صلاح سليمان يكتب: ليلة التحرش بنساء “كولونيا”

حوالي ألف شاب قاموا بعملية تحرش جماعي في محطة القطارات الرئيسية في كولونيا، ووفق ما قاله رئيس الشرطة فولفاجانج ألبيرز فإن المعتدين ينحدرون من أصول عربية!

صلاح سليمان*

اهتمام غير عادي في الصحافة الألمانية، والمجتمع الألماني كله بحادث التحرش الجنسي الجماعي بالنساء الذي حدث ليلة الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية في مدينة كولونيا الألمانية .
تحرش جماعي .. أبطاله من المهاجرين الأجانب، أغلبهم من عرب شمال أفريقيا،  وأفغان، وأفارقة وفق شهود العيان ودوائر الشرطة في مدينة كولونيا، فيما أصيبت ألمانيا بصدمة جراء الحادث، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات المنددة.

وقد انتهز المعارضون لسياسة ميركل الفرصة لتجديد الانتقادات لها مرة أخرى بشأن سياستها في فتح باب اللجوء على مصراعيه، مؤكدين أن حادث كولونيا ما هو إلا بداية سلبية في هذا الملف الشائك.

حوالي ألف شاب قاموا بعملية تحرش جماعي في محطة القطارات الرئيسية في كولونيا، ووفق ما قاله رئيس الشرطة فولفاجانج ألبيرز فإن المعتدين ينحدرون من أصول عربية.

التحرش الجماعي ظاهرة غريبة على المجتمع الألماني، لهذا السبب فقد فجرت موجة حادة من الانتقادات لسياسة ألمانيا المنفتحة على قبول أعداد كبيرة من اللاجئين، لكن عمدة  مدينة كولونيا “هنريته ريكر” رفضت من جهتها الربط بين أعمال التحرش بالعديد من النساء ليلة رأس السنة بوضع اللاجئين، معتبرة في مؤتمر صحفي عقدته قبل أيام قليلة على خلفية هذا الحادث أنه لا وجود لأدلة تثبت أن الجناة هم ممن حصلوا على حق اللجوء في كولونيا.

وصفت الصحافة الألمانية حادث التحرش الجماعي بالمشين، فيما أعربت المستشارة الألمانية عن غضبها من هذه الاعتداءات الجنسية المقززة، وطالبت بسرعة القبض على المتحرشين وتقديمهم للعدالة وتوقيع العقاب عليهم بغض النظر عن خلفيتهم أو الأوطان التي ينحدرون منها.

أكثر من 90 بلاغًا للشرطة قدمتها نساء تعرضن للتحرش في تلك الموقعة الليلية المهينة، ووفق التحقيقات الأولية فإن الرجال كانوا يتجمعون في حلقات حول النساء لسرقتهن والتحرش بهن، وقد وصفت الشرطة ذلك بالجرائم الجنسية التي يعاقب عليها القانون.

وزير العدل الألماني “هايكو ماس” وصف الحادث: بأنه يدخل في نطاق الجريمة المنظمة،  ودعا  إلى ضبط الجناة ومعاقبتهم، وقال: ” يجب أن يتمتع الجميع بالحماية الأمنية ولا يتعرضون للجرائم الفاضحة في المدن الألمانية”. أما  وزير الداخلية  “توماس دي ميزير” فقد وصف الحادث بالفظيع، وبأنه أخذ بعدا جديدا في حوادث الجرائم المنظمة في المانيا. أما “رالف ييجر” وزير داخلية ولاية شمال الراين وويستفاليا فقد أعلن عزم الشرطة مواجهة الأمر بحزم، وقال : “لن نسمح لشباب من شمال أفريقيا بتنظيم مجموعات منظمة للقيام بجرائم تحرش”، وأضاف بشأن الاتهامات الموجهة بالتقصير لجهاز الشرطة في المدينة قائلا: إن الشرطة ستقوم بمراجعة خططها الأمنية في الاحتفالات والأعياد القادمة، وقال “هذه مسؤوليتنا للحفاظ علي الأمن في المدينة فيما يخص النساء أو اللاجئين على حد سواء”.

التحرش بالنساء بشكل عام في ألمانيا أمر غير مقبول في المجتمع؛ لكنه موجود حتى بين الألمان أنفسهم،  والمجتمع يكافح هذه الظاهرة بشدة. أكثر النساء عرضة للتحرش في المانيا هن ما بين  18 إلى 24 سنة، وهذه السن هى الأكثر تعرضا للتحرش بنسبة تصل إلى الضعف عن النساء ما بين 35 إلى 44 سنة .

التحرش في المانيا يشمل كل أنواع التحرش سواء بالنظر، والإيماء، والإيحاء ولمس الجسد،  فيما تتعرض نسبة تسعة بالمائة منهن للعنف الجسدي.

في أماكن العمل يكثر التحرش، وهو يؤدي إلى خلق بيئة غير سوية بين الزملاء،  تصل في بعض الأحيان إلى رهن العمل بقبول استمرار الإيحاءات الجنسية غير المرغوب بها.. خاصة إذا كان المتحرش هو مدير العمل، ويناشد المتخصصون في هذا المجال بسرعة الإبلاغ عن تلك الحالات أو الاتصال بالجمعيات الحقوقية التي تساعد النساء من خلال تقديم الاستشارة القانونية. وفي حالات معينة يقوم المتخصصون بإبلاغ الشرطة، غير أن المشكلة تكمن في إثبات تهمة التحرش التي تستدعي تقديم شهود علي الواقعة .

في بعض الجامعات الألمانية هناك مكاتب متخصصة في تقديم المساعدة للطالبات اللواتي تتعرضن للتحرش. وتطلب منهن سرعة الإبلاغ الفوري عن حالات التحرش سواء كان ذلك من قبل الأساتذة أو الطلاب، وعدم تجاهل التحرش وصده بحسم وحزم حتى في حالة مجرد الشك فيه.
على الصعيد الأوربي بشكل عام دفعت قضية التحرش المفوضية الأوربية إلى بحث سن قانون جديد يتم من خلاله مقاضاة المتحرش في الدول الأوربية، في حال تقديم شكوى في حقه أثناء العمل، وهذا من شأنه أن يشجع النساء العاملات على الإفصاح عن أية تحرشات جنسية يتعرضن لها .

وزارة شؤون الأسرة الاتحادية نبهت إلى أن أكثر حالات التحرش التي تم رصدها في المجتمع الألماني هي التي تقع في محيط العمل حيث يستغلها البعض في التحرش، خاصة عندما تنحرف الحوارات الودية واللطيفة عن سياق العمل إلى الحياة الشخصية دون أن تدري الضحية بذلك.

التحرش يتسبب في إصابة الضحايا بأمراض نفسية وعضوية وفق ما تقوله السيدة “انيتا ايركارد ” من جمعية حماية المرأة في ميونيخ. وهي ترى أن المكتب يقدم خدمات جيدة للنساء، حيث إن كل خدماته بالمجان، وتتفق مع توصيات المكتب بسرعة الإبلاغ الفوري عن حالات التحرش، لأنها تعتبر أن الصمت عنها حماية للمتحرش دون قصد. وهي تنبه النساء إلى أن بداية التحرش اللفظي تبدأ بالانحراف في الحديث إلى الإعجاب بأجزاء معينة من الجسم سواء بالإيحاء، أو الإيماء أو الملامسة، لهذا يتوجب الإبلاغ مباشرة عن ذلك حتى يتم وقف التمادي فيه. إنها ظاهرة جديدة في ألمانيا.

___________________________

*كاتب مصري مقيم في ميونيخ 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه