صلاح سليمان يكتب: المهاجرون وصعوبات السكن في ألمانيا!

ان صعوبة السكن في ألمانيا هي احد عوامل الطرد السرية للمهاجرين او للضغط عليهم لوضعهم في كانتونات خاصة بهم، أو لإبعادهم إلى المناطق النائية

صلاح سليمان*

موجات نزوح اللاجئين والمهاجرين الأخيرة  إلى ألمانيا عقّدت مشكلة السكن في المدن الألمانية الكبرى، ورفعت قيمة الإيجارات، ومن ثم زادت من حالات الحنق والغضب على المهاجرين، وأصبح الوافدون الجدد يقابلون صعوبات جمة في الحصول على سكن مناسب .
 في حالة العثور على سكن مناسب،  فان قائمة من المحظورات تنتظر الساكن الجديد من قبل المالك، يسبقها بالتأكيد اطمئنانه التام والتأكد من واقع الأوراق على أن دفع الإيجار الشهري سيتم في وقته دون تأخير، فعندما يقع الاختيار على ساكن جديد خاصة إذا كان أجنبيا، فإن المالك غالباً ما يطالبه بالاطلاع على مفردات مرتبه، وعندما يطمئن إلى قدرته على دفع الإيجار يبرم العقد معه علي الفور.
رغم أن القوانين الاجتماعية  تتيح الحق للمستأجر صاحب الدخل الضعيف أن يتقدم بطلب معونة مادية لتدعيم الإيجار،  إلا أن مالك العقار يتخوف من الارتباط بأشخاص أجانب يتقاضون معونات من الدولة،  البعض يرى أن الرفض بسبب ضعف الدخل هو أحد أنواع التمييز.
 الحقيقة أنه لا يمكن تجاهل أن هناك بالفعل تمييزا في السكن بسبب  لون البشرة، أو اختلاف الثقافة، أو حتي المعتقد الديني، فهي مجتمعة من الأمور التي تقف عائقا أمام فرصة حصول المهاجر على سكن مناسب.  رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا ” ألكسندر جاولاند” كان قد تسبب في جدل كبير في ألمانيا عندما جاهر بعنصريته وقال في مقابلة مع صحيفة ألمانية: إن الناس لا ترغب هنا في أن يكون شخص مثل لاعب المنتخب الألماني “جيروم بواتنج”، ذي الأصول الغانية جارا لهم، مع العلم أن هذا اللاعب هو واحد من أبطال الفريق القومي الألماني لكرة القدم .
إذن هناك جيران عنصريون قد لا يعجبهم السكان الجدد بسبب الاختلاف معهم،  فيتربصون بهم ويقدمون الشكاوى فيهم لصاحب المنزل، وغالبا ما تكون الاتهامات بسبب الضجيج، والاعتراض مثلاً على روائح كريهة تنبعث من المنزل، وأحيانا يصل الأمر إلى الاعتراض على أصوات الأطفال.
القانون الألماني واضح في مثل هذه الحالات فهو يقف بجانب المتضرر، وإجراءات التقاضي معقدة للغاية، ولا قبل لأجانب يجهلون اللغة،  ولا يمتلكون المال الكافي للوقوف في وجه المالك واثبات عنصر التمييز،  لذلك تقل نسبة عدد الشكاوى في هذا الصدد بأقل من 10 في المائة من حجمها
طلاب الجامعة يفضلون عادة السكن الجماعي لأسباب عدة أهمها المشاركة في الإيجار، ولأنه يعطيهم الاستقلالية ويمنع تدخل الأسرة في حياتهم الشخصية،  طلاب آخرون يرون أنه يلعب دورا في تطويرهم ومساعدتهم على الاندماج في الحياة الجامعية. لا يعرف السكن الجماعي في ألمانيا أي حدود فيسكن البنين مع البنات أو الطلاب الأجانب مع الألمان،  المجتمع هنا لا يهتم بمن يسكن مع من . 
الطلاب العرب يفضلون السكن معا لأسباب عديدة أهمها التوافق الثقافي، فالعادات والتقاليد متشابهة. اللاجئون القادمون إلى ألمانيا لا يجدون السكن بسهولة فتقوم الدولة بتوزيعهم على مدارس قديمة، أو جراجات سيارات مهجورة، أو قاعات رياضية، أو في ثكنات عسكرية سابقة، وفي بعض الأحيان يعيش اللاجئون في سكن مشترك يتقاسمون فيه الغرف.
تختلف الولايات عن بعضها البعض في نوعية تقديم الشقق للاجئين، فقد يسمح لهم بالانتقال للعيش في شقة مستقلة،  أو أن يبحثوا بأنفسهم عن شقة وبعد العثور عليها.. عليهم تقديم طلب  إلى الجهات المختصة التي تقرر بعد دراسة الطلب عما إذا كان ذلك مسموحا به أم لا.. أما طالبوا اللجوء القادمين من دول آمنة ، فيتم فرض  الإقامة عليهم في مراكز الاستقبال الأولية حتى يتم البت في طلبات لجوئهم.
عالم الإنترنت ساهم إلى حد كبير في وسائل البحث عن السكن في ألمانيا، بل إن البعض قد يؤجر سكنه لفترة محددة أثناء غيابه في أجازة أو مهمة عمل في مكان أخر .
 آخرون يتبادلون شققهم عبر تبادل الزيارات، وهناك مواقع على الشبكة العنكبوتية تتيح تبادل الزيارات المجانية لمن يرغب،  أي أنك تذهب لتعيش في محل إقامتهم في نفس الوقت الذين يأتون فيه لمحل إقامتك، كذلك يمكن تبادل السيارات أو كل ما يمكن الاتفاق عليه من خلال التواصل بهذه الطريقة، وبذلك يتم توفير ثمن الفندق وضغط النفقات وفضاء إجازة ممتعة.
لاشك ان صعوبة السكن في ألمانيا هي أحد عوامل الطرد السرية للمهاجرين او للضغط عليهم لوضعهم في كانتونات خاصة بهم، أو  لإبعادهم إلى المناطق النائية التي ليس بها وفرة من الخدمات التي يحتاجونها، رغم أن كثيرين فطنوا لتلك الحقيقة وأصبحوا يبحثون عن السكن في نطاق ضيق جدا، إلا أنهم لا يستسلمون بسهولة حتي يحصلوا علي ما يريدون.

______________________

*كاتب مصري مقيم ميونيخ 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه