صور المصريين محجوبة إعلاميا

عندما تدقق في صور المصريين المنشورة بالصحف الحكومية، ستجد صور أفندية من الصفوة، سواء رجال أو نساء، أما صور البسطاء من ذوى الجلاليب فقل أن تجدها.. يتبع.

ممدوح الولي*

المتابع لوسائل الإعلام المصرية، المقروءة أو المرئية، سيجد أن صور المصريين المعروضة بتلك الوسائل هي للنخبة أو الطبقة الوسطى من المصريين، أما صور المصريين أولاد البلد والبسطاء من سكان النجوع والعشوائيات  فقل أن تجدها.
لاحظ الصور التي تداولها الاعلام المصري عن لقاءات رأس النظام الحالي بالشباب، ستجد في الصور شبابا ذا ملابس أنيقة  (شيك) ولن تجد صورا مع  شباب مطحونين في أعمالهم الشاقة.
تأمل الصور التي تعبر عن العمل في مشروع تفريعة قناة السويس، ستجد صور رئيس هيئة قناة السويس أو رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، أو ندوات للوفود الزائرة  وعندما تضطر الظروف لنشر صور عاملين بالمشروع فليكونوا من سائقي اللودرات، أما عمال الحفر الغلابة المطحونين الذين تفوح رائحة عرقهم، فلن تجد لهم مكانا.
منذ سنوات كانت هناك أحداث عنف بقرية كحك التابعة لمحافظة الفيوم، وقام أحد محرري الأهرام بعمل تحقيق صحفي عن القرية  وخلال عرض الموضوع على مجلس تحرير الجريدة اعترض رئيس التحرير “ابراهيم نافع” وقتها على الصور المصاحبة للموضوع ، قائلا إنها تعبر عن فقر شديد ، وطلب من المحرر الذهاب للأرشيف لاختيار صور أخف فقرا، ليتم نشرها مع الموضوع .
وجرت العادة في الأقسام الاقتصادية بالصحف الحكومية على سفر المحررين مع الوزراء ورجال الأعمال في جولاتهم خارج مصر، وعلى الجانب الآخر ندر قيام هؤلاء بزيارات للمحافظات المصرية، وبالتالي قل تواصلهم مع المصريين البسطاء.
فإذا حدث وقام بعض هؤلاء بمرافقة وزير في زيارته لإحدى المحافظات، فإن الزيارة لا تتعدى عقد اجتماع في مبنى ديوان عام المحافظة، أو زيارة إحدى المنشآت الإنتاجية، وبما لا يوفر فرصة الالتقاء بالمواطنين البسطاء في تلك المحافظة.
وعندما يتم اختيار صور لموضوع عن الأسعار يتم أخذ صور من الأرشيف، وحتى عندما يتم النزول إلى السوق ميدانيا، يتم الذهاب إلى سوق التوفيقية القريب مكانيا .
وبمرور الوقت أصبح النزول الميداني يمثل عبئاً نفسيا على بعض المصورين . أذكر أن مصورا رافقني لتصور موضوع عن محطة الصرف الصحي بالجبل الأصفر ، والتي عدنا منها مباشرة إلى الاستحمام في منازلنا ، للتخلص من آثار الجولة .
 وعاتبني المصور على نوعية المهمة ، قائلا إنه كان متاحا أمامه مهمات تصوير أخرى في اليوم نفسه، بعضها في مبنى التلفزيون لتصوير ممثلات جميلات يستخدمن عطورا فاخرة، ولو كان يعلم ما سيناله من آثار بيئية في محطة الصرف الصحي ما قبل مصاحبتي.
وفضل بعض مصوري الصحف  التخصص في تصوير الزهور، أو الآثار أو الأوبرا أو الفنون أو الرياضة أو مجلس الوزراء والبرلمان ، على النزول الميداني لتصوير الأحداث المختلفة،  وعادة ما يركز المحرر على صورة كبار مسؤولي الداخلية، الذين قاموا بجهد لإخماد النيران أكثر من تركيزهم على تصوير ضحايا الحريق من السكان البسطاء.
وأحيانا تتدخل السياسة لمنع تصدير بعض الأحداث، فما تقوم به الشرطة من تكسير لمحتويات دورات المياه، وتقطيع للمراتب وبعثرة للملابس على الأرض بمنازل الأشخاص الذين يتم اعتقالهم، كل ذلك لا يتم نشره ، وربما يتم الاكتفاء بصورة تقوم إدارة الاعلام بوزارة الداخلية بإرسالها للصحف لنشرها.
ولم يقتصر التأفف عن النزول الميداني لبعض المصورين، بل وصل إلى بعض السائقين، فعندما ذهبت لإعداد موضوع عن منطقة الزبالين بالمقطم، وجدت سائق الجريدة المرتدي البدلة والكرافت، يتوقف عند مدخل المنطقة، قائلا إنه لا يستطيع الدخول خشية البهدلة، رغم أنه كان سيظل داخل السيارة.
وفى أعياد الطفولة تكتفى الصحف بصور الاحتفالات التي تشهدها حرم الرئيس او وزيرة الشؤون الاجتماعية ، أو مسابقات التلوين التي يقوم بها أطفال بعض أندية منطقة مصر الجديدة، أما صور الأطفال البؤساء ولو حتى في الملاجئ فلن تجدها.
ويتكرر الأمر نفسه في عيد العمال، حيث لقاء رئيس الجمهورية بممثلي النقابات العمالية، وإغفال صور العمال من ذوى المهن الشاقة. ويتكرر ذلك في يوم المرأة العالمي، ومع تناول أحوال أصحاب المعاشات.
وحتى مع تناول أمور المساجين فلابد من صورة السيد مساعد وزير الداخلية للسجون، ومأمور السجن ومعاونيه ، وصور الرعاية الفائقة التي تقوم بها إدارة السجن للمساجين، من حيث التغذية والرعاية الطبية والأنشطة التثقيفية والترفيهية والرياضية!
ومن هنا تنفرد مكاتب وكالات الأنباء العالمية الموجودة بمصر بنشر صور المصريين البسطاء، فعندما يغرق ميكروباص فى ترعة بطريق الصعيد، تجد صورة المصريين البسطاء من أبناء القرية الواقفين على الشاطئ،  والبؤس يكسو وجوههم، والحرمان يعبر عن نفسه في نحول أجسامهم وجفاف بشرتهم وتجاعيد وجوههم.
وعند حدوث مشكلة للعمالة المصرية في ليبيا مثلا، تجد صور مصريين بسطاء بشعورهم المنكوشة وبملابسهم التقليدية غير المهندمة، سواء الجلابية والطاقية أو القميص والبنطلون والتلفيعة، والجوال الذى يعبئون فيه ملابسهم محمولا على أكتافهم.
وعند احتجاز صيادين مصريين في بلد عربي، يدخل مصورو الوكالات بيوت هؤلاء الصيادين، لنجد صور نساء مصريات حقيقيات بملابسهن البلدية، بأشكالها الريفية، وصور أطفال حفاة طبيعية ممزوجة بالبؤس والشقاء.

_______________________

*نقيب الصحفيين المصريين سابقاً
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه