صلاح سليمان يكتب: هل مصر في حاجة إلى محطة طاقة نووية؟

أتذكر أن خبير الطاقة الشمسية في ألمانيا الدكتور “هاني النقراشي” قال لي ذات يوم في حوار معه: أن مصر يمكنها أن تجني أرباحا خيالية من وراء تصدير الطاقة الشمسية إلى الخارج

صلاح سليمان*
 
قرض مصري بقيمة 25 مليار دولار من أجل إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية، دخل حيز التنفيذ بعد صدور قرار رئاسي مصري بالموافقة علي الاتفاقية الموقعة مع روسيا بشأن هذا المشروع المكلف جدا.

السؤال هنا ـ لماذا مصر في حاجة إلى الطاقة النووية كبديل للطاقة النظيفة التي يسعى العالم كله إليها الآن؟.. ثم لماذا الإصرار علي الطاقة النووية رغم أن مصادر الطاقة البديلة كالشمس متوفرة بقوة في مصر؟!

إن استثمار 25 مليون دولار في الطاقة الشمسية، كان يمكن أن يعود علي مصر بالفائدة الكبيرة،  فهى طاقة المستقبل وكل الشواهد تؤكد أن مصر بها أحد أهم مصادر الطاقة الحديثة وهى الشمس. الميزة الكبرى  الأخرى أنها  موجودة في الأجواء المصرية علي مدار العام، وهذا يعني من وجهة نظر العلماء أن الطاقة الشمسية الحرارية في مصر ستكون مضمونة المواعيد أي يمكن تخزينها نهارا دون عوائق لتعمل ليلا.

أتذكر أن خبير الطاقة الشمسية في ألمانيا الدكتور “هاني النقراشي” قال لي ذات يوم في حوار معه: إن مصر يمكنها أن تجني أرباحا خيالية من وراء تصدير الطاقة الشمسية إلى الخارج، بل يمكنها أيضا أن تنتقل إلى مصاف الدول المصدرة للخبرة والمعدات الخاصة ببناء محطات الطاقة الشمسية، حيث يتوافر لديها كل مقومات التنمية في هذا المجال إذا ما تمت طبعا وفق الرؤى العلمية، كما أن هذا المصدر من الطاقة ليس له مخاطر تذكر، وأثاره البيئية ضئيلة، وهي عادة تتطلب استثمارا في المال العام لفترة محدودة جدا، أما من ناحية الآمان فهي آمنة وتمتاز بضعف احتمال وقوع كوارث، ولا ينتج عنها مخلفات، ويمكن إعادة استعمال مواد الإنشاء الداخلة في تركيبها أو تدويرها.

التجربة الألمانية
الألمان اتجهوا منذ وقت بعيد للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة، رغم أن بلادهم لا تتوافر فيها الشمس كمصر مثلا،  نجد ولاية بافاريا  في الجنوب الألماني علي سبيل المثال وضعت خطة من أجل إنشاء أكثر من1500 مروحة هوائية جديدة سوف ينتهي العمل فيها بحلول عام 2021 وستكون كافية لإمداد الولاية بحوالي 35% من الطاقة الكهربائية النظيفة، المروحة الواحدة تتكلف من مليون إلى ثلاثة ملايين يورو،  والواحدة منها كافية لإمداد قرية بالكامل بالطاقة الكهربائية .

المزارعون الألمان اتجهوا هم أيضا إلى تحويل مزارعهم كمنصات لألواح الطاقة الشمسية للحصول على الطاقة وبيعها للدولة، ووفق ما يقولون فإنها تحقق أرباحا تفوق أرباحهم من المنتجات الزراعية.. مثلا هكتار الأرض الزراعية الذي تشيد عليه محطات ألواح الطاقة الشمسية الزرقاء يفوق ربحه المالي هكتار الأرض المزروع بالبطاطس.

القوانين الألمانية صارمة في إصدار التصاريح خوفا من تقلص مساحة الأراضي المزروعة، وتجعلها صالحة فقط لمدة 20 سنة يتم بعدها النظر في تجديدها أو عودة الأرض للزراعة من جديد. 

بعض الدول العربية سبقت مصر في الاستثمار في مجال الطاقة النظيفة،  فالجزائر علي سبيل المثال أيقنت حاجة أوربا لاستيراد الطاقة النظيفة من الخارج،  لذلك بدأت بالفعل تخطط لإنشاء محطات شمسية عملاقة في الصحراء الجزائرية لبيع الطاقة ، كما أن هناك مشروع لخط كبير للطاقة سيربط بين تونس وإيطاليا وألمانيا وسوف يتبعه توجه تونسي لإنشاء محطات للطاقة الشمسية أيضا.

الدول الخليجية هي الأخرى لها استثمارات في مجال الطاقة النظيفة، مثلا شركة ” مصدر” لإنتاج الخلايا الكهروضوئية في مدينة “اشترن هاوزن” في ألمانيا هي استثمار إماراتي عملاق تأسس في عام 2009 برأس مال إمارتي خالص يصل إلى 200 مليون يورو ،والشركة تصدر منتجاتها إلى كل دول العالم.

أيضا شركة “سولار وورلد” أكبر شركة ألمانية عاملة في مجال الطاقة الشمسية ، والتي تقوم بإنتاج كل ما يتعلق بتلك الصناعة ، لها مشاريع مشتركة مع الجانب القطري لإنتاج مادة” البولي سيلكون “المستخدمة في صناعات الطاقة الشمسية ،وتبلغ حصة قطر في هذا المشروع العملاق 70% أما حصة الشركة فهي 29%ويمتلك بنك قطر للتنمية 1% .

إغلاق المفاعلات النووية
إذن مصر فجأة تتجه إلى الطاقة النووية في الوقت الذي تتخلى فيه أوربا تدريجيا عن المحطات النووية ولم تعد الأولوية في هذه الدول لإنتاج الطاقة من المفاعلات النووية والفحم كما كان قبل 30سنة، فألمانيا والنمسا علي وجه التحديد اتخذت قرارات حاسمة بشأن إغلاق المفاعلات النووية في غضون 20 عاما بسبب الأضرار الناجمة عنها. فالأوربيون ينظرون إلى الطاقة المتجددة علي أنها طاقة المستقبل خاصة عندما تتوافر مصادرها.

العالم به في الوقت الحالي 440  مفاعلا نوويا لأغراض التطبيقات السلمية،  ولكن تبقى السلامة النووية وحماية البيئة والإنسان من خطر تسرب المواد المشعة محل جدل دائم . فكيف ستطمئن مصر مواطنيها من أخطار التسرب النووي خاصة أن الحوادث النووية معروفة، مثل حادث ثري مايل آيلاند في 28 مارس/آذار عام 1978 في الولايات المتحدة، وحادث تشرنوبل في أوكرانيا في عام 1986 وحادث فوكوشيما اليابان في 11 سبتمبر/أيلول 2011، كذلك فإن النفايات المشعة مشكلة كبيرة تجد الدول صعوبة بالغة في التخلص منها. فكيف وأين ستتخلص منها مصر؟!
هناك مشكلة أخرى ستظهر عندما ينتهي عمر المحطة الافتراضي والمقدر فقط ب40 سنة، فعملية التفكيك ستتكلف 6 أضعاف تكلفة الإنشاء، وإذا حسبنا عندئذ نسبة التضخم خلال هذه الفترة سنجد أننا أمام تكاليف باهظة للغاية لتفكيك تلك المحطة، وسنجد أنفسنا مرة ثانية بعد هذه الفترة والتكلفة العالية نبحث من جديد عن حلول أخرى للطاقة رغم أنها موجودة بين ايدينا  الآن آلا وهي الشمس!
_________________________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا 
 
 
 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه