صيدلية في أوربا تعالج المرضى بجلد الثعبان ووحيد القرن!

يقبل السياح على عجينة لها تركيبة سرية وتدخل نسبة كبيرة من اللوز في صناعتها تستخدم لعلاج القلب.

هناك قطاع من الناس ما زال مهتماً بطرق العلاج القديمة، ولا يقتصر ذلك على فئة معينة، فالطب الشعبي موجود في كل دول وثقافات العالم.

رغم توافر طرق العلاج الحديثة، إلا أن هناك دائماً من يلجؤون إلى أساليب القدماء في العلاج، وقد يكون ذلك إما يأساً من الشفاء، أو عن قناعة وتوصية من آخرين جربوه.

إن زيارة لأحد أقدم دور العلاجات في أوربا، والتي ما زالت تقدم لزبائنها العلاج منذ أن شُيدت في عام 595 م وحتى الآن، تعطي فكرة عن أدوية القدماء وطرق العلاج.

 إنها صيدلية “رايبتك” في دولة إستونيا، التي ما زالت تعمل بكفاءة، وهي تعطي الزائر الفرصة كاملة للتعرف على علاجات القرون الوسطى، والأدوات التي استعملها القدماء في تركيب الدواء، وأهم الأدوية التي تم استعمالها في تلك الفترة من الزمن.

على أرفف متقابلة وفي فترينات زجاجية شاهدت أدوية قديمة ما زالت محفوظة في برطمانات، أو أواني وقوارير، مثل مسحوق القنفذ المحروق، والخفافيش، ومسحوق جلد الثعبان، ووحيد القرن، وأيضا الكثير من الأعشاب، بجانب باقي المواد الغريبة التي استخدمت في العلاج مثل الديدان، وأذان أرانب، وبراز كلاب، وضفادع مجففة، وأظافر أبقار، ونحل محترق، وقشر بيض، وكلها كانت تدخل في تركيب الدواء.

لكن هل فعلا شكلت هذه المواد الغريبة المحفوظة في الصيدلية علاجا فعالاً في الأزمنة القديمة؟

الضفادع للسرطان

هناك أبحاث حديثة أكدت ذلك، على سبيل المثال الضفادع المجففة، إذ أثبت علماء أيرلنديون في جامعة كوينز في بلفاست أن جلود الضفادع يمكن أن تُعالج أمراضا عدة نظرا لاحتوائها على بروتينات لها القدرة على التئام الجروح، وشفاء القروح الناتجة عن مرض السكري، والأضرار الناجمة عن السكتات الدماغية، أو أمراض القلب..

في حين استطاع علماء‏ أستراليون اكتشاف‏ ‏أن‏ ‏المادة‏ ‏اللزجة‏ ‏التي‏ ‏توجد‏ ‏في‏ ‏جلد الضفادع‏ يمكن ‏ ‏‏أن‏ ‏تستخدم‏ ‏في علاج‏ ‏تمزق‏ ‏أربطة‏ ‏الركبة‏ ‏عند‏ ‏الإنسان‏، كما صنع علماء صينيون دواء من سموم الضفادع استخدموه في علاج السرطان‏.‏

أما المواد الغريبة مثل روث الكلاب فقد استخدمت بالفعل في القرون الوسطى في علاج احتقان البلعوم والحنجرة وجاء ذكر ذلك في كتاب الطب الشعبي الأوربي.

قد لا يبدو أن استخدام عناصر الطبيعة في العلاج أمر غير عادي، فالبروفوسير كريس شو من كلية الصيدلة في جامعة” كوينز”يرى أن الطبيعة تحمل حلولا لكثير من مشاكلنا مع الأمراض، ونحن في حاجة فقط لطرح الأسئلة الصحيحة للحصول على الإجابة الصحيحة.

لذلك نجد أن باحثين قدماء استطاعوا استخلاص 3000 عنصر من الطبيعة لعلاج 113 حالة مرضية مثل جفاف الجلد وتشققه والتقيحات والإحمرار والحرارة والحروق، وهي كلها عبارة عن أعراض للعدوى الخارجية. كما أنهم نجحوا في إيجاد أدوية مضادة للبكتريا مثل العسل وحليب الثدي ومن المطهرات الخل، وكان طبيب الملك هنري الثامن ينصحة بتطهير الجروح الناتجة من الحروب بالبول!

إذا كانت برديات الفراعنة ونقوشاتهم الجدارية أعطتنا فكرة عن الطب في عصور ما قبل التاريخ،  فإن متحف هذه الصيدلية الملحق بها يعطي فكرة واضحة عن طب القرون الوسطي،  لكن ثمة رابطا بين دواء القدماء ..

فمثلا يوجد في الصيدلية دواء ما زال محفوظا تحت اسم  “عصير المومياء” وهو مسحوق من مومياويات قديمة يخلط بسوائل معينة، وكان يستخدم كدواء لأمراض كثيرة، مثل: الصداع وقرحة المعدة وكمضاد حيوي، وربما كان ذلك بسبب استخدامهم مواد كثيرة في تحنيط الجثة مثل ملح النطرون والراتينجات وزيت الصنوبر، ويقال إن الملك لويس السادس عشر كان يحتفظ ببرطمان مسحوق المومياء ضمن أدويته . 

بذور الكتان للسكري

رغم الفارق الزمني الكبير بين دواء المصريين القدماء ودواء القرون الوسطى، إلا أن كلاهما اهتم بالنباتات وأعضاء وجلود الحيوانات في العلاج، فالفراعنة مثلاً استخدموا بذور الكتان في علاج السكري، والحبة السوداء في علاج المفاصل، وعرفوا أهمية البصل وفوائده ..
أما في العصور الوسطي فقد استخدموا مثلا نبات النارديين في علاج النظر وصوف الخراف في علاج آلام الظهر. الغريب أن أطباء مصر القديمة استطاعوا التوصل إلى علاج آلام الأسنان من خلطة من الفئران الميتة وهي نفس ما استخدم في إنجلترا في عصر الملكة اليزابيث الأولى من وضع الفئران المقطعة نصفين لشفاء الثآليل.

 تقع الصيدلية في نفس المبنى الذي شيدت فيه في شارع تالين في قلب العاصمة الأستونية بمركز المدينة القديم، وقد تحولت إلى مزار سياحي، وأصبحت الآن واحدة من أهم عشرة أماكن يطلب السائح زيارتها، وتستطيع الاطلاع بدقة على تاريخ نشأتها على يد  الطبيب المجري “يوهان بورشارت” الذي أسسها وتوارثت عائلته العمل فيها على امتداد 300 سنة، منذ عام 1582 إلى عام 1911 ..
وأثناء تلك الفترة ذاع صيتها في كل أوربا ولم يقتصر العمل فيها على تركيب الأدوية فقط، بل عمل فيها أطباء بارعون حتى إن قيصر روسيا  بطرس الأكبر  طلب اشهر أطبائها لعلاجه أثناء مداهمة المرض له،  لكنه توفي قبل أن يصل الطبيب إلى مقره.

هذا العلاج القديم تغير بدخول الكيمياء عالم صناعة الأدوية بعد أن كان كل الاعتماد على النباتات والأعشاب والحيوانات في العلاج، ذلك أن اكتشاف التقطير ساهم إلى حد كبير في استخلاص عناصر المادة بصورة نقية بعد استبعاد العناصر غير المرغوب فيها.

نستطيع من خلال مشاهدة المعروضات أن نتأكد من أن فكرة العلاجات القديمة كانت تعتمد على الخلطة التي كانت تتكون من نسب معينة من نباتات وجلود وأعضاء حيوانات تخلط معا، وما زال الكثير منها محفوظا حتى الآن، لكن المدهش أن الصيدلية قديما لم تكن فقط تبيع الأدوية والعلاجات إنما أيضا الورق والحبر والجواهر والتوابل، وبالطبع غير مسموح ببيع أي من هذه الأدوية القديمة الآن.

شيء وحيد تنتجه الصيدلية منذ القدم وما زال الناس والسياح يقبلون على شرائه حتى الآن وهو عجينة لها تركيبة سرية وتدخل نسبة كبيرة من اللوز في صناعتها، لكن الصيدلية لا تفصح عن مكونتها وهي تستخدم في علاج أوجاع القلب.
في الواقع قد يتعجب الناس في وقتنا الحديث عن كيفية استخدام القدماء لمثل هذه المواد في صناعة  أدوية للشفاء،  لكن الطب الحديث يستخدم أيضا عناصر محددة  ومستخلصة من النباتات والحيوانات والأسماك ، وقد تختلف طرق الاستخلاص فقديما استخدموا طرق بدائية، أما في العصر الحديث فقد سهلت الكيمياء طرق الصناعة.

في كل الأحوال نستطيع أن نستخلص من ربط الماضي بالحاضر أن الإنسان ابن بيئته، وهو أثبت أنه قادر في كل العصور على استخلاص عناصر من الطبيعة يستخدمها في علاج أمراضه.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه