صلاح سليمان يكتب: من داخل أروقة مؤتمر الكلاب!

تبدو المفارقة في زمن المؤتمر غريبة، ففي أقصى الجنوب في ميونخ تدور مؤتمرات ونقاشات لاتتوقف حول وصول اللاجئين بالآلاف إلى ألمانيا، وتختلف فيها الآراء.. يتبع.

صلاح سليمان*
في ألمانيا عشرات المجلات التي تهتم بالحيوان، والنبات، والسفر، والترحال، يعمل فيها مئات المحررين المتخصصين، وليس غريبا في هذا البلد أن توجه للصحفيين دعوات لحضور مؤتمرات أو ندوات من هذا النوع.
لم أرفض دعوة لحضور مؤتمر للكلاب في “شليزفيج هولزشتاين” في شمال ألمانيا، فليس هناك ما يمنع ذلك.  إنها في الأساس تجربة جديدة نرى فيها نوعا جديدا من المؤتمرات التي يجري النقاش فيها بصدق وجدية حول علاقة الإنسان بالحيوان، شيء قد يفتقده الصحفي في تغطية المؤتمرات السياسية المليئة بالكذب والخداع والأخلاق المزدوجة، والتي غالبا ما يحيك فيها الإنسان للإنسان المؤامرات لدماره وهلاكه.
الحيوانات في ألمانيا مدللة خاصة الكلاب، فعلي باب الفندق الفخم الذي يقام فيه المؤتمر هناك شعار يحمل عنوان “العلاقة بين ذوات الأربع وذوات الاثنتين” وفقا للتصنيف البيولوجي للمخلوقات ومن دون الإشارة إلى أن هذا إنسان والآخر حيوان،  فالمساواة بينهم واضحة وقد لا تحتاج إلى اجتهاد لملاحظة ذلك، لكن الإنسان هو سيد المؤتمر فهو المتحدث، أما الكلب فهو ضيف يتريض أثناء انعقاد المؤتمر برفقة المدربين المتخصصين في الخارج.
 تقول “سيلفيا نيوماير” الطبيبة البيطرية المسؤولة عن تنظيم هذا المؤتمر: إن المشاركين سيناقشون أهمية حصول الكلاب علي التدريب المناسب حتي يزداد الفهم بينها وبين أصحابها، فالكلاب عادة لا تفارق أصحابها في المنزل و العمل والسيارة والشارع، بل وأيضا أثناء التسوق. لهذا السبب ومن دون التدريب السليم  وفهم العلاقة بين الاثنين يصبح الأمر فوضويا ومربكا لكليهما!
ترى “نيوماير” أن بعض أصحاب الكلاب لا يعرفون طرق معاملتها خاصة عندما يصحبوهم معهم إلى الأماكن العامة، لهذا يمكن تدريبهم على ذلك،  أما ماذا يمكن أن يفهم الإنسان عن الكلب؟،  وماهي المشاكل بين الكلاب واصحابها؟.. فهذا ما سنناقشه في المؤتمر!. 
تبدو المفارقة في زمن المؤتمر غريبة،  ففي أقصى الجنوب في ميونخ تدور مؤتمرات ونقاشات لاتتوقف حول وصول اللاجئين بالآلاف إلى ألمانيا، تختلف فيها الآراء، وتتناقض ما بين مرحب ورافض، أما في أقصى الشمال فالكل متفق علي إرضاء الكلاب ويبحث عن سعادتها.
يصحبنا “د.جاكوب أدجنر” صاحب الفندق في جولة في فندقه الرائع، فهو يقع علي قمة ربوة عالية ترتفع ألف وثلاثين مترا فوق سطح الأرض، المنظر من فوق يبدو بديع للغاية،  ويمكن مشاهدة كل معالم المدينة الساحرة من شرفات الفندق، أما حديقة الفندق فهي واسعة وجميلة،  وفي الساحة الخلفية حديقة للطيور وحمام سباحة،  والفندق بشكل عام مجهز بكل وسائل الاسترخاء وراحة النزلاء والكلاب.  يقول “أدجنر” إنه سعيد جدا بإقامة المؤتمر في فندقه، لأنه شخصيا واحد من أصدقاء الكلاب، وهو يمتلك كلب ألماني نوعه شيفر .
عدد الحجرات المخصصة للكلاب وأصحابها في الفندق عشرون، أي يمكن للكلب أن يعيش في الحجرة برفقة صاحبه، والحجرة مزودة بوسائد خاصة للكلب وطعام ووعاء شراب، ويسمح للنزيل بوضع لافته علي الباب للخارجي أثناء انشغال الكلب بالأكل، ويقدم الفندق خدماته وفق رغبة النزلاء، فإذا كان النزيل لا يرغب في بقاء الكلب وحده في الغرفة فهناك مدرب من الفندق يأخذ الكلب لتدريبه في الساحة الخلفية.
شعور رائع أن تشاهد شيئا لم تشاهده من قبل، وأن تشاهد جدية واهتمام بموضوع لم يدر يوما بخلدك أنه يلقي كل هذا الاهتمام،  فمن المهم أن يفهم الإنسان العالم المحيط به خاصة المكان الذي يعيش فيه.
في اليوم الثاني لمؤتمر الكلاب تجمع أصحابها للتعارف فيما بينهم، وراح كل واحد يعرف باسمه واسم كلبه ونوعه، وبدأ التعارف بين الجميع في حجرة برئاسة مقررة المؤتمر سيلفيا نيو ماير التي رحبت بالمشاركين وقالت: إن هدف هذا اللقاء هو للتوعية المشتركة بين الكلب وصاحبه، فيما يبدو علي الجميع  أنهم متفقون على فكرة المؤتمر!
عرض في المؤتمر بعض المعلومات عن الكلاب، فهناك مثلا أكثر من مئتين وخمسين مليون يورو ضرائب يدفعها أصحاب الكلاب للدولة، وهناك 560 دارا لرعاية الكلاب، فيما تقول “نيوماير” إن هناك نقصا كبيرا في عدد الأطباء البيطرين في ألمانيا!
شاهدت حوارا بين المقررة “سيلفيا نيوماير” وأحد الكلاب عندما توجهت للكلب الذي تعرف اسمه ومسحت بيدها علي ظهره قائلة اجلس ” يا بيكا” ..لكن صاحبته سارعت بالقول أنه يعرف فقط كلمة منزل ولا يعرف كلمة اجلس. تقول “نيوماير” إن الكلاب لا تفهم جمل كاملة،  لكنها تستطيع أن تلاحظ بعض الكلمات التي تتكرر،  وتقول المهم في التعليم هو التوجيه فمن الضروري أن يعرف أصحاب الكلاب غريزة الصيد عندها،  فالكلاب عندما تستمع للضوضاء والصخب العالي تتحرك الغريزة عندها بشكل تلقائي،  ويأخذ جسمها شكل الاستعداد للانقضاض .
لا يجب أن تعاقب الكلاب من قبل أصحابها فهي لا تفهم العقوبة ووفق “نيوماير” بل يجب أن يتم مكافأتها دائما من دون الغضب منها.
انتهي المؤتمر وعدت إلى ميونخ وأنا أفكر جديا في شراء كلب للمشاركة بفاعلية في المؤتمر المقبل!

____________________________

*كاتب مصري مقيم في ميونخ 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه