عامر عبد المنعم يكتب:إبادة الشعوب بزعم حماية الأقليات

عامر عبد المنعم*

الأقليات المسيحية في العالم العربي هي أكبر الخاسرين من الحروب التي تشنها الجيوش الغربية بالمنطقة العربية في السنوات الأخيرة، فهذه الأقليات التي عاشت قرونا وسط المسلمين لم تتعرض للخطر كما تعيشه اليوم، في ظل جرائم الإبادة التي ترتكبها الجيوش الغازية التي تنتشر في أكثر من بلد إسلامي رافعة راية الصليب وحماية الأقليات المسيحية.
لماذا تستخدم القوى الاستعمارية الدين كغطاء لتحركاتها العسكرية في بلاد المسلمين؟ ولماذا تزعم أنها جاءت لحماية الأقليات المسيحية التي تعيش منذ قرون وسط المسلمين في أمن وأمان؟ وهل حقا نجحت الجيوش الغربية في حماية المسيحيين العرب أم أنها تسببت في الضرر بهم، وإفساد البيئة الإسلامية الحاضنة للتنوع وإشاعة الكراهية والتعصب الديني وإفساد المجتمعات المستقرة؟
بوش وبوتين والحرب الصليبية

الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عندما قرر غزو أفغانستان والعراق أعلن الحرب الصليبية، وحشد جيوش الغرب لتدمير أفغانستان والعراق، وأساء إلى المسيحية، وأفسد العلاقة بين الإسلام والغرب، وأعاد إلى الأذهان الصورة الكريهة المتوارثة عن الحملات الصليبية.
 ومنذ أربعة أشهر كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفس الادعاء الصليبي عندما قرر احتلال سوريا، وحرص على أن يعلن بطريرك الروس الأرثوذكس مباركته للحملة، وزعم أنه يريد حماية الأقلية المسيحية في الشام، رغم أن أهداف الغزو الروسي تتعلق بالطموحات الإمبراطورية واستعادة مكانة روسيا كدولة قطب.
هذا الأسبوع تابع العالم لقاء  بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريل مع رأس الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس بابا الفاتيكان في العاصمة الكوبية هافانا لأول مرة منذ ألف عام، منذ انشقاق الكنائس في 1054، وكنا ننتظر منهما إدانة القتل وعمليات الإبادة التي يتعرض لها الشعب السوري بصواريخ وطائرات الجيوش المسيحية لكنهما تجاهلا ذلك وأكدا على العمل من أجل “إنقاذ  المسيحيين في الشرق الأوسط من الإبادة” حسب قولهم في الإعلان المشترك الذي صدر بعد اللقاء؛ بالمخالفة للواقع الذي نشاهده بالصوت والصورة يوميا.
إن المسيحية المسالمة بريئة من المغامرات العدوانية للساسة الغربيين كما أن الشعارات الصليبية للاستهلاك الإعلامي فقط، وتشهد وقائع التاريخ على هذا، وتفضح الانتهازية والنزعة السادية في إلحاق الضرر بمنطقتنا بمن يعيش فيها من مسلمين ومسيحيين والملل والنحل التي تعاني كلها الآن بسبب الغزو الخارجي من هذه الدول التي ترفع لواء المسيحية.
لتفنيد هذه الادعاءات نذكر بالنقاط التالية:
عدم الحماية في ظل الاحتلال

1- أمريكا لم تستطع حماية المسيحيين في العراق رغم وجود أكثر من 200 ألف جندي أمريكي وأوربي بكامل أسلحتهم وعتادهم، بل إن هذه القوات منيت بخسائر جسيمة أنهت الحلم الإمبراطوري الأمريكي، وتسببت هذه الحروب في الانهيارات الاقتصادية التي تضرب حاليا دول الغرب وتدفعها إلى الإفلاس والانهيار.
2-  فرنسا عجزت عن البقاء في مصر أكثر من 3 سنوات ولم تستطع حماية المسيحيين المصريين الذي وقفوا معها، وقصة المعلم يعقوب خير شاهد على ذلك حيث هرب معهم هو وعناصر الفيلق الذي شكله لمحاربة المصريين المسلمين، ولم يستطع البقاء في مصر.
3- بريطانيا احتلت مصر أكثر من 70 عامًا ولم تمكن المسيحيين الأرثوذكس في مصر لسبب مذهبي متعلق بأن البريطانيين بروتستانت، ولذلك كان قادة المسيحيين المصريين في طليعة الحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال في ثورة 1919 مثل مكرم عبيد وسينوت حنا وفخري عبد النور.
4- البابوية الكاثوليكية ترفض الاعتراف بالمذاهب المسيحية الأخرى وترى أنهم خارجون عن المسيحية، فالصليبيون في حملاتهم على القدس قتلوا المسيحيين المخالفين في المذهب  قبل المسلمين، والحملة الصليبية الرابعة التي نظمتها البابوية لم تتوجه إلى القدس لمحاربة المسلمين وإنما ذهبت إلى القسطنطينية الأرثوذكسية عاصمة الدولة البيزنطية وقتل الصليبيون أهلها واستباحوها لأكثر من خمسين عامًا، وبسبب هذه الحملة تعمق الخلاف والشرخ الكبير بين الكاثوليك والأرثوذكس لمدة ألف عام.
5- البابوية الكاثوليكية التي كانت تحكم أوربا في القرون الوسطى تركت الدولة البيزنطية الأرثوذكسية تسقط في يد العثمانيين، ولم تقدم أي دعم لإنقاذ القسطنطينية طوال فترة الحصار التي قاربت الشهرين.
6- الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية تشكوان من تزايد التسرب إلي الكنائس البروتستانتية، بسبب التبشير الإنجيلي الذي ترعاه بريطانيا وأمريكا، فالبريطانيون والأمريكيون راهنوا على الزمن لاحتواء أتباع المذاهب المسيحية الأخرى عبر التبشير البروتستانتي، ولا مانع من استخدامهم كورقة للضغط السياسي ليس إلا.
7- التجربة الإسلامية في حماية الأقليات ثابتة، ففي ظل الدول الإسلامية القوية عاشت الأقليات في أمن وأمان حتى الآن، ومن أبرز المواقف التي خلدها التاريخ ما فعله عمرو بن العاص عند فتح مصر وانتزاعها من الرومان المسيحيين، حيث أعطى الأمان للأب بنيامين رأس الكنيسة المصرية الذي كان هاربًا من الحكم الروماني طوال 13 عاما.
العرب لم ينتقموا من المسيحيين

المسيحيون يعيشون في البلدان الإسلامية منذ مئات السنين ولم يحدث إبادتهم كما يدعي قادة الغرب، حتى في ظل الحروب الصليبية لم يحدث أي انتقام من مسيحيي الشرق، فالمسلمون لم يتعاملوا مع الأقليات عبر تاريخهم بنفس الروح العدوانية الإبادية التي تعرضت لها الشعوب على يد الغزاة من المذاهب المسيحية المختلفة.
العالم اليوم أحوج ما يكون لتوقف أنهار الدم التي تسيل في بلادنا بلا توقف، تحت مبررات مختلفة مع كل مرحلة تاريخية، فمنذ الحروب الصليبية وتعاني أمتنا من اعتداءات ترفع شعارات دينية زائفة تشيع الكراهية، وتشعل الصدام بين أتباع الأديان على غير الرسالة التي من أجلها أرسل الله الرسل.
فليقل لنا قادة الحروب الصليبيون الجدد ما هي الرسالة الدينية من وراء تبخير جثث البشر وإبادة المسلمين والمسيحيين في سوريا والعراق ؟
ما هي القيمة الحضارية التي لم نفهمها ويريد مشعلو الحروب الدينية توصيلها لنا من تدمير البيوت والمستشفيات، وحرق المدن والقرى ومحوها من على وجه الأرض؟

___________________________

*كاتب وصحفي مصري 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه