صناعة الوحش .. دور الغرب!

يحاول المتطرفون في الغرب دائماً وضع صورة نمطية للمسلمين بملامح وقسمات مخيفة، فيبدو دائماً المسلم ذو لحية كثيفة، متجهم دائماً، لا يبتسم، يرتدي جلباباً أبيض وعمامة ملفوفة فوق رأسه، وبجواره سيدة لا يظهر منها شيء تحت سواد معتم ترتديه فيغطيها من أخمص رأسها حتى أسفل قدميها.

لعبة حقيرة

 وهذه الخطوة الأولى، أما الثانية فهي استغلال وجود أولئك النفر الموجودين فعلاً بين المسلمين واستثمار انغلاقهم وتعصبهم، ولا يخفى على أحد مساعدة أجهزة المخابرات لبعضهم وإعطائهم مساحة حريات واسعة للحركة والعمل، حتى إذا وقعت الواقعة وجاءت النتيجة المنطقية تفجيرات وحوادث طعن ودهس في مدن أوربية، تنفجر الأخبار وتمتلئ المساحات في الصحافة وبرامج الأخبار عن الوحوش التي على وشك أن تلتهم الجميع، ويجب إعطاء الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية المزيد والمزيد من الأموال لمكافحتها.

لعبة حقيرة ابتدعتها أجهزة المخابرات المسيطرة للحفاظ على تدفق الأموال على الأجهزة الأمنية بعد سقوط العدو الشيوعي التقليدي في أواخر القرن العشرين.

فكرة صناعة الوحش الإسلامي بداية كانت في زمن الحرب الباردة مع السوفييت، وإن كان لها جذور أعمق، حيث كان مشروع الحلف الإسلامي كبديل لحركة القومية العربية التي مثلت مشكلة لمشروع الاستحواذ الأمريكي على منطقة الشرق الأوسط بعد هزيمة الإمبراطوريات التقليدية وانسحابها من المنطقة، ربما نتحدث عن ذلك في موضع آخر بشكل تفصيلي لاحقاً- أحد أهم جذور استخدام الدين في معارك سياسية، ولكن يبدو أن التأريخ الواضح لبداية تعاون المخابرات الغربية -الولايات المتحدة بشكل أساسي- بدأ من خلال نادي السفاري، الذي تم بالتعاون بين فرنسا كممثل للمعسكر الغربي- مصر/السادات- السعودية-إيران/الشاة-المغرب، وكان نشاط نادي السفاري واضحاً وظاهراً ولا يمكن إنكار آثاره.

ورقة الدين

 كانت الفكرة في أساسها استخدام ورقة الدين المؤثرة في مقاومة الثورات ذات الطابع اليساري في أفريقيا، من خلال الدعم اللامحدود مادياً من خلال المملكة العربية السعودية بكل فوائض أموال النفط المهولة، والثروة البشرية الهائلة التي تمتلكها مصر، والدعم المخابراتي من خلال فرنسا ومن خلفها الولايات المتحدة وباقي الحلفاء الغربيين وخبرة وتغلغل المغرب في أفريقيا والدراية ببواطن الأمور، ثم قوة إيران التي كانت في تلك اللحظة وفي عهد الشاة رجل شرطة المنطقة وعصا الأمريكيين الباطشة والأهم أنها همزة الوصل مع الحليف المستتر وراء إيران/الشاه-إسرائيل-ثم تطور الأمر فيما بعد في توريط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان كمستنقع يغرق فيه، وترد المخابرات المركزية الأمريكية الصفعة التي تلقتها في فيتنام.

 كنت ما زلت طفلاً حين كانت النشرة الرسمية تصف من يقاتلون الاتحاد السوفيتي في أفغانستان- بالشهداء، لاحقاً أصبحت التسمية الرسمية إرهابيين، وكان أغلب أولئك المجاهدين من بلدان عربية وعلى رأسها مصر التي تحولت إلى مقاول أنفار لتوريد المجاهدين لقتال السوفييت الملحدين إلى جانب الأشقاء المسلمين في أفغانستان. كانت الآلة الإعلامية الرسمية تسير جنباً إلى جنب مع نشاط محموم في المساجد والزوايا لتجنيد المجاهدين ليصبحوا جند الله في حرب مقدسة ضد الملحدين، التمويل السعودي مفتوح، والمتلقين في كل ربوع العالم الإسلامي من قلب مصر، إلى تخوم القارة الآسيوية في باكستان يحركهم الوازع الديني بنشاط مشايخ التسلف المدعومين بترسانة فتاوى ابن تيمية وابن باز وابن عثيمين وغيرهم، والخطاب الإعلامي الرسمي يشجع والكونغرس الأمريكي يوافق على شحن أسلحة نوعية متقدمة إلى المجاهدين الأبطال- ويرسل المدربين لتلقين الدروس في فنون الحرب لدحر أعداء الإسلام.

ثم وفجأة انتهت الحرب في أفغانستان بهزيمة مروعة وفاضحة للسوفييت، وأعقبها بسنوات انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه واختفاء تلك الدولة العملاقة -التي كانت على مساحة تعادل سُدس كوكب الأرض- من الوجود بشكل درامي مثير.

ثم يلتفت رجل المخابرات يميناً ويساراً ليبحث عن عدو يحتفظ بوجوده بالاعتمادات المالية الهائلة من ميزانية الدولة، فلا يجد إلا ذلك الوحش الذي صنعه بنفسه ولم يبخل عليه لا هو ولا حلفاؤه يوماً بالسلاح والتدريب وقبلهم بالطبع أموال النفط العربي، فيستمر في دعمه من وراء الستار، ويستمر وجود الوحش الفتاك، معتقداً أنه لا يزال يحارب من أجل إعلاء كلمة الله، ولا يدري- ربما- أنه ينفذ أجندة سادة العالم وخططهم حتى وهو ينفذ عمليات هنا أو هناك في قلب ديار الكفر.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه