجب بينك وبين نفسك.

لقد مر على استشهاد الرئيس عام كامل، ومر على الانقلاب سبعة أعوام، ولم يستطع المنقلبون أن يثبتوا كذبة واحدة مما افتروه عليه، كما لم يستطيعوا الطعن في ذمته المالية، ولا ذمة من ساعدوه في تحمل المسؤولية سواء كانوا وزراء أو محافظين أو مسؤولين في مواقع تنفيذية أخرى، ولم يجدوا أمامهم سوى الاتهامات المعلبة المثيرة للسخرية مثل: الخيانة والإرهاب والأخون.. إلخ.
 ويعرف الصغير قبل الكبير في مصر الآن من هو الخائن الحقيقي، ومن هو صانع الإرهاب، والعاجز عن مواجهته في آن، ومن هو المفرط في السيادة والكرامة، والأرض والعرض، ومن هو الجاسوس العلني، ومن هو القزم أمام الأعداء.

في ذكراه الأولى يبدو مرسي أكثر ألقا، وأكثر حضورا، ففي الليلة الظلماء يُفتقد البدر، وفي صحراء التيه نحتاج إلى دليل، وفي زمن الانهزام نحتاج إلى نماذج الصمود، والتي كان -ولا يزال- مرسي هو أبرزها.
أغلق عينيك برهة وحاول أن تتخيل وضع مرسي في زنزانة انفرادية طيلة ست سنوات، لا يزوره فيها إلا جبابرة النظام ليضغطوا عليه للتنازل عن شرعيته، والاستسلام للأمر الواقع، ويرددون على مسامعه شائعات محبطة عن انهزام أهله وأنصاره، وعن انكسار الشعب وانصرافه، ثم يحبسون قرة عينه -نجله الأصغر عبد الله – الذي لحق بوالده إلى الرفيق الأعلى، ويتكرر الأمر مع نجله الأوسط أسامة، وتُحاصر الأسرة في بيتها، وتُحرم من حياتها الطبيعية حتى تخضع وتستسلم، لكنها تواصل مسيرة الوالد في الصمود والثبات، فصبرا آل مرسي فإن موعدكم الجنة.

لقد غاب جسد مرسي ولكن بقت روحه تحوم حولنا تذكرنا بوصاياه الأخيرة: “حافظوا على مصر، حافظوا على الثورة، الحفاظ على الثورة التي اكتسبناها بعرقنا وبدم شهدائنا وبمسيرتنا سنتين ونصف، حافظوا عليها كلكم يا مؤيدين ويا معارضين، اوعوا الثورة تتسرق منكم، بأي حجة، الحجج كتير والسحرة كتير والتحدي كبير، وانتم قادرون على مواجهة ذلك، إزاي نحافظ على الثورة؟، إزاى متتسرقش مننا الثورة، أنا أمامكم، ثورة 25 يناير، وتحقيق أهدافها كاملة والحفاظ على الشرعية، ثمن الحفاظ عليها، حياتي.. حياتي أنا.. أنا عايز أحافظ على حياتكم كلكم.. أنا عايز أحافظ على الأطفال، ولادنا اللى هيكبروا بعدنا، أنا عايز أحافظ على البنات، هيبقوا أمهات المستقبل، اللى بيعلموا ولادهم أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجال، لايقبلون الضيم، ولاينزلون أبداً على رأى الفسدة، ولايعطون الدنية أبدا من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم”.

 نعم سنعلم ذلك لأبنائنا وسنعلمهم أيضا أننا كان لدينا رئيس مدني واسمه مرسي. رحمك الله يا شهيد.

اليساري النبيل محمد منير

تألمت كثيرا لاعتقال الصديق الكاتب الصحفي محمد منير، فقد كان من الأصوات النادرة التي لا تزال تمتلك جرأة الصدح بالحق من قلب القاهرة، لم يفاجئني بطبيعة الحال خبر القبض عليه رغم ما سببه من ألم، فقد كنت والكثيرون غيري نتوقع ذلك بين لحظة وأخرى، بل كان هو شخصيا جاهزا لذلك دوما، وليست هذه هي الحبسة الأولى له فقد حبس في عهد السادات ومبارك، ولكن ظروفه الصحية الآن لا تحتمل مزيدا من الحبس و”البهدلة”، فالرجل تجاوز الـ65 عاما، وهو مصاب بالعديد من الأمراض، وقبل كل ذلك هو لم يرتكب جرما ليحبس بسببه، فقد مارس حقه الطبيعي في التعبير عن رأيه بشكل سلمي حضاري.

لقد اعتقل منير بعد حلقة على شاشة الجزيرة مباشر شاركته فيها عبر الهاتف أيضا، وكانت مخصصة لمناقشة أزمة بين الكنيسة المصرية وإحدى المجلات الحكومية (روز اليوسف) التي نشرت غلافا اعتبره أحد كهنة الكنيسة مسيئا له، وقد تحدث منير في اللقاء حديثا وطنيا محذرا من مغبة صناعة الفتنة، ومنتقدا بحس وطني الطريقة التي جرى التعامل بها مع الأزمة، لكن من الواضح أن صناع الفتنة والذين فضحهم كلامه أرادوا الثأر لأنفسهم فاقتحموا بيته مرتين قبل أن يقبضوا عليه في الثالثة، وليوجهوا إليه التهم المعلبة والمضحكة إياها بمشاركة جماعة إرهابية في أنشطتها، متجاهلين أنه يساري عتيق، لا يمكن التشكيك في توجهاته.

محمد منير هو واحد من نبلاء اليسار المصري الذي ظل رافضا لحكم العسكر، مدافعا عن المظلومين من كل التيارات، ولذلك استحق أن تدافع عنه كل التيارات.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه