ضمانات قانونية إعلامية معطلة

                             

بعد 20 شهرا من صدور قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام بمصر في أواخر ديسمبر/كانون الثاني 2016، رأت السلطات المصرية أن تلغى هذا القانون، وتستبدله بثلاث قوانين في أواخر أغسطس/آب الماضي، أحدها يختص بالهيئة الوطنية للإعلام والتي كانت نصوصها تمثل الباب الرابع بالقانون الملغى.

وقانون ثان يختص بالهيئة الوطنية للصحافة، والتي كانت نصوصها تمثل الباب الثالث بالقانون الملغى، وقانون ثالث لتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، احتفظ بالباب الثاني من القانون الملغى والخاص بالمجلس الأعلى للإعلام، وأضاف اليه كلا من الباب الثاني والثالث من قانون سلطة الصحافة رقم 96 لسنة 1996.

وأضاف القانون الجديد لشروط الترخيص للمؤسسات الإعلامية والصحفية بابا متشددا للعقوبات لمخالفة نصوصه، تراوحت غراماتها ما بين الخمسين ألف جنيه حتى 3 ملايين جنيه، كما تراوحت عقوباته البدنية ما بين الحبس لمدة عام والسجن لمدة ثلاث سنوات، إلا أن المطلع على نصوصه يجد الكثير منها بعيدة تماما عن الواقع الذي تعيشه وسائل الإعلام بمصر، من تضييق وتسلط وتحكم. وصل الى حد إجبار أصحاب الفضائيات على بيعها لجهات سيادية، من دون تلقي كامل الثمن المتفق عليه، ما أدى لعدم استطاعتها الوفاء بمستحقات الأجور للعاملين بها، والذين تاهت مستحقاتهم بين المالك القديم والملاك الجدد.
وعندما تجد القانون الجديد ينص على ” تكفل الدولة حرية الصحافة والإعلام والطباعة والنشر الورقي والمسموع والمرئي والإلكتروني” بينما واقع الحال يشير الى غياب تلك الحرية إلى حد كبير، وصل الى حد التحكم في المضمون سواء الصحفي أو الإعلامي، وفرض أشخاص بالمواقع القيادية بغض النظر عن كفاءتهم المهنية.

والقيود التي تحيط بمجال الطباعة، وحجب مئات المواقع الإلكترونية، بل ان القانون الجديد نفسه أضاف الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يصل متابعوها لخمسة آلاف متابع، إلى رقابته وشملها بعقوباته.

  قيود للتعرف على آراء الجمهور

كما اشترط القانون الجديد الحصول على تصاريح لإجراء اللقاءات مع المواطنين وتصاريح للتصوير في الأماكن العامة غير المحظور تصويرها، وهو ما تتم ترجمته عمليا بمنع استطلاع آراء الجمهور في الشوارع والميادين في الأحوال العامة.

ومنع استطلاع رأى الجمهور في الأسعار بالأسواق، ومنع نقل أي تذمر من قبل بعض المواطنين سواء بمحطات مترو الأنفاق أو السكة الحديد أو أمام أي منفذ استهلاكي أو أية جهة خدمية عندما يتضررون من مستوى وأسعار خدماتها.

أيضا المواد التي تحدثت عن أنه لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو الإعلامي سببا في مساءلته، وكذلك النص على عدم جواز توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، بينما تم القبض على صحفيين لمجرد اعتراضهم على التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، بل لقد تم التحقيق مع أحد المذيعين لمجرد دعائه على الظالمين.

كذلك النص بالقانون على أن المجلس الأعلى للإعلام يهدف الى ضمان حرية الصحافة والإعلام، وضمان استقلال المؤسسات الصحفية وحيادها، وضمان سلامة مصادر تمويل المؤسسات الصحفية والإعلامية، ومنع الممارسات الاحتكارية في مجال الإعلام، وحماية حق المواطن في التمتع بإعلام وصحافة حرة ونزيهة.

وكلها نصوص معطلة عمليا حيث لا يوجد استقلال بالمرة للمؤسسات الصحفية ولا حياد، كذلك لا يستطيع المجلس الأعلى للإعلام أن يقترب من الفضائيات التي اشترتها جهات سيادية، ولا يستطيع منعها من ممارسة الاحتكار بشرائها العديد من الفضائيات والمواقع والصحف.

مواد كثيرة بالقانون لا يتوقع أن تجد مجالا للتطبيق العملي نذكر منها: النص على نشر المؤسسات الصحفية والإعلامية ميزانياتها، بعد ثلاثة شهور من الفترة الزمنية للميزانية بالنسبة للمؤسسات الصحفية، وبعد أربعة شهور من تاريخ الميزانية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية.

 حيث سبق ورود ذلك النص بالنسبة للمؤسسات الصحفية في قانون الصحافة منذ عام 1996 ومع ذلك لم يلتزم به أحد، لا من الصحافة الحكومية أو الخاصة، ونظرا لتدهور المستوى المالي سواء للمؤسسات الصحفية العامة والخاصة حاليا فلا يتوقع التزامها بالنشر، والحال نفسها من الخسائر للقنوات التلفزيونية والفضائية الحكومية والفضائيات الخاصة.

 إلى جانب أن النشر للميزانيات والحسابات الختامية بالصحف مكلف، ويكشف حجم الدعم الكبير الذي تتلقاه الجهات الصحفية والإعلامية التابعة للدولة، بما يثير حفيظة قطاعات شعبية نتيجة إنفاق أموال الضرائب في الإغداق على جهات إعلامية هابطة المستوى ومحدودة المشاهدة.

  التداخل بين التحرير والإعلان

أيضا ينص القانون على عدم عمل الصحفي والإعلامي بالإعلانات، أو وضع اسمه على المادة الإعلانية والحصول على مزايا مادية من النشاط الإعلاني، بينما يكثر تواجد ما يسمى بالصفحات المتخصصة بالصحف، والتي تقدم مواد إعلانية ويشرف عليها صحفيون أعضاء بنقابة الصحفيين رغم منع قانون النقابة ذلك، ويحصلون منها على مكافآت سخية تزيد كثيرا عن رواتبهم من عملهم الصحفي.

 بل ان بعض الصحف تطلب من محرريها علانية جلب الإعلانات، وتجعل ذلك من عوامل الترقية بالمناصب الصحفية، كما يشارك كثير من الإعلاميين في تقديم الاحتفالات والمناسبات التي تقوم بها الشركات الخاصة والعامة، والحصول على مقابل مادي وعيني مقابل ذلك.

ويدخل في ذلك مطالبة القانون الجديد الصحف والوسائل الإعلامية بالتمييز بين المواد التحريرية والإعلامية والإعلانية، وهو أمر لا يتم تفعيله، حيث ترسل إدارات الإعلانات بالصحف مواد إعلامية للصفحات التحريرية لنشرها دون تمييز لها، بل أن بعض الإعلاميين لديهم شركات دعاية وإعلان ويختارون ضيوفهم ومصادرهم للتخديم على نشاط تلك الشركات الخاصة، بل إن أحد المذيعين المقربين من النظام المصري لديه شركة للمعارض، ويقوم بابتزاز شركات الاتصالات للاشتراك بمعرضه السنوي الذي يفتتحه رئيس الجمهورية.

أيضا عندما ألزم القانون الصحف الخاصة والحزبية بضمان مشاركة الصحفيين في الإدارة، والتزام المؤسسات الصحفية عموما بحد أدنى للأجور للعاملين بها وبعلاجهم، فهو أمر لا يستطيع المجلس الأعلى للإعلام أن يحققه في ضوء المصاعب المالية التي تمر بها الصحف الحزبية والخاصة، كما لا يستطيع بحكم قانونه معاونتها ماليا لتحقيق ذلك.

كما جاء القانون معوقا للصحافة الإقليمية التي تحتاج للتشجيع والمساعدة، حين ألزمها عند اصدار صحيفة إقليمية أسبوعية بإيداع 400 ألف جنيه لمدة سنة، وإلزام الصحيفة الإقليمية الشهرية بإيداع مئة ألف جنيه لمدة عام، مع استقطاع نسبة 10 % من تلك المبالغ لصندوق التأمين ضد العجز والبطالة، أيضا عندما حدد 2.5 مليون جنيه لترخيص القناة التلفزيونية الإلكترونية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه